ظهرت منذ أيام صورة لسيارة تسير في ولاية نيوجيرسي الأمريكية عليها ملصق يخبر العالم بأن كل شيء بدأ في عام 1948؛ حيث احتل الصهاينة الأراضي الفلسطينية، ولم تبدأ الأحداث (كما يزعم بعض من الجهلة، والخونة، والعديمي النخوة، ومزوّري التاريخ) في 7 من أكتوبر عام 2023.

نعم، كانت 1948 نكبة للعرب؛ حيث استطاعت العصابات الصهيونية التي جُلِبت من دول أوروبا والعالم أن تستولي على الأرض، وتطرد أهلها، وأن تهزم الجيوش العربية. والحقيقة أنه لم تكن هناك جيوش عربية بالمعنى المعروف؛ ولكنها كانت جيوشَ تشريفاتٍ للملوك والأمراء، ويُستثنَى منها الجيشُ المصري الذي قاتل ما استطاع، ولكنّ الظروف لم تساعده، لتنتهي المعارك بهزيمة تلك الجيوش، ومحاصرة بعضها، وليتم تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، ويصبح جزء منهم تحت الاحتلال، ويبقى الجزء الآخر ينتظر دوره.


وفي تبجّح كل عام، يحتفل الكيان بعيد ما يسمّى “الاستقلال” يوم 15 من مايو، وهو عيد احتلال، وليس استقلالا، فهُم على أرض مغتصبة، سوف يرحلون عنها يوما نراه قريبا جدا، ولكنهم مغتصبون متبجّحون، ويجدون مَن يقف معهم، ويتواطأ معهم من بني جِلدتنا للأسف!

وتأتي ذكرى النكبة هذا العام؛ حيث معركة الطوفان منذ 7 من أكتوبر 2023، ومحاولة الكيان تكرار ما حدث في النكبة من تهجير قسري، وحرب إبادة، وهو ما يحدث منذ أكثر من 7 أشهر.

ولكن ما غيّر المعادلة هذه المرة هو المقاومة الفلسطينية التي تقف ضد الكيان وحيدة منذ 7 أشهر لا تتلقّى دعما أو مساعدة، ولكنها تقاوم وتضرب أروع الأمثال في الثبات والقوة؛ حيث نالت من العدو الكثير رغم تقدّم أسلحته، ومدّه بالصواريخ، والقنابل، والطائرات، وغيرها من الأسلحة التي تقدمها له أمريكا، والدول الغربية، ورغم ذلك لم تحقق أهدافها في غزة.

ولكن ما حدث هو ثبات المقاومة والغزيين؛ حيث رفضوا التهجير القسري رغم المذابح التي حدثت لهم والقصف العشوائي، ومحاولة فرض حصار عليهم مدة 7 أشهر في حرب تجويع يشهدها العالم جميعا، في حرب تطهير عِرقي جعلت شعوب العالم أجمع -خاصة الشباب- ترفض ذلك.

إن ما يؤكد أن هناك تغييرا بين نكبة 1948 وما يحدث الآن، أنه إذا كان القادة والرؤساء الغربيون يقفون مع الكيان المحتل، فنحن نتفاءل بتحركات الشباب في مختلف دول العالم؛ حيث يقومون بمظاهرات مليونية؛ تضامنًا مع فلسطين وغزة، وينادون لهما بالحرية.

ولأول مرة، نرى تعاطفا من طلاب الجامعات على مستوى العالم تمثل في اعتصامات ومظاهرات، وكان ردّ الدول التي تدّعي الديمقراطية فصل بعض الطلاب، واعتقال آخرين في مشهد لا نراه إلا في الدول التي يطلقون عليها “دول العالم الثالث”.

ولكن أبَى الطلبة إلا أن يوصلوا رسائلهم بشتّى الوسائل من خلال حفلات التخرّج، ويفضحون الديمقراطيات المزعومة؛ حيث رفع طالب أثناء تخرّجه في جامعة تكساس العَلم الفلسطيني، وحاول المسؤول أن يبعده، ولكنه رفض.


