أشرف الشربيني

بعد نحو شهرين من قمة مجموعة العشرين (سبتمبر 2023)، إندلعت أحداث السابع من أكتوبر، وهى وإن كانت في جانبٍ منها مقاومة مشروعة ضد محتل، فإن وجهها الآخر مثَّل عقبة كأداء أمام محاولة أمريكية لإعادة رسم خارطة النفوذ في العالم من خلال مشروع (ممر الهند الإقتصادي) الذى تم إقراره على هامش مؤتمر العشرين، والذي ضم أربعة دول: هى إسرائيل والهند وصولاً للإمارات والسعودية، وأُستبعدت منه مصر وتركيا. 

هذا المشروع حال تنفيذه، لا يمثل فقط خصماً من رصيد نفوذ مصر الإقليمي، إنما كذلك تهديداً لقناة السويس التي ستنافسها حينذاك قناة (جوريون) الإسرائيلية..

فأمن مصر القومي حينذاك يقتضي أن تكون مصر في نفس مربع المقاومة وليس مع (إسرائيل)، مما يعني أن على مصر تقوية ودعم حركة حماس، بصفتها الطرف الفلسطيني الذي يسيطر على قطاع غزة، والأقدر على مواجهة إسرائيل وحماية القطاع من السقوط في يده، الذي إن سقط فسيكون وبالاً على مصر وأمنها، خاصة في ضوء التطورات الأخيرة المتعلقة بممر الهند الإقتصادي، والذي هو جزء من صراع أمريكا والصين للسيطرة على التجارة بين الشرق والغرب.

وبرغم أن إحدى ثوابت التاريخ والجغرافيا أن غزة هى خط الدفاع الأول عن مصر وأمنها القومي، فأمن سيناء من أمان غزة واستقرارها، وهو ثابت لا يتغير بتغير أنظمة الحكم هنا أو هناك، مما يحتم على نظام الحكم في مصر القيام بدور أكبر من مجرد دور (ساعي البريد) بين حماس وبين (إسرائيل) في كل حرب تقوم بينهما..

إلا أن نظام ما بعد انقلاب 2013، إتخذ مواقف عدائية من حركة حماس في سياق حربه على الاخوان المسلمين، فأصدرت محكمة مصرية حكماً في 2015 باعتبارها حركة إرهابية، وفي عام 2016 إتهم وزير الداخلية المصري حركة حماس بضلوعها في إغتيال النائب العام هشام بركات!

وبعد شهر واحد من تولي زعيم الانقلاب رئاسة البلاد، إندلعت في غزة حرب عام 2014، وتسبب التدخل المصري في إطالة أمد الحرب التي استمرت أكثر من 50 يومًا. حيث لم يوافق "السيسي" على وقف إطلاق النار حتى قبلت المقاومة بمطالب (إسرائيل)!

وفي تطور لافت للنظر، قامت سلطات الانقلاب المصرية بتهجير أهالي رفح والشيخ زويد على مرحلتين، الأولى عام 2014 والثانية عام 2021، مما ألقى بظلال من الشك والريبة على خطط تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء!

ومع بداية حرب غزة واصل النظام المصري حصاره للقطاع! لذلك لم يكن مستغرباً ما صرح به وزير الخارجية الإسرائيلي بأن العديد من الدول العربية، تشجع إسرائيل في الخفاء على هزيمة حماس! وما قاله كذلك جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي: إن القادة العرب يقولون أشياء في العلن لا يقولونها لنا في السر، وذلك حسب جريدة وول ستريت جورنال!

لكن مصر قبل عشر سنوات قدمت لنا نموذجاً آخر، فحين إندلعت حرب 2012، قام الرئيس محمد مرسي باستدعاء السفير المصري من تل أبيب واتصل بالرئيس الأمريكي أوباما، طالباً منه وقف الحرب على غزة، بل وأرسل رئيس وزرائه بصحبة عدد من وزراء الخارجية العرب إلى غزة، حيث اجتمع هناك لمدة ثلاث ساعات مع إسماعيل هنية في دار حكومة غزة، ثم ما لبث الرئيس مرسي أن توصل لاتفاق وقف إطلاق النار يضمن وقف "الاغتيالات والتوغلات الإسرائيلية" وتسهيل تنقلات الفلسطينيين. وذلك بعد أسبوع من العدوان.


والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة اليوم، أيهما أنفع للأمن القومي المصري، موقف الدولة المصرية برئاسة محمد مرسي 2012 أم موقف نظام الانقلاب اليوم؟