وسط تصاعد حالات التعذيب منذ 7 أكتوبر، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق هذه الفظائع بشكل صحيح.

لا يزال التعذيب حقيقة منتشرة في فلسطين، حيث عانى عدد لا يحصى من الأفراد من صدمات جسدية ونفسية لا توصف على أيدي القوات الإسرائيلية.

لقد كانت هذه مشكلة خطيرة بشكل خاص منذ بدء حرب غزة في 7 أكتوبر، حيث أخبر الفلسطينيون موقع "ميدل إيست آي" أنهم تعرضوا للتعذيب الجسدي بالكلاب والكهرباء، وتعرضوا لعمليات إعدام وهمية، واحتجزوا في ظروف مهينة. ووصف أحد الرجال كيف تم تقييد يديه وتعصيب عينيه واحتجازه في قفص معدني لمدة 42 يومًا.

تتطلب معالجة هذه الانتهاكات الحقوقية الجسيمة اتباع نهج شامل، يشمل تطوير المهارات المتخصصة لأخصائيي الرعاية الصحية المكلفين بتوثيق وعلاج الناجين.

وتقول "سماح جبر" في مقال رأي نشره موقع "ميدل إيست آي": "لقد تدربت في بروتوكول اسطنبول لتوثيق التعذيب، وكرست نفسي لتزويد زملائي المحترفين بالأدوات اللازمة للتنقل في هذه التضاريس الصعبة".

مع استمرار تصاعد العنف - مع عدم اقتصار التعذيب على مراكز الاحتجاز، بل مشاهدته أيضًا في شوارع الأراضي الفلسطينية المحتلة وتسجيله بالفيديو - أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى تعزيز قدرات العاملين في مجال الصحة على توثيق هذه الحوادث، وبالتالي تضخيم أصوات الناجين في سعيهم لتحقيق العدالة.

لقد تعرض الفلسطينيون للاضطهاد بشكل منهجي لعقود من الزمن، حيث تم اعتقال أكثر من 800 ألف شخص منذ عام 1967. وداخل مراكز الاحتجاز الإسرائيلية، واجه الكثيرون انتهاكات جسدية ونفسية وحشية تفي بالمعايير الصارمة للتعذيب التي حددتها الأمم المتحدة.

تشمل العناصر الأساسية للتعذيب التسبب المتعمد في معاناة عقلية أو جسدية شديدة لغرض محدد، بمشاركة شخص يتصرف بصفة رسمية. الارتفاع الكبير في الحالات منذ 7 أكتوبر هو بمثابة تذكير صارخ بالحاجة الملحة لتوثيق هذه الفظائع ومحاسبة مرتكبيها أمام المجتمع الدولي.

 

 التكتيكات الهمجية

أساليب التعذيب المستخدمة ضد الفلسطينيين متنوعة بقدر ما هي همجية، وتتراوح من الضرب الجسدي الفج إلى تقنيات "عدم اللمس" المتطورة المستوردة من ممارسات الاستجواب العالمية. كما قامت إسرائيل بتصدير أساليب تعذيب محددة، مثل وضعية الضغط "الكرسي الفلسطيني".

بالإضافة إلى إلحاق الألم المبرح من خلال تكتيكات مثل التعليق ومحاكاة الغرق، استخدمت القوات الإسرائيلية الحرب النفسية، مستغلة الحساسيات الثقافية ونقاط الضعف الفردية لتضخيم معاناة ضحاياها. وكان الحرمان من النوم جزء أساسي من التعذيب النفسي.

وتؤكد التقارير عن الاعتداءات الجسدية، بما في ذلك الاغتصاب والتعري القسري، على الفساد الذي يتعرض له المعتقلون. إن المزيج الخبيث من التعذيب الجسدي والنفسي لا يؤدي إلى العقاب فحسب، بل يؤدي أيضًا إلى انتزاع الاعترافات القسرية. وهذه الممارسات تخيف وتصدم الناجين وأسرهم، بينما تخيف المجتمع الفلسطيني الأوسع.

ومن الأمور الأساسية لفعالية التعذيب قدرته على تحطيم المرونة النفسية للضحايا، وتحويلهم إلى حالة من العجز والتبعية. من خلال الإهانة والتلاعب المنهجيين، يقوم المحققون بتآكل إحساس الضحية بذاته، واستبداله بتماهي مرضي مع المعتدي عليه.

 تشوه هذه الديناميكية الخبيثة تصور الضحية للواقع وتقوض قدرتها على التعبير عن محنتها بشكل متماسك. بعد فترة طويلة من التئام الجروح الجسدية، يواجه الناجون عددًا لا يحصى من العواقب النفسية، بما في ذلك اضطراب الإجهاد الناتج عن الصدمة والاكتئاب وانعدام الثقة العميق في الآخرين.

تشكل هذه الندوب النفسية الدائمة تحديات خطيرة لعملية التوثيق، حيث يتنقل الناجون في متاهة داخلية من عجز الذاكرة الناجم عن الصدمة والارتباك والاضطراب العاطفي. قد يجدون صعوبة في تذكر تجاربهم وسردها. غالبًا ما يعيق العجز في الذاكرة، إلى جانب الخوف السائد وانعدام الثقة، استعدادهم للانخراط في عملية التوثيق.

مجرد إعادة النظر في الذكريات المؤلمة يمكن أن يؤدي إلى اضطراب عاطفي شديد أو سلوك تجنبي، مما يزيد من تعقيد الجهود المبذولة للحصول على روايات متماسكة. 

وتابعت الكاتبة: "باعتبارنا متخصصين في الرعاية الصحية، يجب علينا أن نبقى متفهمين لهذه التحديات، مستخدمين أساليب مستنيرة للصدمات تعطي الأولوية لاستقلالية الناجين ورفاهيتهم، في حين نسعى إلى دعم حقهم في معرفة الحقيقة والعدالة".

 وفي مواجهة هذه الانتهاكات الحقوقية البغيضة، يقدم بروتوكول اسطنبول إطارًا موحدًا لتوثيق التعذيب يرتكز على التعاطف والكرامة الإنسانية. ومن خلال تزويد المتخصصين في الرعاية الصحية بالمهارات والموارد اللازمة، يمكننا تمكين الناجين من التعذيب من استعادة السيطرة على رواياتهم، وتضخيم أصواتهم في السعي لتحقيق المساءلة والإنصاف.

وبينما نسعى جاهدين لمكافحة التعذيب ودعم حقوق الضحايا، دعونا نتضامن مع الناجين، ونشهد على آلامهم وندعو بلا كلل إلى مستقبل خال من القمع والإفلات من العقاب.

https://www.middleeasteye.net/opinion/how-hold-israel-accountable-torturing-palestinians