عمليات استغلال واسعة تمارس من إحدى الشركات المصرية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، يضطر فيها البعض منهم لدفع آلاف الدولارات لإخراج أهلهم من قطاع غزة.

بينما تمكن الشاب حسين المقيم في ألمانيا من إخراج زوجته من قطاع غزة عبر معبر رفح مقابل ثمانية آلاف دولار، لاتزال الشابة الفلسطينية عائشة المقيمة في مدينة إسطنبول تنتظر إدراج اسم أبيها ضمن كشوفات شركة "هلا للاستشارات والخدمات السياحية"، بعد دفعها 5 آلاف دولار. 

عمار كلفته النجاة مع شقيقته عشرة آلاف دولار عبر الشركة نفسها، لكن الغصّة لاتزال تلازمه، كون إخراج أمه وأبيه وبقية أفراد أسرته وعددهم 8 تتطلب دفع 40 ألف دولار أمريكي، ناهيك عن مصاريف أخرى أو كما أطلق عليها: "دولارات تحت الطاولة".

أما حسن وفرح، ولكل منهما عائلة في غزة تضم صغارا وكبارا، فيسعيان، عن بُعد حيث يقيمان في الولايات المتحدة، إلى إخراجهم من جحيم الحرب الدائرة هناك، لكن الأرقام والمبالغ المراد دفعها داخل مكتب "هلا" في القاهرة تجعلهما مكبّلين وعاجزين.

ووفقًا لموقع "الحرة"، وبناء على شهادات لخمسة أشخاص من قطاع غزة يتوزعون ما بين الولايات المتحدة والقاهرة وألمانيا وتركيا، فإن هناك عملية استغلال تتقاطع جميع خيوطها في مكتب شركة "هلا"، الكائن في شارع معز الدولة-مكرم عبيد بالقاهرة. 

ويوثق استنادا لوثائق وتسجيلات اضطرار فلسطينيين إلى دفع مبالغ طائلة بآلاف الدولارات في مكتب الشركة المذكورة، من أجل إدراج أسماء أفراد عوائلهم ضمن الكشوفات التي تصدر من معبر "رفح" يوميًا، وكخطوة أساسية لإخراجهم عبره، كونه شريان النجاة الوحيد.

يقول موقع "الحرة"، إنه التزامًا منه بحق الرد، فقد تواصل مع "هلا" عبر بريدها الإلكتروني الرسمي، ولم يتلق ردًا من جانبها حتى ساعة نشر هذا التحقيق. كما أرسل عبر البريد الإلكتروني طلبًا للتعليق لمجموعة "عرجاني جروب" التي تتبع لها الشركة السياحية دون أي رد أيضًا.

ويتابع، أنهم حاولوا التواصل مع رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، للتعليق على هذه المعلومات إلا أنه لم يرد على اتصالاتنا الهاتفية.

كما تواصلنا مع علاء عطوة، مدير عام العلاقات العامة بمحافظة شمال سيناء، وأرسلنا عبر تطبيق واتساب رسائل صوتية دون أن يرد علينا.

أما الشيخ علي فريج، رئيس مجلس شيوخ القبائل العربية في سيناء، فقد أرسل له الموقع مجموعة من الأسئلة عبر واتساب يوم الأربعاء الماضي، فطلب بعض الوقت نظرًا لكونه في "اجتماع حزبي"، إلا أنه لم يرد فعاود الموقع الاتصال به هاتفيًا إلا أنه لم يرد.

جدير بالذكر أن الهيئة العامة للاستعلامات كانت قد نشرت بيانًا في 10 يناير 2024، ردًا على تقارير عن استغلال ما يطلق عليه بالمنسقين لفلسطينيين يحاولون الخروج من غزة عبر معبر رفح لقاء مبالغ مالية باهظة.

ويومها وصف البيان المعلومات حول تحصيل رسوم على المسافرين عبر منفذ رفح من قطاع غزة إلى مصر بـ "ادعاءات كاذبة".

