كثيرة هي المواقف التي تتحدث عن حياة الشيخ المجاهد الشهيد صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، ذلك لأن حياة المجاهد قصص تروى ومواقف تحكي ودروس تستفاد.

 

قضى شبابه في السجن

تتحدث شقيقته الكبرى دلال عن تجربته الصعبة وخاصة في الاعتقال الثاني الذي امتد 15 عامًا، وكيف أنه غاب في السجون لشهور بدون أن تعرف العائلة عنه شيئا، ولم يُسمح لوالدته برؤيته إلا في قاعة المحكمة بعد عام ونصف من التحقيق العسكري (تحقيق يصاحبه تعذيب عنيف).

تقول دلال: "عندما رأته كان عبارة عن هيكل عظمي، وقد خسر أكثر من 40 كيلوجرامًا من وزنه بسبب التعذيب والعزل، فلم تتحمل ذلك وغابت عن الوعي"، وفقًا لـ"الجزيرة".

وتضيف الوالدة على ذلك بقولها إنها تنقلت بين كل السجون الإسرائيلية لزيارته، وإنها في بعض الأوقات كانت تصل إلى أبواب السجن وتُمنع من رؤيته، كما أنه قضى سنوات متواصلة في العزل.

لكن الزيارة التي حُفرت في ذاكرتها كانت في سجن النقب الصحراوي، حيث عادت في ساعة متأخرة من الليل، ووجدت زوجها (والده) قد توفي ودُفن بدون أن تودّعه، وهو الذي أوصاها عند خروجها من البيت فجرًا أن توصل له رسالة: "أبوك بخير ما بدو من الدنيا إلا رؤيتك".

 

كان مستعدًا لمصيره

توالت أحاديث الشقيقات، وكل منهن تذكر ما يكمل سيرة حياة الشيخ العاروري، تتذكر صفية مثلاً تفاصيل آخر مكالمة بينهما صباح السابع من أكتوبر مع بدء عملية طوفان الأقصى، عندما انتشرت شائعة اغتياله "قمت بالاتصال به مباشرة، فرد عليّ ضاحكا أنه بخير، وأضاف "ها هم مقاتلونا قد دخلوا غلاف غزة".

منذ ذلك اليوم قُطعت أخباره بالكامل عن العائلة التي كانت تتوقع سماع نبأ استشهاده في كل لحظة، كما تقول صفية، وتضيف "من اختار هذا الطريق مصيره معروف له ولنا".

ومما عزز شعور والدته بقرب استشهاده، إرساله لها مبلغًا ماليًا قبل السابع من أكتوبر بقليل، وعندما سألته عن سبب ذلك قال لها إنه "لا يريد أن يترك وراءه دَيْنًا"، وطلب منها الدعاء له بالتوفيق بما هو قادم عليه.

 

العاروري الشامل الإستراتيجي

 أسير محرر يروي فصولاً مثيرة من شخصية الشيخ العاروري (شاهد)

كشف الأسير المحرر سلطان العجلوني عن جوانب مثيرة من حياة الشيخ الشهيد صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وصفاته الشخصية وسماته القيادية الفذة – رحمه الله – خلال فترة زمنية قضاها بجواره في السجن وخارجه.

وأكد، في لقاء على فضائية اليرموك الأردنية، أنه لم يكن رقمًا صعبًا فقط؛ بل كان معادلةً صعبة، ولم تنته هذه المعادلة باغتياله، بل المعادلة تتفاعل اليوم، وستكون مسرعًا لنضوج هذه المعادلة وهذا ما سنراه قريبًا بإذن الله تحديدًا في الضفة الغربية.

وروى العجلوني قصة تكشف شمولية شخصية العاروري وإستراتيجيته، قائلاً: أذكر في عام 2011 عندما حصلت المجاعة في الصومال، وقمنا في الأردن بإطلاق حملة لإغاثة الصومال، اتصل بي وأرسل مبلغًا من المال، فقلت: أليست هذه الأموال مخصصة للمجاهدين في فلسطين، قال: وما الفرق بين أهل فلسطين وأهل الصومال، نحن أمّةٌ واحدة.

