في مقال نشرته صحيفة "الجارديان"، قال الباحث الفلسطيني "ليث حنبلي" إن الحكومة الإسرائيلية تجرد الفلسطينيين من الحريات الاقتصادية والجسدية وحتى القدرة على الاحتفال. ومع ذلك فإن العالم يشيح بنظره عنهم.

وأضاف: "في نظر العالم، يبدو أن هناك نوعين من العنف ضد الشعب الفلسطيني: هناك فظائع الإبادة الجماعية التي تتكشف في غزة حيث تقوم إسرائيل بمحو العائلات والأحياء وسبل العيش. ثم هناك النوع الآخر: العنف الذي تعرض له الفلسطينيون منذ نكبة عام 1948، والذي تم التغاضي عنه ونادرًا ما يتم التعليق عليه".

 ويبدو أن العنف في الضفة الغربية يُصنف دائمًا ضمن الفئة الثانية، بغض النظر عن مدى تطرفه. ومع ذلك، شهدنا في الأسابيع الأخيرة تصعيدًا ملحوظًا من جانب إسرائيل. ويبدو أن السياسيين قرروا أن لهم مطلق الحرية بينما تستمر الحرب الأخيرة وتتجه كل الأنظار نحو غزة. لكن انظر إلى الضفة الغربية وسترى تصرفات النظام الشمولي المتزايد الذي يعتقل الفلسطينيين دون تهمة، ويعذب السجناء ويحد من الحرية الجسدية والاقتصادية من أجل تعزيز هيمنة المستوطنين.

 في الأسابيع السبعة التي بدأت منذ 7 أكتوبر، قتلت القوات الإسرائيلية والمستوطنون 221 فلسطينيًا في الضفة الغربية، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية - وهو عدد أكبر من قتل عام 2022 بأكمله. ومن بينهم "آدم الغول" البالغ من العمر 8 سنوات. و"باسل أبو الوفا" البالغ من العمر 15 عامًا من مخيم جنين، وأصيب 2955 شخصًا آخر. 

وأوضح "حنبلي"، أن الغارات على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والقرى والبلدات أصبحت أكثر تواترًا - وهي تحدث الآن في وضح النهار، في حين كانت تُرتكب في كثير من الأحيان تحت جنح الظلام. كما تُستخدم الطائرات المًسيرة والقناصة لاستهداف الشباب الذين يرشقون الحجارة والمارة وأي شخص يتحدى تصرفات الجيش.

وتابع: "كما مُنعت الفرق الطبية في الضفة الغربية من علاج الجرحي. وأًبلغت منظمة الصحة العالمية عن وقوع 229 هجومًا على "الرعاية الصحية" في الفترة ما بين 7 أكتوبر و28 نوفمبر، ووقع معظمها خلال مداهمات. وشملت هذه الانتهاكات عرقلة سيارات الإسعاف، واحتجاز العاملين في مجال الرعاية الصحية واستخدام القوة ضدهم، وإجراء عمليات تفتيش عسكرية".

يُظهر المستوى الهائل من الدمار أن أهداف إسرائيل خلال هذه الحرب تتجاوز بكثير "النكبة الثانية" في غزة وحدها. تم استهداف مخيم بلاطة للاجئين بغارة جوية في 18 نوفمبر، ثم داهمت المركبات المدرعة والجرافات الإسرائيلية شوارعه الضيقة، مما تسبب في أضرار جسيمة للطرق المتدهورة بالفعل والبنية التحتية الأساسية. وهذا تكتيك إسرائيلي راسخ يسعى إلى تدمير نسيج الحياة اليومية. وفي مخيم جنين في وقت سابق من هذا العام، دمرت إسرائيل أنابيب المياه وقطعت الكهرباء وألحقت أضرارًا بالطرق ودمرت السيارات.

 من التجارب السابقة، نعرف ما سيأتي بعد ذلك في هذه المداهمات: حملات اعتقال واسعة النطاق. وأفادت هيئة شؤون الأسرى التابعة للسلطة الفلسطينية أن إسرائيل اعتقلت ما يقرب من 3300 فلسطيني منذ 7 أكتوبر، ويخضع 80% منهم للاعتقال الإداري - وهي أحكام بالسجن لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد ويتم إصدارها دون محاكمة أو تهمة، ووصف "حنبلي" الاعتقالات بأنها "وحشية". 

