تفاقمت أزمة الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي في مصر والتي عاودت الظهور بعد انتهاء شهر رمضان المبارك، حيث أدى اتساع نطاق تخفيف الأحمال إلى فصل التيار الكهربائي على عدد من المناطق بشكل متكرر يوميًا لمدة ساعتين في معظم المناطق.

 

4 أسباب حكومية

وقالت مصادر بالشركة القابضة لكهرباء مصر: إن 4 أسباب أدت إلى زيادة تخفيف الأحمال في الوقت الحالي، أولها نقص الوقود المورد لمحطات الإنتاج، وكذلك زيادة الاستهلاك اليومي، وارتفاع حالات سرقات التيار الكهربائي، وثبات أسعار الكهرباء وعدم تحريكها.

أوضحت المصادر أن كميات المازوت وإمدادات الغاز المورد لمحطات إنتاج الكهرباء غير ثابتة ومتغيرة، وحال وصول الكميات الكاملة لاحتياجات وحدات إنتاج الكهرباء سيختفي تخفيف الأحمال ولكن الأعباء المالية على الدولة ستتفاقم، وفقًا لـ"العربية".

أضافت أنه رغم انخفاض درجات الحرارة في الأيام الماضية فإن الاستهلاك اليومي مازال مرتفعًا وقد يستمر بنفس المعدلات الحالية في الأشهر المقبلة.

وتابعت: "هناك عدد من المساكن التي كانت شاغرة وقام باستئجارها السودانيون والسوريون في مصر وأيضًا المساكن في المباني الجديدة وهو ما رفع الاستهلاك بشكل كبير".

وقالت إن حالات سرقات التيار الكهربائي ارتفعت بشكل كبير لأكثر من 6% شهريًا من إجمالي القدرات الكهربائية، وهو ما يزيد العبء على الشبكة الكهربائية من الناحية الفنية والمالية، لأنها قدرات إضافية على الشبكة لا يدخل منها أي عوائد لشركات الكهرباء.

أضافت المصادر أن السبب الرابع لتفاقم أزمة تخفيف الأحمال وانقطاعات الكهرباء، هو ثبات أسعار التعريفة وعدم تحريكها وهو ما يجعل سعر استهلاك الكهرباء "رخيصة" بالمقارنة مع خدمات أخرى تم تحريك أسعارها، ويكبد موازنة الدولة أعباء كبيرة ولا يمكنها من جني أموال كافية لتوفير الوقود لتشغيل المحطات، وبالتالي هناك فجوة بين سعر الإنتاج والبيع.

 

غياب الدراسة والتخطيط

ويعزو مقرر لجنة الصناعة في الحوار الوطني، بهاء ديمتري، سبب الأزمة إلى "تنفيذ مشروعات من دون دراسة جيدة وتخطيط علمي سليم، ويتساءل: "إذا رفعنا قدرة الكهرباء إلى 55 جيجاوات وليس لدينا وقود كاف أو مشكلة في شبكة التوزيع فما الجدوى".

ويضيف أن "الاستهلاك حاليًا يقترب من 37 جيجاوات، ولذلك فإن الفرق بين هذا الرقم والقدرات الإنتاجية الكبيرة، وتعتبر طاقات مهدرة، استثمرنا فيها أموالًا طائلة، وجاء ذلك على حساب مشروعات أخرى، كان من الممكن أن تكون ذات أولوية وأكثر فائدة".

وفي مارس 2015، وقعت شركة "سيمنز" الألمانية أكبر طلبية لها على الإطلاق، بقيمة عشرة مليارات يورو لإنشاء محطات طاقة، مع مصر.

 

عدم الاستعداد للأزمة قبل حدوثها

وينتقد ديمتري من جهته عدم الاستعداد للأزمة قبل حدوثها، مشككًا في سرعة تركيب المحولات "لأن تصنيعها يأخذ فترة طويلة".

ويضيف أن "الحكومة تتحدث عن حل الأزمة على المدى القصير، لكن القضية أكبر من ذلك ولابد من أخذها على محمل الجد"، مشددًا على أنه "يجب حل مشاكلنا بطريقة علمية والاهتمام بقضايا تغير المناخ لتخفيف وطأة الأزمة". 

وأوضح أنه "كان يجب أن يكون هناك توازنًا بين المحطات التي لا تلوث البيئة ولا تسهم في مزيد من أزمة تغير المناخ مع الإجراءات الأخرى".

 

تراجع إنتاج الغاز

في غضون ذلك، قال مصدر مسؤول بوزارة الكهرباء إن "أزمة انخفاض معدلات ضخ الغاز لمحطات الكهرباء بدأت منذ 60 يومًا تقريبًا"، مضيفًا لـ"اندبندنت عربية" أن "السبب الرئيس لانقطاع التيار الكهربائي يتعلق بتراجع إنتاج الغاز من الحقول مع منح الغاز المستخرج حاليًا أولوية التصدير إلى الخارج لجلب عملة صعبة في ظل الأزمة الطاحنة التي تعيشها مصر مع قلة الموارد الدولارية".

وتوقع المصدر استمرار الأزمة خلال هذا الصيف بأكمله، خصوصًا مع دخول عدد كبير من المحطات الكهربائية للصيانة في ظل الطلب المرتفع على الكهرباء خلال أشهر فصل الصيف.

