يعيش نحو مليون ونصف مليون شخص شخص في مدينة رفح الفلسطينية تحت نيران الصواريخ والقذائف الإسرائيلية، وتثير الظروف التي يعيشون فيها قلقًا دوليًا متزايدًا رغم الآمال بالتوصل الى هدنة محتملة تعمل عليها الدوحة والقاهرة وواشنطن، بعد نحو خمسة أشهر من حرب مدمّرة بين إسرائيل وحماس.

وتحولت رفح، التي كان عدد سكانها قبل السابع من أكتوبر نحو 300 ألف فلسطيني فقط، إلى مخيم كبير للاجئين الذين نزحوا إليها من الشمال، إما فرارًا من المجازر والقصف وإما مرحلين قسريًا من بيوتهم، وأصبحت شوارعها مليئة بمخيمات أقمشة وبلاستيك على أعمدة معدنية، وأنشئت آلاف من الخيام في الجزء الشمال الشرقي للمدينة الذي كان خاليًا قبل ديسمبر 2023.

 

610 آلاف طفل يعانون في رفح

واكتسبت مدينة رفح شهرتها العالمية باسم معبر رفح الحدودي، فهو المكان الوحيد الذي يعوّل عليه في إدخال المساعدات وإخراج المصابين لتلقي العلاج في القاهرة، وحتى قبل الحرب على غزة، فهذا المعبر هو الذي جرى من خلاله دخول البضائع إلى القطاع من مصر إلى جنوب غزة.

وتحتل رفح مساحة قدرها 25 ميلًا مربعًا فقط على الحدود مع مصر، وتبلغ الكثافة السكانية فيها الآن ضعف كثافة سكان مدينة نيويورك وأكثر من أربعة أضعاف كثافة سكان واشنطن العاصمة. ولكن على النقيض من أي من هاتين المدينتين الأمريكيتين، فإن الناس في رفح لا يعيشون في مبان شاهقة أو منازل مستقلة. إنهم يحتمون معًا في المستشفيات والمدارس المزدحمة. ويوجد أكثر من 610 آلاف طفل محاصرين هناك، ويشكلون حوالي نصف السكان النازحين.

ويعاني سكان غزة الذين يكافحون من أجل البقاء في رفح من ظروف لا يمكن تصورها، بما في ذلك التعرض لفترات طويلة لطقس الشتاء البارد والرطب، والاحتماء جنبًا إلى جنب في الشوارع، تحت الخيام والقماش المشمع في أي مكان يمكنهم العثور فيه على مساحة.

يواجه الآن هذا الجزء الصغير من غزة، الذي شهد بالفعل فيضا من المعاناة، احتمال المزيد من المصاعب والألم. وقد كثرت عناوين الأخبار في الأسابيع الأخيرة التي تتحدث عن هجوم وشيك محتمل.

ونظرًا للكثافة السكانية الهائلة والافتقار إلى مساحات آمنة في رفح، فإن أي تصعيد عسكري كبير -وخاصة استخدام الأسلحة المتفجرة التي يمكن أن تكون لها عواقب عشوائية- سيكون كارثيًا على السكان المدنيين المحاصرين هناك، خاصة السكان الأكثر ضعفًا.

وقد شهدنا بالفعل هذا الأمر في أجزاء أخرى من غزة، حيث تشير التقديرات إلى أن الأطفال والنساء يشكلون نسبة صادمة تبلغ 70% من أكثر من 29 ألف شخص أفادت التقارير أنهم قتلوا على مدى الأشهر الأربع الماضية.

 

آلاف الفلسطينيين معرضون للموت في رفح

ومن شأن هجوم كبير على رفح أن يضيف إلى حد كبير حصيلة القتلى والجرحى المروعة بالفعل في غزة. ومن المرجح أن يموت آلاف آخرون في أعمال العنف أو بسبب نقص الخدمات الأساسية، والمزيد من انقطاع المساعدات الإنسانية المقدمة إلى السكان المدنيين المعرضين للخطر الشديد. ومن شأن الهجوم أن يؤدي أيضًا إلى تسريع الانهيار المستمر للقانون والنظام.

وقد شهد موظفو اليونيسف الموجودون على الأرض على بعض الفظائع القاسية لهذه الحرب. لقد ارتكبت أطراف النزاع انتهاكات جسيمة بشكل صارخ ضد الأطفال، بما فيه القتل والتشويه والاختطاف والهجمات على المدارس والمستشفيات والحرمان من وصول المساعدات الإنسانية.

ويتوجه الأطفال المصابون إلى المستشفيات القليلة المتبقية العاملة وهم مصابون بحروق شديدة وإصابات تتطلب البتر وجروح مفتوحة وغيرها من الصدمات الخطيرة.

تعد رفح موطنًا لبعض آخر المستشفيات والملاجئ والأسواق وشبكات المياه المتبقية في غزة، وكلها ضرورية لصحة الأطفال ورفاههم. وبدون هذه الموارد، ستزداد معدلات الجوع والمرض بشكل كبير، مما سيكلف المزيد من الأطفال حياتهم.

وتشير تقديراتنا حتى الآن إلى أن ما لا يقل عن 90% من أطفال غزة دون سن الخامسة مصابون بواحد أو أكثر من الأمراض المعدية، وأن 70% أصيبوا بالإسهال في الأسبوعين الماضيين، وهي زيادة قدرها 23 ضعفًا مقارنة بخط الأساس للعام 2022.