وأوضح البيان أن "ما يتم تحصيله من الجهات الرسمية هو فقط الرسوم المقررة طبقًا للقوانين المصرية المنظمة لعمل المعبر من قبل هيئة الموانئ البرية، وهي ثابتة ولم تطرأ عليها أية زيادة مطلقًا".

 

"الحرب جاءت.. وانخربت الدنيا"

قبل الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023، كانت "هلا" معروفة على نطاق واسع وكبير عند أهالي القطاع والغزاويين في الخارج على حد سواء، إذ كانت تقدم خدمة "تنسيق" تُدرج صنف منها تحت نطاق "vıp"، لمن يريد الدخول والخروج عبر معبر رفح بسهولة ودون معوقات.

ورغم أن عملية الدفع لقاء "الخدمة" ليست بجديدة على الداخلين والخارجين من أبناء غزة وعبر الشركة، تختلف المجريات الآن بالنظر إلى الرواية الرسمية المعلنة والحرب وتداعياتها، التي وصلت إلى حد الكارثة الإنسانية والمجاعة.

وتنفي مصر رسميًا منذ اليوم الأول للحرب إغلاق معبر رفح، وتقول إنه مفتوح من جانبها أمام المساعدات الإنسانية، ولأكثر من مرة أكدت على فكرة أنها "مستهدفة من الإعلام الغربي"، وأن "التحصيل الرسمي وغير الرسمي لأية رسوم إضافية على القادمين من غزة مجرد مزاعم".

لكن الشهادات التي حصل عليها موقع "الحرة" تذهب باتجاه آخر، بينها رواية حسين أحد الشبان الغزاويين المقيمين في ألمانيا، والذي كان ينتظر لم شمله مع زوجته في مطلع نوفمبر 2023 "لكن الحرب جاءت.. وانخربت الدنيا"، على حد تعبيره.

ومنذ اليوم الأول للحرب وما تبعها من قتل وتشريد وحركات نزوح كبيرة، وصولا إلى تجمّع من بقي على قيد الحياة في غزة برفح  والشاب يبحث عن طريقة لإخراج زوجته، رغم وجود عدد آخر من أفراد عائلته.

وبعد اتصالات هنا وهناك تمكن من إخراجها عن طريق شركة "هلا"، قبل أسبوعين.  ويقول إن العملية "كلفته دفع 8 آلاف دولار أمريكي"، بعدما قاد خطواتها ابن خاله المقيم في القاهرة.

 

"للفلسطيني سعر خاص"

للشركة السياحية صفحة معروفة على "فيسبوك" وموقع رسمي أتاحت عبره نموذجًا إلكترونيًا للراغبين بالحجز الأولي.

لكنها أغلقته قبل أسبوعين بسبب الاكتظاظ الحاصل أمام مقرها في شارع معز الدولة بالقاهرة.

ومع ذلك تشير فرح وحسن وكذلك الشاب عمار إلى أن إغلاق التسجيل الأولي له "غايات أخرى"، مدللين بذلك إلى "عملية التنسيق الإكسترا" التي عرضت عليهم، ولا تزال قائمة حتى الآن.

تضع الشركة عدة شروط غير معلنة أمام الفلسطينيين الراغبين بالتسجيل من خلالها، وبينها ذهاب أقرباء من الدرجة الأولى للأشخاص المراد إخراجهم من غزة إلى مكتبها، بناء على الشهادات التي وصلتنا.

وهؤلاء الأقارب يراد منهم تقديم الوثائق من جوازات سفر وغيرها، ودفع المبالغ المالية المحددة بالدولار داخل مكتبها الكائن في القاهرة، قبل أن يتم تضمين أسمائهم في الكشوفات للخروج من المعبر.

تفرض "هلا" على وضع اسم الفلسطيني في كشوفاتها الخاصة بالمرور من رفح مبلغًا ماليًا يفوق 5 آلاف دولار لمن تتجاوز أعمارهم 16 عامًا وألفين و500 دولار لمن تقل عن ذلك، كما حالة الشاب عمار والشابة عائشة، خلافًا للأرقام التي كانت تحددها كخدمة "تنسيق" قبل الحرب.