 

تصدير الكهرباء إلى 4 دول عربية

وكشفت مصادر رفيعة المستوي بوزارة الكهرباء والطاقة، أن إجمالي صادرات مصر من الكهرباء تصل لنحو 400 ميجاوات يوميًا من الطاقة إلى 4 دول عربية، بمجموع 12 ألف ميجاوات شهريًا.

وبينما يعاني المواطن من الحر الشديد نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، وفي الوقت الذي تسجل فيه مصر فائضًا بمقدار 10 آلاف ميجاوات، يتم فصل الكهرباء عن المواطنين، لتصديرها إلى الخارج لتوفير الدولارات.

وأضافت مصادر وزارة الكهرباء في تصريحات لصحيفة "المال" أن إجمالي صادرات مصر من الكهرباء تتوزع على 4 دول وقد تنخفض تلك الصادرات في بعض الأيام وفقًا لاحتياجات تلك الدول من الكهرباء، وتأتى في مقدمة تلك الدول الأردن، يليه السودان وليبيا، وأخيرًا الأراضي الفلسطينية.

وأشار إلى أن الأراضي الأردنية تستحوذ على نحو 200 ميجاوات، والسودان على نحو 80-90 ميجاوات، وليبيا على ما يقارب نفس النسبة، وأخيرًا الأراضي الفلسطينية وفقًا لاحتياجات كل جانب.

وأوضح أن تلك الصادرات لا تتعدي 0.5% من إجمالي القدرة الخاصة بالشبكة القومية لكهرباء مصر.

وترتبط مصر بشبكة كهربائية مع الأردن منذ عام 1999، عبر خط تصل قدراته إلى 400 ميجاوات ولكن تحصل حاليًا على 200 ميجاوات منها، إضافة إلى آخر مع فلسطين بطاقة 30 ميجاوات تعادل 30% من احتياجاتها.

وتصدر مصر الكهرباء إلى ليبيا بقدرات تقارب 80 ميجاوات، عبر خط ربط مشترك معها منذ عام 2000.

فيما نفذت مصر مشروعًا للربط مع السودان، وبدأت تصدير الطاقة الكهربائية إليها نهاية مارس 2020 بواقع نحو 90 ميجاوات، وجار رفع قدرة خط الربط مع الخرطوم إلى 300 ميجاوات خلال النصف الثاني من العام الجاري ضمن خطة مصر لزيادة صادراتها خلال الفترة القادمة.

وأشارت المصادر إلى أنه من المرتقب ارتفاع قيمة صادرات مصر من الكهرباء خلال المرحلة المقبلة مع ارتفاع درجات الحرارة خلال شهور الصيف، وزيادة الحاجة لمزيد من الطاقة لمواكبة التطور في الطلب، والمشروعات المنفذة في إطار عمليات إعادة الإعمار في بعض تلك البلدان المرتبطة مع مصر.

 

خسائر باهظة

تعرّضت هدير عبد الناصر، من مطروح، هذا العام لخسارة في بيتها نتيجة انقطاعات الكهرباء من دون إنذار مسبق: "ياما أجهزة لينا اتحرقت، لأن الكهربا بتقطع وفجأة تروح جاية عالية (شديدة). أنا عندي شاشة اتحرقت السنة اللي فاتت، وماما وجدتي اتحرق عندهم ديب فريزر وغلاية كهرباء".

ممَن تعرضوا للخسارة هذا الصيف، فاطمة ناصر، التي تقول "الكهرباء عندنا في حي المنيل كانت في البداية تقطع وترجع بسرعة، وساعات كانت ترجع يا دوب الأجهزة تنوَّر وتفصل تاني، وبعدين بقى يقطع كذا مرة يوميًا بمعدل ساعة كل مرة. وفي يوم لقيت التلاجة مش بتسقَّع خالص ولجأت لفني قال محتاجين نغير قطعة عطلت بسبب قطع الكهربا المتكرر، واتكلفت 1700 جنيه"، وفقًا لـ"رصيف 22".

ولم تتوقف خسائر فاطمة عند هذا الحد: "بعدها لقيت مبرد المياه حصل فيه نفس المشكلة والمياه فاترة، والفني قال الموتور اتحرق ولازم يتغير، وبرضو بسبب قطع الكهربا. وده ثمنه بعد زيادة الأسعار بقى الضِعف، واتكلف ألفين جنيه"، مُضيفة "كمان صديق والدي عنده تلاجة كبيرة جديدة سعرها تقريبًا 120 ألف جنيه رجع البيت لقاها خربت بسبب قطع الكهربا، والتوكيل قالوا له تصليحها يتكلف 20 ألف جنيه".

لهذا تشكو من الأمر وتقول "أنا إيدي على قلبي وخايفة أي جهاز يتحرق، لأن مفيش رفاهية تغيير الأجهزة بسهولة بعد ما سعر كل حاجة زاد الضعفين و3 أضعاف بسبب الدولار والاستيراد. وفعلًا قطع الكهرباء بقى مشكلة مزعجة جدًا، لأنك مش دايمًا موجودة في البيت بحيث تقدري تفصلي الأجهزة وتشغليها تاني. وصديقتي مسافرة الفترة الجاية، ومش عارفة تتصرف إزاي عشان خايفة الفريزر أو الثلاجة تخرب باللي فيهم".