أعلنت مجلة «نيويوركر» الأمريكية عن الغلاف الذي سيتصدر العدد الجديد، في شهر مايو الجاري، والذي يتضمن صورًا من حفلات تخرج طلاب الجامعات، بريشة باري بليت أحد كبار رسامي المجلة.

ويأتي الجديد على هذا الغلاف في هذا الرسم، الذي اشتهر سريعًا وانتشر على نطاق واسع تجاوز الولايات المتحدة إلى العالم بأسره، والذي يتضامن فيه الطلاب مع أهالي غزة حيث يصوّر طالبات وطلابًا يتسلمون شهادات تخرجهم من إدارة الجامعة، ولكن أيديهم مكبلة إلى الخلف ويخفرهم رجال الشرطة.

 

شهادات حية على التوحش الإسرائيلي

وتكرر مشهد آخر بالأمس، خلال مراسم التخرج في كلية الحقوق، جامعة كولومبيا الأمريكية، حين أصرّ عدد غير قليل من الخريجات والخريجين على ارتداء الكوفية الفلسطينية، أو ضمّ العلم الفلسطيني إلى ثيابهم، كما امتنع بعضهم عن مصافحة نفر من الأساتذة الذين أحجموا عن تأييد الحراك الطلابي أو سكتوا عن إدخال الشرطة إلى الحرم الجامعي. وكل هذا تحت سمع وبصر زملائهم وذويهم والجهاز الأكاديمي والإداري، ولكن أيضًا أمام عدسات العديد من وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى.

وهذا خيار طلابي وشبابي يتجاوز فعل احتجاج عادي رمزي أو ملموس، لأنه يذهب أبعد في نقل حقوق التعبير وحريات الرأي إلى مستوى صميمي يتحدى ما تتعرض له الجامعات الأمريكية من تضييق وقمع وانتهاك على أيدي الشرطة، بقرارات عليا من ساسة يحتلون مناصب رفيعة في المدينة أو الولاية، ويحدث أن مساندتهم لحرب الإبادة الإسرائيلية ليست خافية ولا هم أصلًا يجدون حرجًا في إعلانها على الملأ، وفقًا لـ"صحيفة القدس".

وتدل هذه الشهادات الحية مثل أن يُطرّز علم فلسطين على ثوب جامعية شابة في حفل تخرّج واحدة من أعرق جامعات أمريكا، أو أن تتجاور الكوفية الفلسطينية مع شهادة عالية في الحقوق، أو كما فعل غلاف «نيويوركر» حين جمع بين تكبيل الأيدي وانعتاق العقول وتحررها من الأكاذيب والأضاليل، كلّ هذه الوقائع وسواها ليست سوى شهادات الحدّ الأدنى على توحش إسرائيلي انفلت من كل عقال، وبلغ أقصى الهمجية في ارتكاب جرائم الحرب بعيدًا عن المساءلة والردع.

 

انسحاب من "الزيتون" وهزيمة في جباليا

ومن صور التضامن الأمريكية والكولومبية في الجامعات إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من حي الزيتون وتعرضهم لهزيمة قاسية في جباليا، حيث أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأربعاء، انسحابه من حي الزيتون جنوب مدينة غزة بعد عمليات دامت نحو أسبوع، وسط اشتباكات في جباليا شمال قطاع غزة وإطلاق صواريخ على سديروت في غلاف غزة، واستمرار القصف الإسرائيلي على أنحاء القطاع.

وأعلنت “القسام” مقتل 12 جنديًا إسرائيليًا في عملية مركبة قام بها المجاهدون في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، مؤكدة الاشتباك مع قوة إسرائيلية.

وأفادت بأنها فجرت عبوة شواظ في دبابة ميركافا بمخيم جباليا، واستهدفت جرافة عسكرية بقذيفة “الياسين 105” وقوة إسرائيلية تحصنت داخل منزل في جباليا، كما اشتبكت مع قوة إسرائيلية، مؤكدة أن الاحتلال سحب معداته المدمرة بغطاء جوي بعد مقتل الجنود في جباليا.

وفي السياق كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية، أن ضباط جيش الاحتلال الذين عادوا إلى جباليا يأملون ألّا يعودوا إلى هناك مجددًا، مؤكدين أن قوات حماس المقاتلة هناك باتت أكثر خبرة.

وكتبت الصحيفة، نقلًا عن ضباط الاحتلال، أنه بعد 7 أشهر من الحرب، و4 أشهر على إعلان الجيش عن تفكيكه كتائب حماس في شمال قطاع غزة، فإن مقاتلي حماس أصبحوا أكثر خبرة.

وقال أحد الضباط: “نرى أنهم غيروا تكتيكاتهم ويركّزون أكثر على تفخيخ المباني، فيما يشكو العديد من جنود الاحتياط من استدعائهم بموجب أمر تجنيد غير محدد من الناحية الزمنية”.

وفي ذكرى النكبة، اضطرت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي المتواجدة في منطقة جباليا بشمال قطاع غزة، إلى مشاهدة وابل من الصواريخ التي تم إطلاقها باتجاه عسقلان، بدلًا من متابعة العرض العسكري التقليدي لسلاح الجو.

وقال قائد سرية في الكتيبة 196: “من المحبط أن نرى هذا بعد سبعة أشهر ونصف من بدء الحرب، لكن يبدو أننا بحاجة أيضًا إلى العودة والبحث عن كل منصة إطلاق صواريخ”.