ويوضح عمار أن خالته الموجودة في القاهرة اتجهت إلى مقر شركة "هلا" في القاهرة قبل أسبوعين، ودفعت 5 آلاف دولار أمريكي عنه وذات الرقم عن شقيقته، وحصلت على فواتير موثقة تثبت ذلك.

وتشرح عائشة المقيمة في إسطنبول أن شقيقتها اتبعت ذات الآلية، واضطرت لدفع خمسة آلاف دولار في مقر الشركة الكائن في شارع معز الدولة، مقابل تسجيل اسم أبيها الموجود في رفح على قائمة الكشوفات.  وإلى تاريخ اليوم، تنتظر الشابة وضع اسم أبيها في قائمة كشوفات "هلا".

وتضيف أن وصل الدفع الذي أعطاه لها الموظفين داخل مكتب الشركة ممهور بختمها وبرقم 600 دولار، وليس المبلغ الحقيقي الذي استوفته الشركة والبالغ 5 آلاف دولار، على حد قولها.

الشاب عمار من جانبه، يشير إلى أن عملية دخوله إلى مصر مع شقيقته استغرقت عشرة أيام منذ تاريخ دفع خالته المبلغ.

ويقول إن إيقاف التسجيل الأولي عبر موقع الشركة دفعه للتواصل مع "منسقين" كي يضمنوا له في وقت لاحق الدخول إلى المكتب، من أجل دفع المبالغ المخصصة لإخراج بقية أفراد عائلته.

"الآن وعندما تذهب إلى الشركة نفسها يأخذون فلوس زيادة (أموال) لكي يقدّموا طلبك"، حسبما يتابع الشاب.

ويشير إلى عروض تلقاها خلال الأيام الماضية من "سماسرة" ينتشرون أمام مكتب "هلا"، من أجل تمرير طلبه للموظفين داخل الشركة، وإتمام عملية التسجيل مقابل "مبلغ مالي من تحت الطاولة".

ويوضح الشاب حسين الذي وصلت زوجته إليه في ألمانيا بالقول إنه "لا يوجد أحد يذهب إلى مكتب الشركة الآن ويدفع فقط 5 آلاف دولار.. هناك أشخاص بين الطوابير ويخبرون من يريد الدخول بإعطائه (حل) من منطلق أنهم يعرفون الموظفين داخل (هلا)".

ويتابع حديثه: "زوجتي خرجت بعد دفعي 7 آلاف، بينما حصل موظف التسجيل داخل الشركة على ألف أخرى من ابن خالتي في وقت متأخر من الليل، لقاء وضع اسمها (زوجتي) في المقدمة لكي تتسرع عملية خروجها".

 

"تنسيق فوق تنسيق"

وكانت محاولات النزوح قد توقفت منذ أكثر من شهر عند الحدود المصرية حيث لا يخرج من معبر رفح سوى أعداد قليلة، مقارنة بنحو 2.1 مليون فلسطيني بات أغلبهم في مناطق قرب الحدود. 

وأجمع كل من يود الخروج من قطاع غزة على فكرة أن المبلغ الذي تفرضه "هلا" أمام الفلسطينيين الراغبين بالخروج عبرها أصبح يزداد بشكل طردي، مع تفاقم المعاناة الحاصلة على الطرف الآخر من الحدود.

وأكدت شهاداتهم أيضًا أن إيقاف التسجيل الأولي عبر موقع الشركة فتح الباب أمام منسقين جدد. البعض منهم يتواجد أمام مكتبها الكائن في القاهرة، وآخر يقود عملية التسجيل مقابل الدفع الجديد عبر أرقام وحسابات منتشرة بكثرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

هذه الحالة تكشفت بعد اتصال صوتي أجراه موقع "الحرة" مع أحد "المنسقين"، حيث طلب 200 دولار أمريكي على كل جواز يتم تسجيله في "هلا" من خلاله، ودون الاضطرار للذهاب بشكل شخصي إلى مكتب القاهرة، قائلاً إنهم يتعاملون مع "وسيط له حصة في الشركة".  كما أضاف أنهم "سيكملون العملية بطريقتهم الخاصة".

