د. أسامة الأشقر
1. منذ أن اندلعت هذه الحرب فإن جميع مقاييسها لا تمتّ إلى عالم المادة وتقاليدِ نظامها؛ وحساباتُها تعتمد على إصابة التوفيق، واستحقاق بركة الله، ورماية الله المسدّدة، وظاهرٌ جدّاً أنّ مَن اندفع بها يريد أن يصل بغايتها إلى رضوان الله .
2. فتراهم التزموا أمر ربّهم فأعَدوّا لعدوّهم فائق القوّة المستطاعة، ودخلوا عليه الباب، وأتَوه من مأمَنهم من حيث لم يحتسبوا، واستشعروا كلمات ربّهم الذي تولّى أمر إخراج العدوّ ونسبه إلى نفسه، واعتبروا بذلك غاية الاعتبار باستبصارٍ إيمانيّ متين: " هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر، ما ظننتم أن يخرجوا، وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار"
3. وقد توكّلوا على الله غاية التوكّل، وأحسنوا الظنّ بربّهم، واحتسبوا كل أمرهم لله، إذ يعلمون أنّه لا يؤمن أحدهم حتى يكون قائدُهم رسولُ الله -صلوات ربي وسلامه عليه- أحبّ إليهم من أنفسهم وأموالهم وأولادهم والناس أجمعين.
4. وقد صبروا على قتال مرير لا مجال للمقارنة فيه منذ أربعة أشهر في حرب عجيبة لم يتكرر مثلها من قبلُ، تتجدّد فيها آيات الله في عظيم آثارها، وهم يرجون اللهَ كما لم يرجوه من قبلُ.
5. وعلى هذا فلا ينبغي لهم أن يتردّدوا لحظةً في صدق قرارهم ورشاده إن شاء الله، ولا ينبغي لهم أن يستيئسوا من تأخّر الفتح، فقد أضحى قرارهم الجريء هذا مسألة إيمانٍ عندهم، وهم في غمرة البلاء الشديد الآن، ويدبّر الله أقدارَه بما يثبّتهم، ويجعل لهم فيه جَبْراً ولُطفاً وعوضاً وفرجاً وفتحاً، فارتقِبوا فإن سنن الله تنفتح بتدرّجها ومساراتها التي قدّرها الله وقضاها.
"إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"