في ظل حرب عنيفة وسلسلة من الغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة، تتجمع الشاحنات المحملة بالمساعدات الإغاثية أمام معبر رفح البري من الجانب المصري، بانتظار الحصول على إذن الدخول، على أمل تخفيف معاناة أهالي القطاع الذين يرزحون تحت العدوان الإسرائيلي منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الماضي.

وكانت أول قافلة من المساعدات الإنسانية تدخل من معبر رفح، يوم السبت 21 من أكتوبر، وذلك منذ إغلاقه عقب اندلاع الحرب، حيث سمحت إسرائيل بدخول 20 شاحنة تحتوي على مساعدات طبية ومواد غذائية إلى غزة عبر معبر رفح البري.

وكان عدد الشاحنات التي عبرت إلى قطاع غزة طيلة 12 يومًا، منذ السماح بدخول المساعدات يوم 21 أكتوبر وحتى الأول من نوفمبر يقترب من 300 شاحنة، وهو العدد الذي كان يدخل في يوم واحد قبل اندلاع الحرب، وفقًا لمسئولين فلسطينيين في غزة.

واليوم، تتجمع الشاحنات في صفين أمام بوابة المعبر على مسافة 500 متر تقريبًا، وبجانبها مجموعة من المتطوعين لإفراغ وإعادة تعبئة المواد الإغاثية، ينتظرون منذ أيام الإذن بدخول جميع المساعدات، بعدما تمكنت بالفعل أكثر من 100 شاحنة من الدخول وإفراغ حمولتها من المساعدات الإنسانية في الجانب الفلسطيني من المعبر، ليتم بعد ذلك إغلاقه وفتحه على فترات متفاوتة.

أخبار عربية ودولية - بعد قصف المخابز.. انتظار لا ينتهي للحصول على رغيف في  غزة

أزمة المخابز

ومنذ بدء العدوان الصهيوني على غزة، اعتمد الاحتلال سياسة التجويع والتعطيش بحق سكان القطاع، بالتزامن مع سياسة الأرض المحروقة التي يدمر فيها المنازل والأحياء السكنية على رؤوس ساكنيها.

واستهدفت غارات الاحتلال المخابز ومحيطها في جميع أنحاء القطاع، في حين أن المتبقية منها غير قادرة على العمل بسبب نقص الوقود والدقيق.

وقال رئيس مكتب الإعلام الحكومي في غزة سلامة معروف: إنه “لا يوجد أي مخبز يعمل الآن في محافظتي غزة وشمال غزة، بعد استهداف 12 مخبزا”، وفقًا لـ"المركز الفلسطيني للإعلام".

ويواجه الفلسطينيون في قطاع غزة أزمة في الحصول على الخبز من المخابز، في ظل شح الطحين بالقطاع بسبب الحرب الإسرائيلية.

ويصطف المئات من سكان القطاع ساعات طويلة على أبواب المخابز، التي يعمل منها عدد قليل فقط، بعد إغلاق العديد منها بسبب انقطاع التيار الكهربائي والمياه، وعدم توفر الطحين.

ولا يسمح أصحاب المخابز للفرد الواحد بأكثر من كيلوجرام واحد من الخبز، حتى يتسنى إعطاء أكبر قدر من العائلات.

وبسياسة وحشية، يعزل الاحتلال مدينة غزة وشمالها، عن جنوب القطاع، الذي يعاني هو الآخر صعوبات متنوعة مع استمرار قصف الاحتلال لمزارع الدواجن والأراضي الزراعية والمزارعين.

كما يمنع الاحتلال توريد السلع الغذائية وكل الإمدادات الإنسانية، بما فيها الوقود، عبر معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد، ومعبر رفح المصري.

وقد حذر برنامج الأغذية العالمي من أن “أكثر من مليون شخص يعانون من الجوع في غزة، مع نفاد إمدادات الغذاء والمياه”.

وأشارت تقديرات منظمة “أوكسفام” الدولية، في وقت سابق إلى أنه تم تسليم نحو 2% فقط من الغذاء المطلوب لإطعام سكان غزة منذ 7 أكتوبر، وفقًا لـ"الجزيرة".

واستدركت المنظمة أن “الجميع تقريبًا يعانون الآن من انعدام الأمن الغذائي، ما يعني أنهم لا يعرفون على وجه اليقين من أين ستأتي وجبتهم التالية”.

 

وجبة واحدة في اليوم

يتحدث طفل فلسطيني ناجٍ عن آخر لحظاته برفقة عائلته قبل قصف الاحتلال لمنزلهم في خان يونس في قطاع غزة، قائلًا "كنا قاعدين بنتعشى (نتناول العشاء) ونزل الصاروخ علينا".

ويواصل بحرقة وآثار القصف بادية عليه "حضرنا الطاولة وأختي تحكي مع خالي وتبتسم، سمعت صوت الصاروخ وظننته على بيت ثاني (آخر)، أنا وضعت يدي على رأسي، وتشهدت؛ أشهد أن لا إله إلا الله..".

وجبة واحدة يوميًا قوامها الجبن والزعتر، هذا كل ما يستطيع الأطفال الفلسطينيون في قطاع غزة تناوله بفعل الحصار الخانق الذي أحكمته عليهم إسرائيل، بالتزامن مع قصفها المدمر على منازلهم.

تلك الحرب المستمرة منذ 34 يومًا تسببت بشح كبير في المواد الغذائية والمياه والطحين، ما ضاعف المعاناة الإنسانية التي يعيشها أصلًا سكان القطاع بفعل الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ 2006.