المنسق أرسل صورة تعهد خطي من أجل التوقيع عليه (يورد اسم هلا) وشدد على ضرورة فعل ذلك، قبل الانتقال للمرحلة الثانية. كما بعث بفاتورة ممهورة بختم الشركة وتظهر عشر أسماء تم إدراجها حديثًا ضمن الكشوفات.

كما وعد بعد إتمام عملية الدفع عبر حساب بنكي بـ"إرسال كشف وفاتورة رسمية تضم أسماء المراد إدراجهم عبر معبر رفح ومن خلال كشوفات الشركة (هلا)".

قبل أن يتم وضع اسم زوجته تحدث حسين أن ابن خالته كان يذهب على مدار أسبوع إلى مقر "هلا" من أجل التسجيل، ويُقَابل دون أي نتيجة بعبارة "اكتفينا. روح وتعال بكرا".

لكن شيئًا فشيئًا اكتشف أن الدخول إلى الشركة بات محصورًا عبر "منسقين"، مضيفًا بالقول: "لا يسامحون لا صغير ولا كبير.. الافتراء اللي صاير حاليًا مش طبيعي".

أما الشاب عمار فيقول إنه بينما يواصل البحث عن طريقة لتسجيل أفراد عائلته: "يجب أن تدفع لأحد تحت الطاولة لتدفع على كل جواز 500 دولار.. لا مفر من الدفع كي تقدم طلبك الآن داخل الشركة".

ويتابع: "أعرف كثيرًا من الناس اضطروا لبيع ممتلكاتهم الخاصة كي يخرجوا. خالتي تدينت وخرجت. الناس ما معها وتبحث عن الأموال بأي طريقة..".

 

علاقات وثيقة بأجهزة الأمن المصرية

ويوضح تقرير لـ"رايتس ووتش" الأخير أن هذه الشركة اسمها "هلا" ومقرها في القاهرة، وأنه وفًقا لناشط حقوقي وصحفي حقق في القضايا وتحدث للمنظمة بشرط عدم الكشف عن هويته فإن للأخيرة "علاقات وثيقة بأجهزة الأمن المصرية".

الأمر الأكثر إثارة هو أن "طاقم هلا يتكون إلى حد كبير من ضباط سابقين من الجيش المصري"، حسب حديث المسؤول في "رايتس ووتش". 

ويتابع: "لهذه الوكالة حسب مصادرنا علاقات برجل الأعمال المصري المعروف باسم إبراهيم العرجاني، والذي تربطه علاقات وثيقة بقائد الانقلاب، عبد الفتاح السيسي بنفسه".

ويعتبر العرجاني أحد رجال الأعمال المصريين القلائل الحاصلين على ترخيص لتصدير البضائع إلى غزة من مصر، وهو أحد قيادات قبيلة الترابين في سيناء.

ويمتلك كذلك شركة تتولى الإدارة الحصرية لجميع العقود المتعلقة بجهود إعادة الإعمار في غزة، وفق تقرير لهيومن رايتس ووتش نشر في 14 يونيو 2022.

ويتابع بن شمسي: "نتحدث عن رجل له علاقات وطيدة في هرم السلطة في مصر، سواء السلطة السياسية من رئيس الدولة أو السلطة العسكرية".

 

"أنت تدفع ثمن حياتك!"

"ما يحصل جريمة من جرائم الحرب، لأن الشركة مشاركة في المعاناة بالكثير من الانحطاط والاستغلال"، كما يقول الشاب حسين، معتبرًا من جانب آخر أن حاله يكاد يكون أفضل من أولئك العاجزين عن دفع المبالغ الباهظة بآلاف الدولارات.

ومن بين أولئك حسن المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، ما دفعه لإطلاق حملة إلكترونية لتأمين 70 ألف دولار أمريكي من أجل إخراج عائلته، المكونة من 15 فردًا. 

