لأول مرة منذ العام 2005 تتوغل آليات عسكرية إسرائيلية في الجانب الشرقي من "محور فيلادلفيا" الفاصل بين قطاع غزة ومصر، عقب إعلان الجيش الإسرائيلي سيطرته على الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري.

وقال الجيش في بيان الثلاثاء، إن "قوات اللواء 401 حققت السيطرة العملياتية على معبر رفح من جهة غزة".

وأضاف: "قطعت القوات معبر رفح عن محور صلاح الدين، والآن تسيطر قوات مدرعة من اللواء 401 على المعبر بشكل كامل".

ولفت إلى أن "وحدات خاصة شنت هجومًا على المنطقة الشرقية لرفح" جنوب القطاع، التي أمر سكانها بإخلائها قسرًا.

وأشار إلى أن "القوات تقوم الآن بعمليات تمشيط للمناطق التي تمت السيطرة عليها".

وفي وقت سابق الثلاثاء، توغلت آليات إسرائيلية داخل معبر رفح، بعد أن شهدت الليلة الماضية قصفًا عنيفًا في محيط المعبر وسماع أصوات اشتباكات بين الجيش الإسرائيلي وفصائل فلسطينية.

وأكد مدير الإعلام بمعبر رفح وائل أبو محسن، توقف كامل لحركة السفر وإدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح تزامنًا مع أنباء توغل آليات إسرائيلية داخله.

فيما انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو حديث مجهول المصدر يظهر تجول دبابة إسرائيلية داخل معبر رفح، كما أظهرت صور أخرى رفع العلم الإسرائيلي فوق ساريات داخل المعبر، وفقًا لـ"الأناضول".

وبذلك تكون القوات الإسرائيلية قد توغلت في محور "فيلادلفيا" وسيطرت على المعبر للمرة الأولى منذ انسحابها من قطاع غزة منتصف أغسطس 2005 وتسليمه للسلطة الفلسطينية آنذاك بموجب اتفاق المعابر الموقعة بين الجانبين.

 

إدانة مصرية

من جانبها، أعربت مصر عن إدانتها للعملية العسكرية الإسرائيلية في رفح وسيطرتها على الجانب الفلسطيني من المعبر الحدودي.

وقالت الخارجية في بيان: "أدانت مصر بأشد العبارات العمليات العسكرية الإسرائيلية في مدينة رفح الفلسطينية، وما أسفرت عنه من سيطرة إسرائيلية علي الجانب الفلسطيني من معبر رفح".

واعتبرت مصر أن "هذا التصعيد الخطير يهدد حياة أكثر من مليون فلسطيني يعتمدون اعتمادًا أساسيًا على هذا المعبر باعتباره شريان الحياة الرئيس لقطاع غزة، والمنفذ الآمن لخروج الجرحى والمرضى لتلقى العلاج، ولدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية".

ودعت القاهرة، الجانب الإسرائيلي إلى "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والابتعاد عن سياسة حافة الهاوية ذات التأثير بعيد المدى، والتي من شأنها أن تهدد مصير الجهود المضنية المبذولة للتوصل إلى هدنة مستدامة داخل قطاع غزة".

كما طالبت مصر جميع الأطراف الدولية المؤثرة بالتدخل وممارسة الضغوط اللازمة لنزع فتيل الأزمة الراهنة، وإتاحة الفرصة للجهود الدبلوماسية لتحقق نتائجها المرجوة.

 

ما هو محور فيلادلفيا؟

يسمى أيضًا "محور صلاح الدين" ويقع على امتداد الحدود بين غزة ومصر، وهو ضمن منطقة عازلة بموجب اتفاقية السلام "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل عام 1979، ولا يتجاوز عرضه مئات الأمتار، ويمتد بطول 14.5 كيلومترًا من البحر المتوسط حتى معبر "كرم أبو سالم".

ووفقا لاتفاقية "كامب ديفيد" فإن المنطقة الحدودية (محور فيلادلفيا) تقع ضمن الأراضي الفلسطينية وأطلق عليها تصنيف الحرف "دال"، وتخضع لسيطرة القوات الإسرائيلية التي حددت بحسب الاتفاقية بكتائب مشاة، تصل إلى 180 مركبة مدرعة من الأنواع كافة، وطاقم مكون من 4 آلاف عنصر، إضافة إلى منشآت عسكرية وتحصينات ميدانية.

