يعاني معظم الشعب المصري من ارتفاع أسعار كشوفات الأطباء خلال الشهور الأخيرة أضعافًا مضاعفة، الأمر الذي أرغم الكثيرين منهم خاصة الفقراء ومحدودي الدخل إلى الذهاب للصيدلي ليصف له دواء؛ لأن قدرته المادية لا تسمح له بالكشف عند الأطباء.

 

أسعار الكشف الطبي تصل إلى 1000 جنيه

وفي محاولة لرصد أسعار الكشف عند الأطباء، وفقًا لتطبيق فيزيتا الطبي، اتضح أن أسعار الكشف عند الطبيب الخاص تتراوح ما بين 200 و1000 جنيه، ومتوسط الأسعار كان ما بين 400 و500 جنيه.

لكن هذه الأسعار ليست هي النهائية، إذ إن هناك طرقًا أخرى لتحصيل الأموال في الكشف بشكل غير معلن في تكلفة الكشف المعلنة عبر التطبيق الطبي الشهير.

ومن الظواهر الجديدة التي اتبعها العديد من الأطباء، هي تحصيل رسوم إضافية للاستشارة الطبية، حيث يكون الكشف تكلفته 400 جنيه، والاستشارة 200 جنيه على سبيل المثال.

وكلما كانت قيمة الكشف منخفضة كانت تكلفة الاستشارة مرتفعة، ووفق ما تم رصده عند أحد الأطباء المتخصص بأمراض الباطنة، فإن الكشف كان 250 جنيهًا، والاستشارة 200 جنيه، أي ما يقارب من قيمة الكشف الأساسي.

كما يتفق الكثير من الأطباء مع معامل التحاليل الطبية، ومراكز الأشعة المتخصصة، ليقوم الطبيب بتحويل الحالات المرضية إلى معاملهم ومراكزهم نظير نسبة يتم الاتفاق عليها؛ ليحصل عليها الطبيب من خلال كل حالة يتم تحويلها إلى معامل التحاليل أو مراكز الأشعة.

وتصف إحدى السيدات ما يتم معها داخل إحدى العيادات فتقول: "حتى أجهزة الأشعة الموجودة داخل عيادات الأطباء مثل جهاز السونار، يكون استخدامها بتكلفة مالية غير تكلفة الكشف الطبي، بحكم الواقع فتكلفة التحاليل أو الأشعة لا تقل عن 200 جنيه".

وأضافت المتحدثة أن هذا السعر يمكن أن يصل إلى أضعاف ذلك بكثير، وذلك حسب نوعية الإجراء الذي يطلبه الطبيب، وفي أخر مرة ذهبت لطبيب باطنة، كانت التكلفة 800 جنيه مع شراء الأدوية.

وأشارت المتحدثة إلى أنها التجأت إلى المستشفى الحكومي رغم سلبياتها الكثيرة، وذلك من أجل تخفيف ضغط المصاريف الصحية، التي لم تعد قادرة على مسايرة تكاليف العيادات الخاصة.

 

أسعار المستشفيات الخاصة ارتفعت 500%

ومن جهته، قال الدكتور شريف مختار، مؤسس طب الحالات الحرجة في مصر والشرق الأوسط، إن أسعار الخدمات في المستشفيات الخاصة ارتفعت بنسب وصلت إلى 500% في  القاهرة والمحافظات المجاورة.

وتابع "مختار"، خلال لقائه مع الإعلامي حمدي رزق ببرنامج "نظرة" المذاع على فضائية "صدى البلد"، أنه خلال فترة ذروة فيروس كورونا تم وضع حدود قصوى لخدمات المستشفيات الخاصة.

وأكد أن هناك عمليات بتكاليف عالية يتم تنفيذها بأسعار مخفضة أو بالمجان في مستشفيات  قصر العيني، مع إتاحة استشارات متعددة مجانية الرسوم.

وأوضح الدكتور شريف مختار، أنه بدأ عمله في أول عيادة في سنة 1982 منذ قرابة 42 سنة، وكانت الاستشارات تقدم بالمجان للمرضى، أما الآن لا توجد شفقة لزكاة المال والعلم.

وأكد مؤسس طب الحالات الحرجة في مصر، أن التشخيص أحد أكبر مشكلات الطب في مصر، مشيرًا إلى أن هناك استسهالًا في استخدام القسطرة.

 

75 % من الخدمات الطبية خاصة

ووفقًا لأحدث البيانات التي أعلنت عنها الحكومة في 2024، فإن عدد المستفيدين بخدمة التأمين الصحي في مصر وصل إلى 70 مليون مواطن من أصل ما يزيد عن 110 ملايين مصري.