ويقول إن هذا الرقم لا يعني الخدمة الكاملة، وإنه "يشمل فقط إدراج أسمائهم من قبل شركة هلا على المعبر وتأمين نقلهم إلى الأراضي المصرية".

لا تتوقف معاناة الشاب عند ذلك الحد فحسب، وفي حال أراد الذهاب من واشنطن إلى مصر من أجل التسجيل في مقر الشركة ستواجهه مشكلة ترتبط بإدخال المبلغ بالدولار عبر المطار، وأخرى تتعلق بكيفية دخوله إلى مكتب الشركة في ظل الطوابير المتشكلة أمامها"، على حد قوله.

ويضيف: "الموضوع ليس فقط تسجيل الاسم ومن الخروج. لكي تصل وتسجل أسماء أفراد عائلته تكون قد دخلت في حلقة هامشية من الدفع والرشاوى والمحاولات".

الشابة فرح والمقيمة في الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا تواجه ذات الحالة المأساوية، وترى أن ما يحصل "عبارة عن تجارة"، وهو استنتاج خلصت إليه بعد أسابيع من التواصل مع عدد المنسقين في محاولة لإخراج ذويها.

لدى الشابة 6 أفراد من عائلتها داخل غزة، وبحسبة بسيطة أجرتها بعد التواصل مع "منسقين" والشركة المذكورة تفاجأت أنه يستوجب عليها دفع 22 ألف و500 دولار.

ولا يشمل الرقم المذكور "المبالغ الإكسترا" التي يجب دفعها لـ"منسقين" كي يسهلوا عملية التسجيل داخل الشركة في ظل الاكتظاظ الحاصل أمامها، وفق الشابة الفلسطينية.

وتعود بالوراء إلى ما قبل الحرب، وتؤكد أن "هلا" كانت موجودة ومعروفة، وأنها كانت خيارًا لمن يريد الدخول والخروج عبر رفح، عن طريق دفع الأموال. 

لكن بعد الحرب تضاعفت الأرقام، وانعدم خيار النوم على المعبر والانتظار تجنبًا للدفع واتخاذ خيار الخروج عبر الشركة المختصة بـ"التنسيق".

وتضيف: "الآن يوما بعد يوم يزداد السعر ولا يوجد أي خيار آخر سوى أن تدفع كي تسافر.. الهروب من الموت لا يتم إلا بالدفع.. ما يحصل هو أن الناس تدفع ثمن حياتها!".

 

"تجارة حرب"

ويعتبر حسن أن ما يجري في رفح هو "تعطيل كل شيء بالمجان لكي تنحصر الأمور في الدفع فقط".

"خدمة كان ثمنها 300 دولار قبل الحرب لماذا تضاعف لتصل إلى 6 آلاف دولار أمريكي؟"، يقول حسن.

ويضيف طارحًا تساؤلات: "من لديه 70 ألف دولار في غزة هل يقيم في خيمة؟.. عائلتي لا تملك ثمن إيجار غرفة. أحاول إخراجهم لكن أخي يخبرني بأن الموت أرخص من المبلغ المراد دفعه".

الشاب عمار المقيم في القاهرة الآن، قال إن كثيرًا من الناس الذين يعرفهم في غزة اضطروا لبيع ممتلكاتهم الخاصة لكي يجمعوا ثمن الخروج الذي تفرضه شركة "هلا".

وكذلك الأمر بالنسبة للشاب حسين، معتبرا أن عمليات الاستغلال المرتبطة بـ"هلا" "جريمة من جرائم الحرب" الدائرة.

ويضيف: "بدلاً من تخفيف المعاناة يمصّون دماءنا ويأخذون تحويشة عمرنا. من لديه أموال وفي حال بقي في غزة سيموت.. ولذلك يدفع ويخرج بكرامته".

 

"المال يفعل كل شيء"

مع بداية السماح بالخروج أوائل الحرب، كانت تُعلق في معبر رفح قائمتان: "الرعايا الأجانب"، وقائمة الجوازات المصرية.