وشدد على أنّ “هذا الإنسان الشامل الإستراتيجي يعرف العدوّ تمامًا بأنّه وصل إليه في الوقت الضائع”.

وقال العجلوني: العدوّ يعرف جيدًا ما هو الغرس الذي غرسه الشيخ صالح العاروري، ويعرف أنّ ثمار هذا الغرس أثمر بعضٌ منها، والبعض الآخر على وشك النضوج في الضفة الغربية.

ولفت إلى أنّ “الشيخ صالح بتفكيره الإستراتيجي، شبّك بين الساحات، في جميع أماكن التواجد الفلسطيني، وأعادهم لخندق المقاومة كلٌ بطريقته، ليس فقط على المستوى الفلسطيني، توجه لكل الأحرار من الأمّة وخارجها، وجعلهم جزءًا من هذه المعركة”.

واستدرك بالقول: المشكلة عندما نتحدث عن الشهداء، أنّ الذي لا نستطيع قوله أكثر بكثير ممّا يمكن البوح به.

وشدد الأسير المحرر على أنّ الفقدان للشيخ العاروري كبيرٌ جدًا، ولكن الأفكار لا تتوقف بموت حامليها، وإن ماتت فهذا دليل الفشل، ولكن هذا لا يصح في معادلة العاروري الذي ترك آلافًا من التلاميذ النجباء الذين سيتفوق بعضهم على أستاذه بإذن الله.

وتابع بالقول: هذا ما حصل بعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين واستشهاد كل القادة العظماء، هل توقف مد المقاومة أم ازداد؟

 

صالح العاروري الإنسان

وروى العجلوني جانبًا إنسانيًا من شخصية العاروري فيقول: هذا الرجل العظيم كان “أمّا” لإخوانه، ولم يكن أبًا، وأنا عشت معه في غرفة واحدة، هو في الطابق العلوي للسرير، وأنا في الطابق السفلي، وهذه الصلابة التي تراها مقابل الاحتلال، كانت حنانًا متدفقًا على إخوانه، لا أستطيع أن أصف شخصيته بكلمات، إلا أن أقول كان (أمّا لإخوانه بحنيته وليس أبًا)، داخل المعتقل وخارجه.

ويلفت بالقول: بقي تواصله مع عدد كبير من إخوانه رغم كل انشغالاته، يتصل بنا، ويتواصل معنا، وكنا حتى وقتٍ قريبٍ نرتب لرحلة عائلية مشتركة، رغم كل انشغالاته.

 

موقف مطبوع في الذاكرة

وقال العجلوني: إنّ مسيرته كلها موقفٌ متواصل، والمتابعة والرعاية والاهتمام، بأدق تفاصيل إخوانه، دراستهم صحتهم، ولا أذكر أنّني مررت بوعكة صحية ولم يتحدث معي ولا أذكر أنّه مرت عليّ لحظة حزن أو فرح أو نجاح أو فقدان ولم يبادر بالاتصال بي، أين هو وأين أنا؟ لكنّه كان يتابع إخوانه بأدق تفاصيلهم وهذا ما ميزه، هذا الإنسان العظيم بتفاصيله العامّة والخاصة.

واستدرك بالقول: لذلك كان من الصعب على الاحتلال الوصول إليه، لأنّ الذين معه يحبونه ولا ينقادون إليه كمسؤول، يحبونه محبة الأب والأخ الكبير قبل أن يكون القائد، وحدثني أحد الإخوة أنّه التقاه في سوبرماركت في أحد البلدان، فيخرج بنفسه رغم كل التحذيرات الأمنية، فهذا التواضع وهذه البساطة هي التي جعلت منه بهذه العظمة، إنسان بالفعل سبق زمنه، وبالفعل رؤيته الإستراتيجية أثمرت وستثمر أكثر بعد استشهاده.