ووفقًا لتقرير الصحيفة، قبل أكثر من أربعة أشهر، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن تفكيك كتائب حماس في شمال قطاع غزة. ومع ذلك، عادت هذا الأسبوع ألوية كاملة من الجيش لتنفيذ عمليات في منطقة جباليا، بالإضافة إلى تخصيص ألوية للمشاركة في العمليات الجارية في مدينة رفح، وتم استدعاء جنود من خدمة الاحتياط للمرة الثانية للخدمة في الحرب الحالية، كما تم إيقاف دورات تأهيل القادة لتعزيز تلك القوات.

وعلق على ذلك قائد الكتيبة 196، المقدم يعيلي كورنفيلد قائلًا: إنّ الجميع هذه المرة أصبحوا أكثر استعدادًا: “إذا كان يتوجب علينا في السابق، تدريب أطقم الدبابات ودفعهم لتخيّل طبيعة ساحة المعركة فلا داعي لذلك الآن، أولئك الذين يأتون للقتال للمرة الثانية لديهم أفضلية، ولكن هذا ينطبق أيضًا على حماس.. نحن نخوض سباق في التعلم والمنافسة مع حماس.. إننا نرى أنّهم غيروا تكتيكاتهم ويركزون أكثر على تفخيخ على المباني”.

وأشار كورنفيلد إلى درسين رئيسيين يمكن استخلاصهما من العمليات الحالية لجيش الاحتلال في جباليا وأماكن أخرى في شمال قطاع غزة، موضحًا أن الدرس الأول يتمثّل في أن الجيش لم يقم بتقييم مدى الضرر الحقيقي الذي لحق بالبنية التحتية العسكرية التابعة لحماس في قطاع غزة، أما الدرس الثاني، فهو عندما غادرت قوات الاحتلال المنطقة، سارعت حماس إلى التعافي وإعادة بناء نفسها في الفراغ الناشئ، وذلك يرجع جزئيًّا إلى عدم وجود استراتيجية سياسية تعنى بمرحلة “اليوم التالي”، بحسب تعبيره.

 

حصيلة جديدة لخسائر الجيش الإسرائيلي

نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، الأحد الماضي، على صفحتها الأولى أسماء 1538 جنديًا ومدنيًا إسرائيليًا قُتلوا منذ بدء الحرب على قطاع غزة.

وظهرت أسماء 716 جنديًا إسرائيليًا، و822 مدنيًا قتلوا منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، مكتوبة بخط صغير للغاية مع خلفية سوداء على الصفحة الأولى للصحيفة في عددها الصادر الأحد 12 مايو 2024.

وقالت الصحيفة في عنوانها الرئيس، إن أكثر من 1500 من جنود الجيش الإسرائيلي والمدنيين قُتلوا منذ بداية الحرب.

وبحسب معطيات نشرتها وزارة الدفاع الإسرائيلية، الخميس، فإن 716 جنديًا قتلوا منذ بداية الحرب في غزة ( 642 من الجيش، و68 من الشرطة، و6 من جهاز الأمن العام "شاباك")، بينما قتل 822 مدنيًا إسرائيليًا.

كما قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أن 10 ضباط وجنود إسرائيليين انتحروا منذ 7 أكتوبر الماضي، بعضهم خلال المعارك في مستوطنات غلاف غزة.

وأكد الجيش الإسرائيلي مقتل 41 عسكريًا بنيران صديقة وحوادث عملياتية.

وأفاد بإصابة 3361 ضابطًا وجنديًا بينهم 1610 خلال العملية البرية منذ بداية الحرب.

لكن تقارير محلية تقول إن الجيش الٍإسرائيلي لا يفرج عن حجم الخسائر الحقيقية، وإنها أكبر من هذه الأرقام.

 

انتصار المقاومة يفوق كل التوقعات

ومن جهته، قال الخبير العسكري اللواء فايز الدويري، إن العمليات التي نفذتها المقاومة خلال الأيام الـ3 الماضية تفوق كافة التوقعات، مؤكدًا أن الخسائر الكبيرة في آليات الاحتلال تعني وجود خسائر مماثلة في الأفراد.

وأضاف -في تحليل للمشهد العسكري بغزة- أن الصور القادمة من الميدان تؤكد التنسيق الكبير بين مختلف فصائل المقاومة، الذي يوفر كثيرًا من الجهد والخسائر، حسب تعبيره.

ويرى الخبير العسكري أن غرفة عمليات المقاومة أثبتت كفاءة في إدارة مقدرات القتال، وأظهرت مستوى متقدمًا جدًا من القيادة.

 

تهديد وجودي شامل لـ"إسرائيل"

وعلق الكاتب الإسرائيلي غيرشون هكوهن، قائلًا: "إن انتظار مخرج إبداعي من فخ مفترق الطرق هذا هو اختبار استراتيجي غير مسبوق للقيادة الإسرائيلية يحدث هذه الأيام".

وأضاف في مقاله بصحيفة "إسرائيل اليوم" رون بن يشاي، إن هناك سلة من البدائل المحتملة وأوصى بـ “حكم فلسطيني مشترك مع قوة عربية، لكن شرط هذا هو موافقة رئيس الوزراء على إخراج كلمتي دولة فلسطينية” من فمه. غير أن هذا الشرط يؤدي في ميله النهائي إلى تقسيم القدس، والانسحاب من غور الأردن، وترسيم حدود إسرائيل الشرقية في “كفار سابا”، وبنظرة أمنية واعية: الطريق إلى كارثة أمنية وقومية. وفي فخ الرعب هذا، مطالبة من القيادة الأمنية والسياسية باختراق طريق يؤدي إلى الخلاص من المتاهة الإستراتيجية الآخذة في التطور في الأسابيع القادمة، إلى تهديد وجودي شامل على إسرائيل".