أحصى مدونون -عبر حساباتهم على منصات التواصل- جميع عمليات المقاومة الفلسطينية، خاصة كتائب القسام، في مختلف جبهات غزة خلال الـ24 ساعة الماضية ووجدوا أنها وصلت إلى أكثر من 18 عملية استهداف، ولكن جبهة مخيم جباليا كانت الأكثر تفاعلًا على منصات التواصل.

وأضافوا أن المقاومة في معسكر جباليا تستبسل مجددا بعد 7 أشهر من زعم الاحتلال أنه قضى على المقاومة فيه، ليخرج له المقاومون اليوم من بين الأزقة والحارات والركام، ويخوضوا معارك ضارية ضد قواته ويثخنوا فيها في “ملحمة عظيمة”.

وأعاد مدونون نشر كلمة القيادي في كتائب القسام الشهيد نزار ريان في معركة “أيام الغضب” مع الاحتلال في سبتمبر 2004، التي قال فيها “لن يدخلوا معسكرنا.. يعني لن يدخلوا معسكرنا”، وفقًا لـ" المركز الفلسطيني للإعلام".

العملية الجديدة في جباليا تميزت باستباق المقاومة للماكينة الإعلامية الإسرائيلية؛ بتقديمها تفاصل للحدث لحظة وقوعه وتطوراته دقيقة بدقيقة، ببيانات وتصريحات من المقاومة من المرجح أن تؤكدها وسائل الإعلام العبرية لاحقًا لصعوبة إخفائها، ما يعزز من مصداقية المقاومة وفاعليتها السياسية، إلى جانب الفاعلية العسكرية.

معارك جباليا والزيتون المترافقة مع معارك رفح، تؤكد فاعلية كبيرة لمنظومة التحكم والسيطرة والاتصال لدى القيادة العسكرية والسياسية للمقاومة الفلسطينية وحركة "حماس" ممثلة بجناحها العسكري كتائب القسام، إذ تشير إلى أنها في عافية، خصوصًا وأنها معززة بضربات صاروخية بلغت عسقلان وسديروت وكرم أبو سالم في الآن ذاته، وبتنسيق واضح.

 

ملاحم وصمود

الخبير العسكري الفلسطيني، اللواء واصف عريقات، يقول إن اسم جباليا يبرز مع كلّ جولة تصعيد مع إسرائيل، حيث إنه أقرب نقطة إلى معبر “إيرز” ومنطقة محيط غزة، وهو المنفذ الوحيد لسكان غزة إلى إسرائيل.

ويقول في تصريح صحفي إن السيطرة على جباليا وحي الزيتون إحدى أصعب مهمّات الجيش الإسرائيلي الذي أقرّ بمعارك ضارية مع مقاتلي القسام في تلك المناطق.

وأحضر جيش الاحتلال إلى محيط جباليا “الفرقة 162″ و”اللواء المدرع 401” و”لواء المشاة ناحال”، فضلا عن “لواء الاحتياط 551” وقوات النخبة الأخرى لمحاولة السيطرة، لكنه لم يستطِع تحقيق أي إنجاز عسكري يذكر في المخيم وفي كل غزة، بخلاف قتل المدنيين وتدمير البنية التحتية وهدم المنازل. وفق عريقات.

وأضاف: تدَّعي إسرائيل وجود قيادات حركة حماس في المخيم ومدينة جباليا، وهي ادّعاءات لا دليل عليها.

إسرائيل فضلًا عن استباحتها القطاع دون رادع أو رقيب، ترتكب مجازر وجرائم حرب بحق السكان العزل بالمخيم.

 

مخيم الثورة.. تاريخ من المجازر

المخيّم الذي أُنشئ بعد نكبة عام 1948، من أكبر مخيّمات اللاجئين الثمانية في غزة، وضمن مناطق مدينة جباليا، ويفتقر عشرات الآلاف مِن سكانه إلى مأوى يقيهم البرد والأمطار، بعد استهداف مدارس ومناطق الإيواء.

ويبلغ تعداد سكانه نحو 59 ألفا و574 لاجئًا، وفق إحصاءات 2023.

ويقع شمال مدينة جباليا، وعلى مسافة كيلومتر عن الطريق الرئيس “غزة ـ يافا” ويقطنه نحو 114 ألف لاجئ مسجل بوكالة “الأونروا”.

تحدّه من الغرب والجنوب قريتا جباليا، والنزلة، ومن الشمال بيت لاهيا، ومن الشرق بساتين الحمضيات لمجلس قروي جباليا، النزلة، وبيت لاهيا.

ويعد من أكثر المناطق اكتظاظا بغزة، حيث مساحته لا تزيد على 1.4 كيلومتر.

وارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي في جباليا عدة مجازر على مدار التاريخ، من بينها:

مجزرة جباليا سنة 1967.

مجزرة جباليا سنة 1968.

مجزرة سنة 1987 التي أشعلت الانتفاضة الأولى.

مجزرة جباليا في 2003.

مجزرة اجتياح شمال غزة 2004.

مجزرة جباليا من 27 فبراير 2008 حتى 4 مارس 2008.

مجازر شرق جباليا خلال حرب 2009.

مجازر خلال “طوفان الأقصى” 2023.

 

هجمات قوية ومتقنة

كما انسحب جيش الاحتلال من حي الزيتون شمال قطاع غزة؛ ليتبين لاحقًا أن الانسحاب جاء عقب هجمات قوية ومتقنة التخطيط للمقاومة، أفضت إلى إصابة نائب مراقب المنظومة الأمنية في جيش الاحتلال العميد يوغيف بارشيشيت، بجراح وصفت بالمتوسطة، ويتوقع أن يتكرر انسحاب الجيش في مخيم جباليا قريبًا.

فما حدث في حي الزيتون تكرر اليوم في جباليًا بعد أن نفذت المقاومة عملية معقدة ومركبة؛ أفضت الى تحييد وقتل عدد كبير من الجنود وإصابة جنرال كبير، الأمر الذي كشفته المقاومة لوسائل الاعلام اليوم، ما يشير إلى معرفة تامة بالهدف، وقدرة كبيرة على توقع تكتيكات جيش الاحتلال وسلوكه وردود أفعاله.

فالمقاومة الفلسطينية على معرفة تامة بتكتيكات جيش الاحتلال ونشاطات القادة وغرف العمليات وانتشاره، فهي متكيفة مع ظروف المعركة وبيئتها المتغيرة المتحركة، تألف خطط العدو وتكتيكاته، قادرة على توقع تحركاته، فجيش الاحتلال مكشوف أمامها.

معارك اليوم في رفح وغزة أتاحت للمقاومة تقديم رسائل سياسية وعسكرية قوية للاحتلال وداعميه قبل غيرهم؛ بأنها صاحبة السيادة والرؤية والخطة الواضحة في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية، مقابل فوضى ميدانية عكستها خسائر شملت إصابة عمداء وجنرالات، واستقالة آخرين، كان أبرزهم اليوم مسؤول التخطيط في مجلس الأمن القومي الجنرال (يورام حامو) بسبب فقدان الرؤية السياسية للحكومة، وغياب التخطط السياسي للحرب وما بعدها.

معركة رفح أثبتت أن قيادة المقاومة في عافية، ومنظومة السيطرة والتخطيط فاعلة ومتكيفة، تتعلم من الميدان. في مقابل تفكك وفوضى على الجانب الآخر ميدانيًا وسياسيًا، فمعارك رفح يتوقع أن تطيح بما تبقى من القيادة العسكرية للاحتلال، على عكس ما كان يروج له نتنياهو بأن القضاء على حركة حماس وقيادتها سيكون في رفح.