كل ما يحلم به الأطفال الفلسطينيون في قطاع غزة هو أن تنتهي الحرب الإسرائيلية المدمرة، وأن يعيشوا بسلام وأن يتوفر لهم الطعام والشراب دون معاناة.

قيادي بحماس: مياه الشرب في غزة مفقودة بنسبة 90% - الخليج الجديد

مياه مالحة وملوثة

يمشي الأطفال عشرات الكيلومترات على الأقدام أحيانًا في سبيل توفير القليل من الماء للشرب (رغم ملوحته)، في ظل ندرة المياه بعد أن قطعتها إسرائيل عن القطاع.

وتقول وزارة الصحة في قطاع غزة، إن سكانه يشربون مياها ملوثة، ما أدى لظهور حالات إسهال لدى الأطفال في مراكز الإيواء التي تضم آلاف الفلسطينيين.

يقول عبد اللطيف بكر (11 عامًا) للأناضول، "لا ماء لدينا ولا طعام، نعاني في الوصول إلى مياه الشرب، وحتى إذا حصلنا عليها نجدها مالحة".

وأضاف "نعدّ الخبز على الكرتون والقليل من الحطب، فلا يوجد غاز للطهي، لا يوجد شيء نأكله، (مسحوق) الزعتر، والدقة (دقيق القمح مضاف إليه بعض التوابل) فقط، ونأكل وجبة واحدة فقط يوميًا".

يشتهي هذا الطفل الفلسطيني أن يأكل طعامًا يحتوي على شيء من اللحم أو الدجاج، كما يتمنى أن تنتهي الحرب الإسرائيلية على القطاع.

يقول، "بيتنا تضرر بسبب القصف -الذي تنفذه المقاتلات الإسرائيلية يوميًا- أتمنى أن أعود للعب مع أصدقائي، لكن القصف والدمار وهدم البيوت في كل مكان".

وتفتقر عائلة عبد اللطيف بكر لأدنى مقومات الحياة، فلا ماء ولا غذاء ولا فراش لديهم، ولا تستطيع توفير الطعام والماء باستمرار، إذ نفدت أموالها.

ويقول مجدي الهسي (12 عاما) للأناضول، "الحياة صعبة بنلم (نجمع) الكراتين والحطب لنعمل (نعد) الخبز على النار".

وأضاف "الاحتلال الإسرائيلي دمرنا لا مياه ولا كهرباء ولا أكل (طعام)، نأكل الزعتر أو الجبنة، والشطة (الفلفل الحار المهروس) من قلة الأكل، فلا يوجد دجاج ولا لحوم، ونأكل مرة واحدة فقط في اليوم".

وتمنى مجدي أن "تنتهي الحرب ليتناول وجبته المفضلة، وهي السمك"، كما يقول، وأشار إلى أنهم "يقطعون مسافات طويلة للحصول على بعض المياه".

ويحلم الطفل مجدي أن تنتهي الحرب، وألا يخسر أحدًا من أصدقائه أو أحبابه، وأن يعود ليلعب ويأكل ما يشتهي.

الأردنيون يهبون لتلبية الواجب لكسر حصار تجويع غزة

مناشدات أممية

وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان على أن إسرائيل صعّدت في الساعات الأخيرة بشكل حاد من “حرب التجويع” كأداة للإخضاع.

وأشار مدير المرصد إلى أنه يعمل حاليًا على توثيق حالات لأطفال يعتقد الأطباء أنهم توفوا بسبب الجفاف الناجم عن الجوع الشديد.

ومن جهتها، دعت سيندي ماكين، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، إلى توسيع وصول المساعدات الإنسانية لغزة مع وصول الإمدادات الغذائية الحيوية إلى مستويات منخفضة بشكل خطير.

وأشارت ماكين إلى أنه في الوقت الحالي لا يعرف الآباء في غزة ما إذا كان بإمكانهم إطعام أطفالهم اليوم ولا يعرفون حتى إذا كانوا سيعيشون للغد.

ومن جانبها، قالت مديرة نشاط التمريض في منظمة أطباء بلا حدود، إن سكان قطاع غزة يموتون جوعًا، دون أدنى مبالغة.

وتذهب جميع المطالبات، لحد اللحظة، في مهب الريح، أمام شلل دولي عاجز عن تحرك بإدخال مساعدات عاجلة، غذائية وطبية.

 

صرخة للضمائر الحية

ودعا أطفال من قطاع غزة، أول أمس الثلاثاء، وباللغتين العربية والإنجليزية، العالم إلى وقف ما يتعرضون له من “تجويع وإبادة وتهجير” من جانب إسرائيل، مشددين على ضرورة محاكمة “القتلة”.

وجاءت هذه الدعوة، خلال مؤتمر صحفي عقده أطفال فلسطينيون، بحضور وسائل إعلام محلية، من أمام مستشفى الشفاء في غزة، الذي يتعرض محيطه لقصف إسرائيلي متكرر.

ومن جهته، اعتبر الناطق باسم الهلال الأحمر الفلسطيني، أحمد جبريل، أن إسرائيل تتبع “أسلوبًا ممنهجًا بالقتل؛ أما بالقصف بقنابل ضخمة، أو الأمراض، أو الجوع”.

وأكد الرئيس السابق لمكتب الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية، إياد نصر، أن تجويع المدنيين وعدم توفير المواد الأساسية المطلوبة يعد انتهاكًا جسيمًا لاتفاقية جنيف الرابعة، ويعتبر من ينخرط في هذا الإطار شريكًا وسيطاله العقاب طال الزمان أو قصر.

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قرر في 9 أكتوبر الماضي، فرض "حصار شامل" على غزة، معلنًا أن "لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود (سيصل للقطاع)"، وفق ما نقلته القناة 13 الإسرائيلية.