والغريب أنه أثناء حضور الرئيس بايدن حفل تخرج كلية مورهاوس طَالَبَ الطالِبُ المتفوق بالوقف الفوري لإطلاق النار في غزة؛ فصفّق له الجميع، ومنهم بايدن نفسه.

ولم يكن مشهد خريجي جامعة نورث إيسترن الأمريكية أثناء تسلّم شهادات التخرج إلا تأكيدا لأن هناك تغييرا يحدث لدى عقول وقلوب هؤلاء الشباب، وكان السبب فيه معركة “طوفان الأقصى” التي جعلت القضية الفلسطينية تعود خبرا أول في جميع فضائيات العالم، فضلا عن مواقع التواصل الاجتماعي قاطبة.

فقد ارتدى الطلاب والطالبات الكوفية الفلسطينية، وتلفّعوا بالعلم الفلسطيني أيضا، وكلما وصل أحدهم إلى منصة التكريم، وقبل أن يتسلّم شهادته؛ يرفع لافتة يطالب فيها بالحرية لفلسطين، ولافتات الحرية لغزة كُتب عليها “أوقفوا المجازر”، ومعظم اللافتات ملطخة باللون الأحمر؛ كنايةً عن الدماء والمجازر التي تحدث للأطفال والنساء، والشيوخ والشباب.

لقد أعجبتُ بتصرف هؤلاء الشباب، وصِدق نياتهم، ووعيهم بالحقيقة، فلم يخشوا شيئا، وإنما عبّروا عن موقفهم في صورة جميلة وسط احتفاء كبير من الحاضرين الذين كانوا يتضامنون معهم وسط تجهّم المسؤولين؛ ولكن رسالتهم وصلت.

الحل في المقاومة والجماعات المسلحة

وبعيدا عن الطلاب، فقد اعتدت الشرطة في جميع دول أوروبا وأمريكا على المتظاهرين من المواطنين العاديين ضد الكيان لصالح فلسطين، واعتقلت العشرات؛ لأنها لا ترغب في أن تسمع سوى صوت الكيان الصهيوني، ولا تريد أن تسمع أصوات شعوبها ما دام الأمر يتعلق بفلسطين؛ لأن الحكومات هناك مشاركة في العدوان، وتمدّ الاحتلال بالأسلحة والذخائر، والمستشارين العسكريين، فضلا عن التعاون المخابراتي.

الحقيقة أن المقارنة بين نكبة 48 وهزيمة ما يسمّى الجيوش العربية، واحتلال الأراضي الفلسطينية والعربية، بما يحدث حاليا منذ أكثر من 7 أشهر؛ تؤكد أن الحل في المقاومة، وأن التيارات الإسلامية التي تحمل راية الجهاد هي الحل لطرد هذا العدو الصهيوني.
والحل هو مساعدة هذه الجماعات والتنظيمات؛ للوقوف أمام تجبّر العدو ما دامت أيدي الجيوش العربية مشلولة ومغلولة باتفاقات والتزامات، وهي لا تستطيع الدخول في معارك مباشرة مع الكيان؛ لذا يجب أن يساعدوا المقاومة وتلك الجماعات بطرق مباشرة وغير مباشرة؛ لأنها أقدر على المناورة، وستكبّد العدو خسائر كبيرة بأقل الوسائل المتاحة لديها.


في الحقيقة، العالم الآن يتغير لصالح القضية الفلسطينية عكس ما حدث أيام النكبة الأولى، ويجب على الدول العربية والإسلامية استغلال هذا التغيّر الذي يحدث، وأن تقف مع المقاومة بعد أن ظهر إجرام الكيان، وعدم احترامه كل القوانين والأعراف، وألا تضيّع تلك الفرصة، فالوقوف مع المقاومة شرف، ومهما جرى فإن الرهان على حدوث نكبة أخرى في ظل هذه المقاومة رهان فاشل.

المصدر : الجزيرة مباشر