يعرفه أهل غزة جيدًا، فهو شخصية وطنية وشقيق القائد الشهيد محمود المبحوح، أمضى 15 عامًا في سجون الاحتلال الصهيوني، وسليل عائلة مجاهدة قدمت التضحيات في سبيل فلسطين والقدس والمسجد الأقصى، إنه اللواء الشهيد فائق المبحوح مدير عام العمليات المركزية لوزارة الداخلية.

 

حماية وصول المساعدات للفلسطينيين في شمال غزة

ومن المهام الأساسية للشهيد فائق المبحوح، والتي أغاظت الاحتلال أشد الغيظ، تأمين شاحنات المساعدات الإنسانية لإغاثة الفلسطينيين في محافظتي غزة والشمال، والتي صمد فيها سبعمائة ألف غزيّ رافضين كل المؤامرات لتهجيرهم قسرًا حتى وإن دفعوا حياتهم ثمنًا لذلك تحت حصار القصف وحرب التجويع، وفقًا لـ"المركز الفلسطيني للإعلام".

وإن كان الشهيد المبحوح، يقوم على مهمة عظيمة، رصدها الاحتلال سريعًا، وعرف أهميتها وخطورتها على مشاريعه الحالية والقادمة، فأقدم على جريمته ضد شخصية يُفترض أنّ القانون الدولي يلزم بحمايتها وليس استهدافها، وظنّ واهمًا أنّ المبحوح وإخوانه يمكن أن يستسلموا لإرادة هذا المحتلّ الغاصب ويرضخوا لأوامره.

رفض اللواء الشهيد – رحمه الله – تسليم نفسه، فاشتبك بصلابة وشجاعة واقدام بسلاحه الشرطي مع العدو فأوقع قتلى وجرحى في صفوف العدوّ، قبل أن يسلم الروح لباريها صائمًا مجاهدًا مقبلًا غير مدبر.

ولن يخفى على أحد أنّ هدف جيش العدو الصهيوني من اغتيال القائد المبحوح هو التأثير على مسار حماية المساعدات، وترسيخ حالة الفوضى الأمنية التي سعى لفرضها على أهل القطاع منذ اليوم الأول للعدوان على غزة.

حيث كان رحمه الله يتولى التنسيق مع مخاتير العشائر والموظفين الأمميين بكل مهنيةٍ وإتقانٍ، ما أصاب العدوّ الصهيوني بالذهول، فكيف يُعقل ذلك، إنهاء الفوضى التي سعى لها على مدارس الشهور الماضية تختفي بغمضة عين ليحلّ مكانها طوابير منتظمة وتوزيع للدقيق على المواطنين بكلّ سهولةٍ ويسر.

لم يرق للعدوّ المجرم هذا المشهد الراقي الذي نظمّه “المبحوح” وإخوانه المخلصون في القطاع، فأراد قطع العقد المنظوم وفرط حباته مرة أخرى، ظنًا منه – وهو واهمٌ – بأنّ قتل القادة سيسهم بفرض حالة الفوضى التي يسعى لها مرة أخرى وسحب البساط من تحت أهل غزة الصامدين وإدارتهم المبدعة في كل الحقول والمجالات سياسيًا وإنسانيًا وعسكريًا، فواصل جريمة “الطحين المغمّس بالدم” لمنتظريه ومؤمّنيه للأفواه الجائعة على حدٍ سواءٍ.

 

نشر الفوضى في القطاع

ويرى محللان سياسيان فلسطينيان أن اغتيال إسرائيل للعميد فايق المبحوح، مسؤول التنسيق مع العشائر ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" لإدخال وتأمين المساعدات الإنسانية إلى شمال غزة، يهدف إلى "نشر الفوضى" في القطاع.

وأشار المحللان، إلى أن إسرائيل تسعى لقطع الصلة بين حركة حماس والعشائر والعائلات الفلسطينية، وفقًا لـ"الأناضول".

وفي وقت سابق الاثنين، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قتل رئيس مديرية العمليات بجهاز الأمن الداخلي في حماس فائق المبحوح داخل مستشفى الشفاء بمدينة غزة.

وأكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن الجيش الاسرائيلي اغتال العميد فايق المبحوح الذي يدير عملية التنسيق مع العشائر والأونروا لإدخال وتأمين المساعدات الإنسانية إلى شمال غزة، حيث يعاني السكان من المجاعة.

 

دور إيجابي للمبحوح

وقال المحلل السياسي إبراهيم المدهون، إن "اغتيال إسرائيل لعميد في الشرطة الفلسطينية أمر خطير وليس الحدث الأول، فهو يأتي ضمن سلسلة استهدافات طالت كوادر شرطية وأمنية بمحافظات غزة المختلفة".

وأشار إلى أن الاغتيال "يدل على أن الاحتلال معني بنشر الفوضى، ويستهدف اللجان الشعبية والشرطة وكل من يعمل على استقرار غزة".

وأوضح أن العشائر الفلسطينية رفضت التعامل مع إسرائيل، وفضلت البقاء مع تنسيقها مع جهاز الشرطة، ولهذا أقدمت إسرائيل على اغتيال المبحوح.

ويعتقد المدهون أن السماح بدخول المساعدات الإنسانية لشمال قطاع غزة خلال اليومين الماضيين، يهدف لمعرفة آلية عمل الشرطة الفلسطينية مع العشائر، وتوجيه عمليات استهداف واغتيال، مثلما حصل مع المبحوح.

