بعد تدمير منزلهم، وهو أحد المنازل القليلة المتبقية، قامت عائلة "المدلل" بمحاولة فاشلة لمغادرة غزة، وتسلط صحيفة "الجارديان" الضوء على رحلتهم في تقرير كتبه “روث مايكلسون” و"فيصل علي".

المنظر من نافذة مطبخ عائلة المدلل في رفح ليس سوى ركام يحيط بهم في حي الزهور. أكوام الأنقاض التي كانت في السابق منازل لجيرانهم، ترى فيما تبقى من الجدران فجوات كبيرة، ولم يتبق سوى أكوام من الزجاج المكسور والخرسان الذي تتشقق في الهواء الصامت.

وقالت "شهد المدلل"، وهي طالبة تبلغ من العمر 21 عاماً أمضت الأشهر الأربعة الأخيرة في منزل عائلتها في رفح: "لقد استُهدفنا ثلاث مرات: عن يمين منزلنا، وعن شماله، ومن خلفه. نحن الآن نمزح قائلين إننا التاليون".

لم تتمكن "شهد" من العودة إلى شقتها أو جامعتها في مدينة غزة؛ حيث تم تدميرهما خلال القصف الإسرائيلي على المنطقة.

وأضافت: "إنك تشعر بالتغيير الذي تعيشه في هذا الحي، فقد اعتدنا أن نسمع أصوات الآخرين. الآن في كل اتجاه هناك أنقاض وآثار جثث".

وكثيرًا ما ترفض والدتها "نعيمة"، أن تنظر من النافذة، مذعورة من الدمار، وتضطر الأسرة إلى النوم في منزل أحد أقاربها خوفًا من المزيد من الغارات.

وقالت "شهد": "لقد أُصبت عدة مرات عندما كنت أقف بالقرب من النوافذ. لقد حاولنا وضع أكياس بلاستيكية على الفجوات حيث النوافذ لمنع المطر، ولكن هذا لا يفعل الكثير".

وأضافت أن الجيش الإسرائيلي صنف منطقة الزهور في السابق كمنطقة آمنة. وقد دعت منظمة العفو الدولية إلى التحقيق في العديد من الغارات على الحي باعتبارها جرائم حرب.

صعدت القوات الإسرائيلية ضرباتها على رفح، حيث يقيم ما يقدر بنحو 1.5 مليون شخص، حيث يهدد المسؤولون، بمن فيهم رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، بغزو بري للمنطقة في الأسابيع المقبلة. وتقول عائلات مثل عائلة "المدلل"، إنها محاصرة، وليس لديها مكان آخر تذهب إليه، على الرغم من العمل اليائس الذي قامت به "شهد" - وهي مواطنة أيرلندية - على مدار أشهر لمحاولة الإخلاء مع والديها. لقد واجهوا خيارًا رهيبًا، فإما أن ينفصلوا ويتركوا وراءهم والدها "وليد" المريض، أو البقاء معًا والمخاطرة بالموت.

وقال "ويليام شومبورج"، رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة، إن الوضع في رفح كان يتصف "باليأس والخوف والكثير من القلق - وكم كبير من عدم اليقين بشأن ما سيحدث بعد ذلك".

وتابع: "بمجرد القيادة في شوارع رفح، يبدو أن هناك انخفاضًا محدودًا في عدد الأشخاص". 

وذكرت "الجارديان" أن بعض الذين كانوا في مدينة رفح سابقًا قد عادوا إلى أجزاء من المنطقة الوسطى، ولكن من الصعب معرفة الأعداد الدقيقة. ولا تزال ترى الخيام في كل مكان والناس محشورين على الطرق. الحركة المستمرة للمدنيين مدفوعة جزئيًا بالخوف المزمن بشأن ما سيأتي.

وقد انتشرت في الأسابيع الأخيرة حملات التمويل الجماعي لزيادة رسوم الوساطة الباهظة للهروب إلى مصر، حيث يبدو التقدم الإسرائيلي في رفح أكثر احتمالاً من أي وقت مضى. وتقدر الرسوم بنحو 5000 دولارًا لكل شخص بالغ و2500 دولارًا لكل طفل، على الرغم من فترات الانتظار الطويلة.

تحمل "شهد" جواز سفر أيرلندي ويحمل والداها تأشيرات أيرلندية لأنها هي الجهة الوحيدة التي تتولى رعايتهم. لكن السلطات الإسرائيلية رفضت إضافة والدها ووالدتها إلى القائمة التي أعدتها السلطات المصرية للأشخاص الذين تمت الموافقة على عبورهم عبر معبر رفح للخروج من غزة.

وقالت "شهد": "في ذلك الصباح، لم أستطع التفكير في أي مكان أذهب إليه. فكرت في الحدود وأردت بشدة أن أكون آمنة، ولم أستطع أن أصدق أنني تمكنت من البقاء على قيد الحياة. شققنا طريقنا إلى الحدود، وحتى ذلك لم يكن سهلاً، فقد كان هناك قصف وانفجارات في كل مكان".

تمكنت هي ووالداها من عبور الحدود الفلسطينية، ولكن عند المعبر المصري قيل لهم "إنها مهمة مستحيلة أن يقبل والدكم".

تتدهور صحة "وليد"، مما يجعل تركه وراءهم أمرًا لا يمكن تصوره. انتظرت عائلة "المدلل" طوال اليوم عند المعبر لمعرفة ما إذا كان من الممكن أن تتغير الأمور. وتقول "شهد": "كنا على بعد خطوتين فقط من مكان أكثر أمانًا. على الحدود، رأيناهم يرفضون العديد من الرجال. يبدو الأمر وكأنهم يريدون فصل العائلات، وإذا كنت تريد النجاة حيًا عليك أن تنفصل".

وبعد الانتظار حتى الساعة 10 مساءً، قالت "شهد"، قامت العائلة برحلة مرعبة للعودة إلى منزلها وسط الغارات الجوية. وتابعت: "لم نكن نعرف ما إذا كنا سنعيش حتى صباح اليوم التالي. في كل دقيقة هنا في غزة تبدو الحياة مستحيلة، إنها مثل معركة جديدة من أجل البقاء. ما زلنا ننتظر، وهذا ما ألقى بنا إلى المجهول".

https://www.theguardian.com/world/2024/feb/24/it-feels-impossible-to-live-one-rafah-familys-attempt-to-find-safety