نقلت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، عن مراقبين دوليين مطلعين على الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، أنهم يأملون بأن تؤدي الحرب بين إسرائيل وحركة حماس إلى "قلب الوضع الراهن الخطير"، رأسًا على عقب، وأن تؤدي في نهاية المطاف إلى مزيد من الاستقرار في المنطقة.

وبحسب مقال نشرته المجلة، فإن "الحرب الحالية كثيرًا ما تتم مقارنتها بحرب أكتوبر العام 1973 بين إسرائيل والقوات المشتركة لمصر وسوريا، ويرجع ذلك، إلى حد كبير، إلى حجم إخفاقات الاستخبارات الإسرائيلية، وفقدان الرأي العام الإسرائيلي الثقة بحكومته، والصدمة الوطنية التي أعقبت ذلك، رغم الاختلافات الكبيرة في حجم الدمار والخسائر في صفوف المدنيين".

وقالت المجلة، إن "الحرب الحالية سينتح عنها خروج مجتمعين مصدومين يواجهان مستوى مرتفعًا من الألم والخسائر والدمار، وهو ما يتطلب القيام بمهمة شاقة تتمثل بإعادة البناء الجسدي والشفاء النفسي".

 

أفكار غير واقعية

ووصفت المجلة الحديث عن أن إسرائيل ستخرج بشكل كامل من غزة بعد استكمال عملياتها العسكرية، وأن السلطة الفلسطينية قادرة على تولّي زمام الأمور بسرعة بشكل رسمي، بأنها "أفكار غير واقعية، فالحرب الحالية ليس لها قادة أبطال، إذ إن كلا الجانبين يعاني من حكم غير فعال إلى حد كبير، ولا يوجد احتمال واقعي على المدى القريب للوصول إلى نهاية دراماتيكية ومشجعة للصراع، نهاية تؤكد صحة تضحيات كل جانب، وتوفر الراحة والأمل في المستقبل".

 

تدمير حماس ودور السلطة الفلسطينية في غزة

وحذرت المجلة من أن "الحرب قد تفرز وضعًا جديدًا وأشد تعقيدًا، والقيادة الأمريكية الجريئة هي وحدها من يستطيع دعم التوصل إلى نتيجة جيدة في أعقاب هذه الحرب"، وشددت على أن "تصريحات المسؤولين الإسرائيليين حول تدمير حماس ومن ثم تجريد غزة من السلاح والتطرف أمر غير واضح، وحتى لو نجح الإسرائيليون في تدمير قدرات حماس العسكرية، فإنهم لن يعلنوا ببساطة عن إنجاز المهمة في غزة ثم يغادروا، إذ من المرجح أن تبقى إسرائيل في غزة لفترة ممتدة، ولو نجحت إسرائيل في إنهاء حكم "حماس" في غزة، فإنها سترغب - بلا أدنى شك- في الاحتفاظ ببعض السلطة، وضمان مراقبة وتفتيش كل ما يرد إلى القطاع بعناية".

ووفقًا للمقال، فإن "الخيار الأفضل لمستقبل غزة على المدى الطويل هو الحكم الفلسطيني بقيادة سلطة فلسطينية معاد تنشيطها وشرعنتها "، ونوَّه المقال إلى "اجتماع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، مع مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، في وقت سابق من هذا الشهر، والحديث عن الدور الذي يمكن أن تلعبه السلطة الفلسطينية بعد تنشيطها في حكم غزة".

 

أسوأ فشل استخباراتي

وأشارت المجلة إلى أن "نتنياهو أشرف على أسوأ هجوم وأسوأ فشل استخباراتي في تاريخ إسرائيل، فضلاً عن اليوم الأكثر دموية بالنسبة لليهود منذ المحرقة، فيما رأى مراقبون أن حياة نتنياهو السياسية ستصل إلى نهايتها قريبًا".