أدخلت إسرائيل تعديلات مختلفة على الأحكام العرفية لتمديد الفترة التي يمكن فيها احتجاز الفلسطينيين دون مراجعة قضائية أو حتى زيارات المحامين، وعدلت قانون مكافحة الإرهاب لتجريم متابعة حسابات غير مقبولة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي حين تم توثيق التعذيب المنهجي منذ فترة طويلة في نظام السجون الإسرائيلي، يبدو أن الأمور قد ساءت. بدأت إسرائيل حملة قمع شاملة ضد السجناء الفلسطينيين، والتي تشمل عزلهم عن العالم الخارجي، ومنعهم في البداية من وصول الشهادات إلى الصحافة. ولكن بناءً على زيارات المحامين وروايات السجناء المفرج عنهم مؤخرًا، حذرت منظمة العفو الدولية من إبقاء السجناء عراة ومعصوبي الأعين، وإجبارهم على إبقاء رؤوسهم منخفضة أو غناء الأغاني الإسرائيلية. منذ 7 أكتوبر، توفي 6 أسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية. ولا يمكن اعتبار هذا العنف إلا بمثابة عقاب جماعي للسجناء الفلسطينيين.

حتى مع إطلاق سراح بعض السجناء الفلسطينيين كجزء من صفقة الرهائن بين حماس وإسرائيل، كانت إسرائيل تعتقل المزيد: وفقًا لنادي الأسير الفلسطيني، فمع إطلاق سراح 169 طفلاً و71 امرأة، تم اعتقال 260 فلسطينيًا آخرين، من بينهم طفل يبلغ من العمر 12 عامًا. 

وفي الوقت نفسه، بينما كانت الحشود تتجمع للترحيب بالأسرى المحررين، أطلقت القوات الإسرائيلية قنابل الصوت والرصاص والغاز المسيل للدموع. وقُتل "ياسين الأسمر" و"فادي بدران"، وأصيب العشرات. حتى أن إسرائيل تقاضي عواطفهم داخل منازلهم، وتمنع الاحتفالات بالأسرى المحررين وتداهم منازلهم قبل وصولهم، وتجبر الزوار على الخروج، وترمي الحلوى وتهدد بغرامة قدرها 70 ألف شيكل إذا تم العثور على عائلات تحتفل بحرية أحبائها.

وبالإضافة إلى ذلك، لفت "حنبلي" إلى العنف الاقتصادي؛ حيث خفضت إسرائيل عائدات الضرائب المتاحة للسلطة الفلسطينية، وألغت تصاريح العمل للفلسطينيين الذين اعتادوا العمل في المستوطنات الإسرائيلية. ولم يتمكن العديد من المزارعين الفلسطينيين من قطف أشجار الزيتون بسبب العنف الذي يمارسه المستوطنون والجيش الإسرائيلي، مما يعرض مصدر الدخل الرئيسي لما يتراوح بين 80 ألف و100 ألف أسرة فلسطينية للخطر. ولا تزال القيود المفروضة على الحركة بين مدن وقرى الضفة الغربية مستمرة، بينما يقوم المستوطنون بمضايقة السيارات ومهاجمتها على الطرق الرئيسية. بعض الأماكن مغلقة تمامًا، مثل حوارة، التي أصبحت مدينة أشباح، والتي يحتاج سكانها إلى موافقة عسكرية لمجرد عبور الشارع الرئيسي.

وختم "حنبلي": "وعندما يتوقف العنف في غزة وتختفي فلسطين مرة أخرى من دائرة الأخبار، فإن هذا العنف الآخر ــ العنف اليومي الطاحن المتأصل في الدولة ــ سوف يستمر، بل وربما يتصاعد أكثر. سيفعل العالم ما فعله منذ عقود، وسيعود إلى التغاضي عن الاحتلال والحصار الإسرائيلي. ولهذا السبب، نعيد نحن الفلسطينيين تركيز جهودنا بشكل متزايد لمقاومة السبب الجذري لهذا العنف - الاستعمار الاستيطاني - كوسيلة لتحريرنا جميعًا". https://www.theguardian.com/commentisfree/2023/dec/02/west-bank-violence-israel