وتفيد التقارير أن هناك خططًا لإجلاء المدنيين في رفح قبل شن هجوم عسكري كبير. ولكن أين يمكن أن يذهبوا؟ لقد تحول جزء كبير من قطاع غزة إلى أنقاض. ولا يجوز دفع المدنيين أكثر إلى الجنوب. ولا يمكنهم، كما اقترح البعض، الانتقال بشكل معقول إلى المواصي، وهي بلدة فلسطينية تقع على الساحل الجنوبي لقطاع غزة، لأنها مجرد شريط ضيق من الشاطئ يفتقر إلى البنية التحتية الأساسية بما في ذلك المراحيض الكافية والمياه الجارية اللازمة لدعم السكان.

لقد تم بالفعل تهجير معظم الأطفال في رفح عدة مرات بسبب القتال في غزة، وهو ما يشكل انتهاكًا مباشرًا للقانون الدولي. ونحن نعلم أنه مع دخول الحرب أسبوعها العشرين، هناك العديد من الجرحى والمرضى وسوء التغذية، وسيكافحون من أجل العثور على ما يكفي من المال للتحرك مرة أخرى. وتشير تقديراتنا إلى أن ما لا يقل عن 17 ألف طفل في غزة أصبحوا الآن غير مصحوبين بذويهم أو انفصلوا عن أسرهم، وهو رقم من شأنه أن يرتفع بالتأكيد في حالة حدوث المزيد من النزوح السكاني.

 

أولمرت يحذر بلاده من مهاجمة رفح

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت إن إسرائيل ستواجه عواقب وخيمة، إذا أرسلت قوات إلى مدينة رفح المحاصرة جنوبي قطاع غزة، حسبما ذكرت وكالة بلومبرج للأنباء أمس الأربعاء.

وذكر أولمرت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو يجب أن يوقف الحرب ضد حركة حماس ويركز على خطة من شأنها تمكين الجيش الإسرائيلي من مغادرة غزة، وإدخال قوات دولية كقوات لحفظ السلام.

وأضاف أولمرت (78 عامًا) الذي قاد البلاد بين عامي 2006 و 2009 أن دولا أخرى من بينها الولايات المتحدة لن تتحمل الهجوم على رفح.

وأضاف المسؤول السابق في مقابلة: “لقد وصل صبر المجتمع الدولي إلى نقطة لا أظن أنه سيستوعب (الهجوم) عندها”.

وأشار إلى أن أكبر خطر وشيك على إسرائيل هو أن تلغي مصر اتفاقية السلام معها.

 

غوتيريش يحذر من الهجوم الإسرائيلي على رفح

حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، الاثنين الماضي، من أنّ هجومًا إسرائيليًا على رفح سيوجّه ضربة قاضية لبرامج المساعدات في غزة، حيث لا تزال المساعدات الإنسانية "غير كافية على الإطلاق".

وقال جوتيريش، في كلمة أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، إنّ هجومًا شاملًا على المدينة الواقعة في جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر "لن يكون فقط مروّعًا بالنسبة لأكثر من مليون مدني فلسطيني لجأوا إلى هناك، بل سيكون بمثابة المسمار الأخير في نشع برنامج مساعداتنا".

وقال جوتيريش إن المقاتلين في أماكن مثل الكونغو وغزة وميانمار وأوكرانيا والسودان "يغضون الطرف" عن القانون الدولي، موجهًا نداء من أجل مزيد من الاحترام لحقوق الإنسان والسلام حول العالم.

ودافع أمين عام الأمم المتحدة عن "، وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين،الأونروا" باعتبارها "العمود الفقري" لجهود الإغاثة في غزة في الوقت الذي دعت فيه السلطات الإسرائيلية إلى تفكيكها.

 

حماس ترحب بالمواقف الأوروبية بشأن رفح

ورحبت حركة حماس، خلال اليومين السابقين، بمواقف الدول الأوروبية الرافضة للعدوان الإسرائيلي على رفح بجنوب قطاع غزة، ولكنها شددت على أن التصريحات وحدها لا تعفيهم من مسؤوليتهم في منع الهجوم على المدينة.

وجاء في بيان الحركة أن تصريحات قادة دول أوروبية "برفضهم للعدوان على مدينة رفح محل ترحيب، ولكنها لا تعفيهم من مسؤولياتهم في منع الهجوم الإجرامي على رفح، التي نزح إليها قرابة المليون ونصف المليون مواطن فلسطيني".

وذكّرت حماس بأن حكومات الدول الأوروبية مستمرة في "توريد السلاح للجيش الصهيوني ليمضي في حرب الإبادة التي يشنها ضد شعبنا الفلسطيني".

وقالت الحركة "ندعو الدول الأوروبية، والاتحاد الأوروبي بشكلٍ خاص، إلى اتخاذ مواقف عملية وجدية في منع الكيان النازي من الاستمرار في حربه الإجرامية ضد شعبنا، والعمل كذلك بمضمون مقررات محكمة العدل الدولية، التي طالبت الكيان بوقف جريمة الإبادة والتطهير العرقي ضد شعبنا الفلسطيني".