ومنعت الاتفاقية وجود أي قوات مسلحة على الأراضي المصرية المتاخمة للحدود الفلسطينية التي أطلق عليها تصنيف الحرف (جيم)، وسمحت فقط لشرطة مدنية مصرية بأداء مهامها الاعتيادية بأسلحة خفيفة.

وظلت القوات الإسرائيلية مسيطرة على "محور فيلادلفيا" إلى حين انسحاب إسرائيل من قطاع غزة منتصف أغسطس 2005، وتسليمه للسلطة الفلسطينية التي منحت الإشراف على المناطق الحدودية والمعابر، بوجود مراقبين من الاتحاد الأوروبي.

ونصت خطة "فك الارتباط" (الانسحاب الإسرائيلي من غزة) على احتفاظ إسرائيل "بوجود عسكري لها على طول الخط الحدودي الفاصل بين قطاع غزة ومصر (محور فيلادلفيا) في المرحلة الأولى.

وذلك لتوفير الحماية الأمنية التي قد تتطلب توسيع المنطقة التي تتم فيها النشاطات العسكرية، وجعلت الاتفاقية إخلاء المنطقة مشروطًا بالواقع الأمني والتعاون المصري في التوصل إلى اتفاق موثوق.

وفي سبتمبر 2005، تم توقيع "اتفاق فيلادلفيا" بين إسرائيل ومصر الذي تعتبره إسرائيل ملحقًا أمنيًا لمعاهدة السلام 1979، وتقول إنه محكوم بمبادئها العامة وأحكامها.

ويتضمن الاتفاق نشر قوات مصرية على الحدود الفاصلة مع قطاع غزة، وتُقدر بنحو 750 جنديًا من حرس الحدود، ومهمتهم تتمحور فقط في مكافحة "الإرهاب والتسلل عبر الحدود والتهريب والكشف عن الأنفاق".

وبموجب هذا الاتفاق انسحبت إسرائيل من محور فيلادلفيا وسلمته مع معبر رفح إلى السلطة الفلسطينية.

وعام 2007، سيطرت حركة "حماس" على قطاع غزة، وخضع محور فيلادلفيا لهيمنتها، وفرضت إسرائيل حصارًا خانقًا على القطاع، الأمر الذي دفع الفلسطينيين لعبور الشريط الحدودي باتجاه مصر للتزود بالطعام والشراب والمواد الأساسية لحياتهم، وعلى إثر ذلك فرضت القوات المصرية الأمن بفيلادلفيا ثم تراجعت لأماكنها.

ولم تعد منطقة محور فيلادلفيا خالية من السكان الفلسطينيين كما كانت خلال فترة الوجود الإسرائيلي، فالمنازل الفلسطينية امتدت مقتربة بشكل كبير من السياج الحدودي وفي بعض النقاط تكون ملاصقة له باستثناء المناطق الشرقية لمعبر رفح والمنطقة القريبة من شاطئ البحر.

 

لماذا تريد "إسرائيل" إعادة احتلال محور فيلادلفيا؟

احتلال منطقة "محور فيلادلفيا" كان هدفًا للجيش الإسرائيلي منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي.

ونقلت "شبكة قدس" الفلسطينية عن مصادر، قولها إن الاحتلال الإسرائيلي أبلغ مصر، السبت 23 ديسمبر 2023، نيته احتلال منطقة الحدود في محور "فيلادلفيا" على الحدود بين رفح وقطاع غزة، وطلب من الجنود المصريين إخلاء الحدود. وأضافت الشبكة أن الاحتلال أخبر مصر بأنه "غير مسؤول عن سلامة أي جندي مصري خلال محاولته احتلال الحدود معها، وأن العملية العسكرية في المنطقة مستمرة سواء قبلت مصر أو رفضت".

وفي 30 من ديسمبر الماضي، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إنّه "يجب أن تسيطر إسرائيل على منطقة محور فيلادلفيا الحدودي بين قطاع غزة ومصر".

جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده نتنياهو، في اليوم السابق للتصريح، منفردًا دون الوزيرين يوآف غالانت، وبيني غانتس، بعد رفضهما المشاركة في المؤتمر.

وأضاف نتنياهو: "يجب أن يكون محور فيلادلفيا بأيدينا وتحت سيطرتنا، وأي ترتيب غير ذلك لن تقبل به إسرائيل".