وشددت المجلة على أن "المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية شاركوا في عشرات حوادث الاعتداء والترهيب ضد الفلسطينيين، ما أجبر ما لا يقل عن 1000 شخص، بما في ذلك مجتمعات رعوية بأكملها، على ترك أراضيهم، وإذا بقي نتنياهو في السلطة لأي فترة ممتدة، فمن المرجح أن يستمر الوضع في الضفة الغربية بالتدهور، وربما يؤدي إلى انتفاضة فلسطينية يحفزها جزئيًّا المستوطنون المتطرفون".

 

حل الدولتين

ورأى كاتب المقال أن "خيارات الولايات المتحدة تتمثل في أمرين، إما المساعدة بتهيئة الظروف لحل الدولتين أو التكيف مع وضع ما بعد الصراع الذي يعد وضعًا أسوأ من الوضع الراهن، ولا يحل أي قضايا أساسية، وربما يهيئ الظروف لحرب أخرى، وسيتعين على الولايات المتحدة أن تساعد في تنسيق العديد من العمليات الحاسمة في وقت واحد، وبما يتضمن وضع آليات إعادة إعمار غزة لتكون جاهزة للمباشرة في يوم رحيل الجيش الإسرائيلي، وضم الأطراف العربية المترددة للمساعدة في الحفاظ على القانون والنظام، وإقامة حكم مؤقت في غزة وإبقاء قادة حماس في مأزق، وإجبار السلطة الفلسطينية على إعادة هيكلة نفسها".

وفي الوقت نفسه، ارتفع سهم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الضفة الغربية منذ هجومها يوم السابع من أكتوبر وإطلاقها سراح مئات الأسرى الفلسطينيين.

وبحسب فورين أفيرز، فإن استعادة ثقة الفلسطينيين بالسلطة سوف يستغرق قدرًا كبيرًا من الجهد والوقت، وهو يتطلب من السلطة إجراء انتخابات نزيهة وحرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإقناع الناخبين بأنها ستهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

 

دور واشنطن

وتساءلت المجلة عما يمكن للإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جو بايدن فعله في العام الذي يسبق الانتخابات الرئاسية، في ضوء القيود التي تفرضها السياسة الأمريكية، وقالت إن على بايدن مواصلة الضغط على إسرائيل لإنهاء حملتها البرية والجوية المكثفة بسرعة لصالح تنفيذ عمليات أكثر تركيزًا واستهدافًا".

وتابع المقال أنه "يتعين على إدارة بايدن أن تمارس ضغوطًا قوية من أجل زيادة كمية المساعدات الإنسانية التي تدخل غزة، بما في ذلك من خلال ضمان بقاء معبر كرم أبو سالم الحدودي الذي تم افتتاحه مؤخرًا، والضغط من أجل استئناف المفاوضات لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المتبقين لدى حماس، كما يجب على الإدارة الأمريكية أن تضغط على إسرائيل والسلطة الفلسطينية لحملهما على قمع أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون المتطرفون والمسلحون الفلسطينيون في الضفة الغربية".

وأضافت المجلة أن، "الولايات المتحدة تحتاج إلى ضمان احترام إسرائيل للمبادئ التوجيهية الأمريكية بشأن غزة، بما في ذلك عدم تقليص أراضي القطاع، وعدم الترحيل القسري لسكانه، فقد يتمكن بايدن من التأثير على المواقف الإسرائيلية دون التقليل من فرص إعادة انتخابه في 2024، وذلك لن ينجح في ظل وجود القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية الحاليتين بزعامة محمود عباس وبنيامين نتنياهو".

وختمت المجلة مقالها بالقول إن بايدن عليه " أن يوضح للإسرائيليين أن استمرار قوة علاقتهم مع واشنطن يعتمد على فهم إسرائيل لحقيقة أنها لا تستطيع إعادة احتلال غزة، وأن ضمانهم الأمني النهائي سوف يتلخص في التوصل إلى اتفاق سلام مع دولة فلسطينية ذات عقلية سلام مماثلة".