ويرى أن إسرائيل تعمل على ضرب الأجهزة الإدارية في قطاع غزة، والمكونة من الشرطة التي بدورها تحافظ على الاستقرار.

وأشار إلى أن المبحوح هو "أحد أركان عمل الشرطة المدنية، ومن الطبيعي أن يدير العمل من أي مكان، ولقد لعب دورًا إيجابيًا خلال اليومين الماضيين أثناء التنسيق مع العشائر في تسليم وتوزيع المساعدات، وهذا ما أزعج إسرائيل ودفعها لاغتياله".

 

القضاء على الحكم المدني

بدوره، يقول أسامة المغير، الكاتب والمحلل الفلسطيني: "في هذه المرحلة الزمنية، تشكل مسألة الإشراف على توزيع المساعدات عنوان الحكم والسيطرة في القطاع، وتريد إسرائيل أن تمنع حماس من هذه الصورة".

ويرى أن "الهدف المركزي لإسرائيل من عملية اغتيال المبحوح هو القضاء على مقومات الحكم المدني لحركة حماس في قطاع غزة، وجعلها غير قادرة على السيطرة على الأرض وسكان القطاع".

ويشير إلى أن إسرائيل تحاول ترجمة ذلك من خلال تصفية عناصر الحركة الناشطين على الأرض، وقطع الصلة بين حماس والفئات الفلسطينية القائمة في القطاع من عشائر وعائلات.

ويعتقد المغير أن إسرائيل تسعى من خلال عملية الاغتيال لربط العشائر والعائلات معها سياسيًا وأمنيًا، في إطار نظام الحكم الجديد الذي تسعى لفرضه في اليوم التالي للحرب.

وخلال الأيام الماضية حاولت إسرائيل من خلال أطراف ومؤسسات دولية إيجاد بديل للحكومة التي تقودها حركة حماس في قطاع غزة، عبر إيجاد هيئات مدنية من العشائر، ولكن هذه المحاولات واجهت رفضًا كبيرًا من العائلات الفلسطينية.

ووفق مسؤولين فلسطينيين وحقوقيين ومصادر محلية، فإن أطرافًا دولية اجتمعت مؤخرًا، بتوجيه إسرائيلي مع عائلات فلسطينية بمدينة غزة، لتولي أدوارًا في إدارة القطاع.

وإضافة إلى محاولة إزاحة حماس عن حكم غزة، تهدف إسرائيل من وراء هذه الخطوة إلى إعادة نفوذ العائلات في القطاع وبث الفلتان الأمني والنزاعات العائلية، ما قد يؤدي إلى حالة من الفوضى داخل المجتمع الفلسطيني، كما يرى مراقبون.

وقبيل سيطرة حماس على حكم غزة في 2007، كانت بعض العائلات تتمتع بنفوذ كبير، إضافة لامتلاكها أسلحة فردية متنوعة، ما تسبب في خلافات وحالة من الفلتان الأمني، وهو ما نجحت الحركة في القضاء عليه.

وحافظت العائلات خلال السنوات الماضية على هذه الحالة وشكل مخاتيرها (أعيانها) لجان وتجمعات لإنهاء أي خلافات أو مشاكل مجتمعية بالتنسيق مع الحكومة.

وفي 11 مارس الجاري، قال تجمع القبائل والعشائر والعائلات الفلسطينية بغزة، في بيان، إن القبائل ليست "بديلًا عن أي نظام سياسي فلسطيني" بل مكون من المكونات الوطنية و"داعم للمقاومة ولحماية الجبهة الداخلية" في مواجهة إسرائيل.

وأكد التجمع ضرورة تعزيز المشاركة الوطنية في صناعة القرار الوطني عبر مؤسسات الشعب، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني في البلاد.

والاثنين، اعتبرت حركة حماس، اغتيال إسرائيل فايق المبحوح، منسق إدخال المساعدات الإنسانية إلى شمال غزة، يهدف "لنشر الفوضى وضرب السلم المجتمعي في القطاع".

في السياق ذاته، قالت وزارة الداخلية التابعة لحكومة قطاع غزة، "باغتيال الشهيد العميد فايق المبحوح يحاول العدو واهمًا ضرب أركان الجبهة الداخلية، بعدما أثبت شعبنا تعاونًا عاليًا مع أجهزة الأمن الحكومية في تأمين دخول شاحنات المساعدات لمنطقة شمال غزة".

وخلال اليومين الماضيين، وصلت دفعتان من المساعدات لأول مرة منذ نحو 4 أشهر إلى مدينة جباليا شمال قطاع غزة، عبر شارع صلاح الدين الذي يربط بين جنوب وشمال القطاع، بتأمين من العشائر والعائلات وجهاز الشرطة في حكومة غزة.

ووفقًا لآخر إحصائية صادرة عن وزارة الصحة في قطاع غزة، فإن عدد الوفيات جراء سوء التغذية والجفاف وصل إلى 27 فلسطينيًا، بما في ذلك رضع.

وجراء الحرب وقيود إسرائيلية، بات سكان غزة ولا سيما محافظتي غزة والشمال على شفا مجاعة، في ظل شح شديد في إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود، مع نزوح نحو مليوني فلسطيني من سكان القطاع الذي تحاصره إسرائيل منذ 17 عامًا.

ويحل شهر رمضان هذا العام، وإسرائيل تواصل حربها المدمرة ضد قطاع غزة رغم مثولها أمام محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة، بتهمة ارتكاب جرائم "إبادة جماعية" في حق الفلسطينيين.