هذه الأرقام تعني أن هناك أزيد من 40 مليون مواطن ليس لهم أي خدمات داخل التأمين الصحي، وبإضافة الخدمات الصحية التي لا تشملها منظومة التأمين الصحي، وبالتالي فإن حوالي 75% من المصريين مضطرون للحصول على خدماتهم الطبية من القطاع الخاص.

وقد اعترفت وزارة الصحة بتلك النسب، حيث ذكرت أن المستشفيات والعيادات الخاصة بمصر تقدم 75% من الخدمات الطبية للمواطنين.

كما أن عدد مستشفيات القطاع الخاص يزيد عن 2013 مستشفى، أي نحو 3 أضعاف المستشفيات العمومية البالغ عددها نحو 700 مستشفى إلى جانب نحو 80 ألف عيادة تمثل 95% من إجمالي العيادات الطبية الموجودة في مصر، مقارنة بـ5% تابعة لوزارة الصحة، بل أوضحت أن عددًا كبيرًا من العيادات غير مرخص بالأساس.

 

انفلات السوق الطبي بمصر

وقال الدكتور علاء غنام، خبير السياسات الصحية، في تصريح لموقع "اليوم السابع"، إن الواقع الحالي في مصر يؤكد أن هناك انفلاتًا في الخدمات الصحية، التي أصبحت تعمل هي أيضًا وفق مبدأ السوق والعرض والطلب.

وأضاف المتحدث أن ما نشهده داخل القطاع الصحي الخاص، نجد أن هناك مزيدًا من تسليع الخدمة ورغبة في الكسب بأي شكل استغلالًا لعدم وجود قيود أو رقابة أو جهة تتحكم في أسعار الخدمات في العيادات الخاصة.

"وبالتأكيد فإن الأمر زاد عن الحد، خاصة مع الأزمة الاقتصادية، حتى بات اهتمام مقدمي الخدمة قاصرًا على تحقيق أعلى نسبة من الأرباح، وأن نسبة قليلة من الأطباء فقط تحركهم القواعد الأخلاقية والراسخة والمتعارف عليها".

وأشار المتحدث إلى أن "الطبيب كان قديمًا يُعالج زميله الطبيب وأبناءه مجانًا، وهو أمر اختفى حاليًا عدا حالات نادرة، نتيجة لهيمنة السوق والرغبة في الكسب".

وأضاف غنام: "لذلك لا يوجد له حل إلا تدخل الدولة لتنظيم القطاع الخاص الطبي لتحد من هيمنته وتحكمه بشكل مطلق في التسعير، وما زاد من الفوضى، هو عدم وجود حصر دقيق لأعداد العيادات الخاصة بمصر، والتي بلغت أعدادها في محافظة القاهرة مئات الآلاف".

وأشار المتحدث إلى أن "الحل هو سرعة تعميم منظومة التأمين الصحي الشامل على كافة المحافظات، وضرورة تعاون نقابة الأطباء مع العلاج الحر بوزارة الصحة، لإلزام العيادات الخاصة بأسعار معقولة للكشوفات وفق التكلفة، وبهامش ربح معقول".

 

4.4 مليون مستفيد من التأمين فقط

ويبدو أن أزمة التغطية الصحية مستمرة لفترة طويلة قبل أن يعمم التأمين الصحي الشامل داخل محافظات مصر، حسب ما نص عليه القانون رقم 2 لسنة 2018 ولائحته التنفيذية.

ويطبق التأمين الصحي الاجتماعي الشامل الإلزامي على 6 مراحل، وعلى مدار 15 عامًا بداية من 2018 حتى 2032، على أن تكون المحافظات الأكثر كثافة سكانية القاهرة، الجيزة، والقليوبية، ضمن المرحلة الأخيرة.

ورغم مرور 6 سنوات على تطبيق المشروع، إلا أنه يخدم 4.4 مليون مواطن مصري فقط، وذلك بحسب ما قاله الدكتور محمد معيط، وزير المالية، رئيس هيئة التأمين الصحي الشامل، حيث ذكر أن المنظومة تخدم نحو 4.4 مليون مواطن في 6 محافظات.

ويقول الدكتور خالد أمين، عضو مجلس النقابة العامة للأطباء، إنه من حق أي مكان خاص أن يسعر وفق مستوى الخدمة المقدمة في العيادة، فلا يوجد أي قانون يمنع ذلك، على أن يكون هذا السعر معلنًا مسبقًا بالنسبة للكشف والاستشارة.

وأكد أن تنظيم هذه الأمور من سلطة ودور إدارة العلاج الحر في وزارة الصحة، وأن النقابة ليس لها سلطة لتضع أسعارًا استرشادية للكشوفات وتلزم الأطباء بها، ولحين تعميم منظومة التأمين الصحي الشامل، فالوضع الحالي لا يمكن التحكم في الأسعار، خاصة أن وزارة الصحة سبق لها وضع أسعار استرشادية للعيادات، ولم يتمكن العلاج الحر من تطبيقه.