وأضاف العجلوني: أذكر أنّ أكثر ما كان يميزه في الحوارات التي حضرتها في اجتماعات كانت تحصل أحيانًا، لمناقشات عامة، كان يقول: نحن حركة مقاومة ويجب أن نتعامل ونتصرف كحركة مقاومة، ولا نغرق في البيروقراطيات التي غرق بها غيرنا، فكان – رحمه الله – دائم التعلم من الآخرين.

ولفت إلى أنّ الثقافة الواسعة وسعة الاطلاع التي تجدها عنده، لا تجدها عند كثيرٍ من الخبراء، وليس عند السياسيين المنشغلين بالسياسة، في كافة مجالات الحياة، ولذلك استطاع أن يحدث نقلات نوعية في العمل السياسي المقاوم والعسكري، لأنّه لا تخلقه هذه الدوائر الضيقة والحالات البيروقراطية فكان يفكر خارج الصندوق ويتجاوز بعض الأطر ويثبت أنه ذو رؤية وذو بصيرة ثاقبة ورجل حصيف.

 

تمنى الشهادة فنالها

حركة حماس تشيّع العاروري واثنين من رفاقه في بيروت – قناة الغد

اتهمته الاستخبارات الإسرائيلية، بالتخطيط لقتل ثلاثة إسرائيليين بالضفة الغربية المحتلة خلال صيف 2014، وهي العملية التي وصفها العاروري بـ"العمل البطولي".

وفي أحد لقاءاته المصورة، قال العاروري: "الحمد لله، نحن أناس مؤمنون، ونعتبر أن الشهادة ولقاء الله هو الفوز العظيم الذي نتمنى أن تُختم لنا به الحياة".

شاهد:  https://twitter.com/adham922/status/1742229652951765037

وفي لقاء آخر قال: " “احنا بحركة حماس كلنا مشاريع شهادة من الشيخ أحمد ياسين وانزل، وأنا حاس حالي عايش عمر زيادة وتجاوزت العمر الافتراضي فيا مرحبا بالشهادة ومحمد الضيف كل يوم بيحاولوا يغتالوه وإن شاء الله راح يدخل القدس”.. بهذه الكلمات التي رددها في لقاءاته الأخير كان يستشرف الشيخ صالح العاروري رحمه الله قرب نيله لأمنيته بالشهادة في سبيل الله.

العاروري كان قد رد مسبقًا على استئناف عمليات الاغتيال لقادة “حماس”، قائلاً إن هذه الخطوة قد تثير “حربًا إقليمية”، مضيفًا “إذا وصلنا إلى حد المواجهة الشاملة، فسوف تهزم إسرائيل هزيمة غير مسبوقة في تاريخها، ونحن واثقون بذلك”.

مبتكرًا مصطلح “حرب شاملة في عدة ساحات” و“توحيد الساحات” الذي ولد مع معركة “سيف القدس” عام 2021، ثم جولة القصف الصاروخي الذي نفذته المقاومة من عدة ساحات: غزة، لبنان، سوريا، ردًا على جرائم الاحتلال في المسجد الأقصى.

كان العاروري يرد على التهديدات الإسرائيلية بالاغتيال، بعبارة: “عمري الافتراضي انتهى”، ويبدو أن عمره انتهى، وسيبعث رحيله برسائل ساخنة متعلقة باحتمالية اشتعال حرب شاملة على عدة جبهات.

وشيّعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، اليوم الخميس، نائب رئيس مكتبها السياسي صالح العاروري في العاصمة اللبنانية، بعد يومين من مقتله مع ستة آخرين بقصف إسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت.

ونعت حركة حماس صالح العاروري وقالت الحركة في بيان: "قائد أركان المقاومة في الضفة الغربية وغزة ومهندس طوفان الأقصى بالسابع من أُكتوبر - القائد الوطني الكبير الشيخ القسامي صالح العاروري شهيدًا"