وبعدها، أصبح هناك 3 قوائم: "الرعايا الأجانب" و"الخارجية" وقائمة "هلا"، وهو ما توضحه القوائم الاسمية التي يتم نشرها بشكل يومي على الصفحات الرسمية الخاصة بمعبر "رفح" وتحقيق سابق لموقع "مدى مصر".

ورغم أن اسم "هلا" لم يكن يتردد قبل بداية العام، حيث كانت الأضواء مسلطة على "المنسقين" الفرديين يعتقد من تحدث إليهم موقع "الحرة" أنها كانت في الكواليس.

وأصبح "التنسيق" محصورًا بها الآن، نظرًا للاندفاعة الكبيرة الحاصلة للراغبين بالخروج، في ظل التهديدات الإسرائيلية بتنفيذ عملية عسكرية في رفح المكتظة بالنازحين داخليًا.

ورفح التي كان عدد سكانها 250 ألف نسمة تكتظ الآن بـ1.5 مليون شخص اضطر غالبيتهم إلى النزوح إليها سعيا للأمان، حسب مسؤولي الأمم المتحدة.

وكانوا قد حذروا قبل أسابيع من احتمال تنفيذ عملية هجومية واسعة النطاق بالمدينة وآثارها المدمرة على المدنيين.

وقال منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة، مارتن غريفيثس، إن "العمليات العسكرية في رفح قد تؤدي إلى مذبحة في غزة، وقد تترك العملية الإنسانية الهشة بالفعل على أعتاب الموت". 

وفي غضون ذلك، يواجه النازحون ظروفًا مزرية داخل آلاف الخيام المنتشرة في جميع أنحاء المدينة، حتى إن الأرصفة ازدحمت بتلك الخيام. 

كما تحولت الطرق الرئيسة إلى أسواق مكتظة، تعكس العجز في جميع جوانب الحياة والاحتياجات اليومية للنازحين.

وقبل أن تندلع الحرب كان لـ"هلا" وكلاء في غزة، الأولى هي شركة "المشتهى" و"حمد ستار".

لكن بعدها انقطعت هذه العلاقة، حسب مراسلة تمت مع الشركة الأولى عبر تطبيق واتساب، إذ قالت إن "التسجيل للخروج عبر رفح محصور فقط بنفس الشركة (هلا)".

لكن التواصل مع شركة سياحية أخرى تحمل اسم "شركة أسامة محمد مشتهى للسياحة والسفر وشؤون الحج والعمرة" فتح باب تنسيق عبر رفح بمبلغ باهظ جدًا، ويصل إلى حد 12 ألف دولار للشخص الكبير و2500 دولار للطفل الواحد.

وتواصل موقع الحرة على الرقم الموجود على صفحة "شركة أسامة محمد مشتهى للسياحة والسفر وشؤون الحج والعمرة" في فيسبوك، ليرد شخص عرف عن نفسه بأنه مدير الشركة المذكورة.

وقال إن "العملية المذكورة (تنسيق خاص) وليس عن طريق (هلا) التي تفرض شروطًا خاصة بها"، وأضاف: "الدفع يكون في غزة والتنسيق عن طريقنا كشركة. أنا أتابع التنسيقات بشكل شخصي. بعد يوم واحد من الدفع تحسب سبعة أيام ومن ثم تدرج الأسماء في الكشوفات".

ويعتبر الشاب حسن أن "ما يحصل تجارة حرب من الدرجة الأولى وضد كل قوانين العالم".

ويشير إلى قصة ابنة خالته التي سافرت قبل أسبوع من رفح دون أن تحمل جواز سفر، مسلطًا الضوء على هذه الحالة وكيف يمكن عبور الحدود بين دولتين بلا وثائق رسمية. 

ويقول: "هذا يعطي انطباعًا بأن المال يفعل كل شيء لا يمكن فعله.. الناس تبيع ممتلكاتها كي توفر ثمن التنسيق للوصول إلى مصر حيث لا وجود للقتل.. دون أن يعني ذلك غياب الاستغلال ومص الدماء".