 

السيطرة على جميع المعابر البرية في قطاع غزة

ومنذ سيطرة حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" على الحكم في قطاع غزة عام 2007، أصبح المحور خاضعًا لها من الجانب الفلسطيني، وهو الوضع الذي يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى تغييره في الحرب الحالية، ضمن خطة يسعى خلالها للسيطرة على جميع المعابر البرية الخاصة بقطاع غزة.

 

منع حماس من تهريب السلاح

وكان الفلسطينيون يلجأون إلى حفر أنفاق تهريب تحت محور صلاح الدين، بعد إحكام الحصار عليه من الجيش الإسرائيلي لسنوات، لإدخال وتهريب الطعام والشراب والسلع الغذائية خلال سنوات الحصار، وكذلك تهريب السلاح، حيث ظلت الأنفاق لسنوات، من أهم طرق دخول السلع إلى القطاع، قبل أن تنتهي هذه الظاهرة عام 2014 وليتبعها بعد سنوات قليلة دخول البضائع من مصر إلى غزة عبر معبر رفح بشكل رسمي، وفقًا لـ"عربي بوست".

وفي يناير 2008، ومع اشتداد الحصار على سكان قطاع غزة من قبل "إسرائيل"، قام عدد من المسلحين الفلسطينيين بتدمير أجزاء من الجدار الحدودي مع الشريط الحدودي بالقرب من مدينة رفح. وتدفق على أثر هذا الفعل الآلاف من سكان قطاع غزة إلى الأراضي المصرية؛ للبحث عن الطعام والمؤن.

 

هزيمة حركة حماس

وقال اللفتنانت كولونيل احتياط آمر تسنعاني، لصحيفة معاريف الإسرائيلية، إنه من المستغرب أن تتحدث إسرائيل بكل وضوح عن مزاعم تهريب الأسلحة من مصر إلى غزة، وتتهم مصر دون أي دليل، وفقًا لـ"روسيا اليوم".

وأضاف تسنعاني الذي يشغل حاليًا مدير وحدة الأمن السياسي في مؤسسة بيرل كاتسنلسون ومعهد ميتافيم: "يجب على الجيش الإسرائيلي أن يتحرك في هذا المحور لوقف تهريب الأسلحة وهزيمة حماس".

وقال المحلل السياسي بصحيفة معاريف يارون فريدمان، إنه يجب الاستيلاء على مدينة رفح رغم أنها منطقة لا تشبه أي منطقة سيطر عليها الجيش الإسرائيلي من قبل، ويمكن أن تكون هذه الخطوة حافزًا لتراجع حماس وهزيمتها.

 

عزل قطاع غزة وتأزيم الواقع الإنساني

باحتلال معبر رفح البري مع مصر، تشدد إسرائيل من قبضتها الثقيلة على قطاع غزة، وتعزله تمامًا عن العالم الخارجي، وتحرم المرضى والجرحى من السفر للعلاج، وتمنع تدفق شاحنات المساعدات الإنسانية مما يعني الحكم بالإعدام على سكان القطاع، وذلك من شأنه تأزيم الواقع الإنساني المتدهور جراء الحرب المستمرة منذ 7 أشهر، وفقًا لـ"الجزيرة".

وتشير تقديرات رسمية إلى أن 11 ألفا من جرحى الحرب الإسرائيلية، و10 آلاف مريض بالسرطان، بحاجة ماسة للسفر من أجل تلقي علاج منقذ للحياة بالخارج، بعدما عمدت قوات الاحتلال إلى تدمير ممنهج للمستشفيات، بما فيها مستشفى الصداقة الفلسطيني التركي الوحيد الخاص بمرضى السرطان.

ويعتبر معبر رفح بوابة الغزيين الوحيدة للتنقل والسفر خارج غزة عبر مصر، فإن معبر كرم أبو سالم هو التجاري الوحيد المتبقي بعدما أغلقت إسرائيل 6 معابر أخرى كانت تربطها بالقطاع، إثر فرض الحصار عليه عقب فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالانتخابات التشريعية في عام  2006.

وأعلنت وزارة الصحة في غزة، الثلاثاء، ارتفاع حصيلة الضحايا إلى "34 ألفًا و789 شهيدًا و78 ألفًا و204 إصابات" جراء الحرب الإسرائيلية على القطاع منذ 7 أكتوبر الماضي.

وتواصل إسرائيل الحرب رغم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار فورًا، ورغم مثولها أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب "إبادة جماعية".