أقرّ الكنيست الإسرائيلي التشريع الذي يمنح رئيس الحكومة الإسرائيلية أو وزير الاتصالات صلاحيات الإغلاق الفوري لمكاتب أي وسيلة إعلام أجنبية «تضرّ بالأمن في إسرائيل» حسب النص المعتمد، ومصادرة معداتها، وإزالتها من شبكات مزودي البث التلفزيوني عبر الكابلات أو الأقمار الصناعية، وتعطيل الدخول إلى منصاتها المتوفرة عبر الإنترنت.

 

حظر قناة الجزيرة في إسرائيل "قرار انتقامي لطمس الحقيقة"

واعتبرت حركة حماس، مصادقة الكنيست الإسرائيلي، على قانون يمنع بث قناة "الجزيرة" القطرية في إسرائيل، "قرارًا انتقاميًا يسعى لطمس حقيقة جرائمه البشعة".

وقالت الحركة، في بيان، أمس الاثنين: "تمرير الكنيست للقرار (حظر الجزيرة)، وتأكيد الإرهابي نتنياهو عزمه التحرّك لإغلاق القناة، بعد تغطيتها المهنية لحرب الإبادة ضد شعبنا، يكشف الوجه الحقيقي لهذا الاحتلال الفاشي، الذي يسعى يائسًا إلى طمس حقيقة جرائمه البشعة"، وفقًا لـ"الأناضول".

وأضافت أن "هذا القرار الانتقامي، يأتي تتويجًا لحملات التضييق والحصار والإرهاب التي يفرضها الاحتلال الفاشي على الصحفيين والعمل الصحفي، ولجرائمه وانتهاكاته بحقّهم".

وطالبت الحركة، المؤسسات الحقوقية والصحفية الدولية، بـ"إدانة النيّات الصهيونية تجاه قناة الجزيرة، وفضح سلوك الاحتلال الهمجي، تجاه الصحفيين، والعمل على تكثيف التغطية الإعلامية من قطاع غزة، وبث حقيقة الجرائم الصهيونية إلى العالم".

ودعت المجتمع الدولي إلى "العمل الجدي لإرغام الاحتلال الصهيوني على وقف جرائمه واستهدافه المتعمّد للصحفيين، ووقف الانتهاك الصارخ للقانون الدولي بحقهم".

وفي وقت سابق الاثنين، قالت صحيفة "هآرتس" العبرية، إن الكنيست صوت بأغلبية 71 عضوا من أصل 120، ومعارضة 10، بالقراءة الثانية والثالثة، على القانون الذي يسمح بوقف بث قناة الجزيرة في إسرائيل.

وتعليقا على التصويت، قال نتنياهو عبر منصة "إكس"، إن قناة الجزيرة "لن تبث من إسرائيل بعد تصويت الكنيست على قانون بهذا الخصوص".

وزعم أن "الجزيرة ألحقت الضرر بأمن إسرائيل، وشاركت بفعالية في مذبحة 7 أكتوبر، وحرضت ضد جنود الجيش".

وأفردت "الجزيرة" مساحة واسعة لتغطية الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، وبثت مؤخرًا عدة فيديوهات حصرية حول استهداف المسيرات الإسرائيلية لمدنيين داخل القطاع.

 

قانون "الجزيرة"

ورغم أن النص المعتمد لا يسمي جهات إعلامية محددة تشملها هذه البنود، فإن التشريع سرعان ما اكتسب تسمية «قانون الجزيرة» بسبب مسارعة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى تخصيص قناة «الجزيرة» القطرية بتدوينة على منصة X قال فيها: «قناة الجزيرة الإرهابية لن تبث بعد الآن من إسرائيل. أعتزم التحرّك بما يتوافق مع القانون الجديد لوقف أنشطة هذه القناة».

من جانبه لم يتأخر شلومو كرعي، وزير الاتصالات في حكومة نتنياهو ومهندس التشريع وأحد الصقور المتشددين في حزب الليكود، في توعد قناة «الجزيرة» بالإغلاق خلال الأيام القليلة المقبلة، مشددًا على أنه «لا حرية تعبير لوسيلة إعلام ناطقة بلسان حماس» أو تستخدم حرية الصحافة «للإضرار بأمن إسرائيل وجنودها» أو «تحرض على الإرهاب خلال زمن الحرب»، وفقًا لـ"القدس العربي".

ولا عجب أن يصدر مثل هذا التشريع عن برلمان دولة استعمارية واستيطانية وعنصرية تواصل باضطراد تكريس منظومات الأبارتيد الأسوأ من سابقاتها في نظام جنوب إفريقيا البائد، باعتراف مراقبين كثر على امتداد العالم، وبينهم عدد غير ضئيل من اليهود والإسرائيليين أيضًا.

وإذا كانت أغراض إسكات الإعلام المستقل سياسية في المقام الأول، فإنها غير بعيدة عن نهج التشدد اليميني والفاشي الذي يطبع حكومة نتنياهو بصدد الحريات عمومًا، بما فيها حرمة القضاء الإسرائيلي ذاته الذي سعى الكنيست إلى تحجيم صلاحياته.

وغير مستغرب إقرار هذا التشريع من برلمان دولة تخوض منذ 179 يومًا حرب إبادة شاملة ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لم توفر خلالها وسيلة قتل همجية أو أداة تدمير شامل، وارتكبت جرائم حرب التجويع والعقاب الجماعي والتهجير وحقول الإعدام المفتوحة. ومصادرة حرية التعبير سلوك طبيعي من كيان فرغ لتوّه من التدمير التام لمجمع الشفاء الطبي فأجهز على عشرات المرضى والأطقم الطبية ودفن العشرات منهم تحت الأنقاض، ثم انتقل إلى جريمة أخرى فقصف قافلة منظمة «المطبخ المركزي العالمي» وقتل سبعة من متطوعيها أتوا من أستراليا وبولندا وبريطانيا وكندا.

ومن غير الاستثنائي أن يكون تشريع وأد الحريات الصحافية قد حظي بتوافق تامّ بين نواب الائتلاف الحاكم وما يُسمى بـ«المعارضة» على اختلاف تلاوينها، رغم الغباء الصريح المعلن خلف قانون رقابي لا صلة تجمعه بعصر الأقمار الصناعية والانفجار الرقمي الهائل في وسائل الاتصال والتواصل.

أمر مألوف كذلك أن الفرقاء في الكنيست الإسرائيلي وضعوا خلافاتهم جانبًا كي يتوحدوا لإقرار خطوة أخرى تفضح من جديد فاشية كيان تبارى أنصاره في تجميل قبائحه، تحت خرافة «واحة الديمقراطية» الوحيدة في الشرق الأوسط.

وبذلك فإن قانون الكنيست بإغلاق «الجزيرة» ليس أقلّ حماقة من مسعى حجب الشمس بغربال.