محت كارثة الفيضان في مدينة "درنة" أجزاء كبيرة من المدينة الليبية، حيث يقدر بعض المسؤولين مساحة المنطقة التي مُحيت بأنها ربع المدينة أو أكثر. وقالت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة إن 30 ألفًا على الأقل شُرّدوا.

ويظهر حجم الدمار واضحًا من المناطق المرتفعة فوق درنة. وأصبح وسط المدينة المكتظ بالسكان والمشيد على طول مجرى نهر موسمي على شكل هلال واسع ومسطح تغمره مياه موحلة بعدما جرفت السيول المباني، وفق رويترز.

وتضم مدينة درنة أكثر من 6 آلاف مبنى، تضرر منها 1500 مبنى بينها 891 منزلًا دُمّرت بالكامل و398 مبنى طُمرت بالوحل، بحسب إحصائية أولية أعدها الفريق المكلف من حكومة الوحدة الوطنية بحسب تقرير لوكالة "وال".

أعلن مسؤولون من السلطات في شرقي البلاد تقديرات مختلفة لعدد الضحايا. إذ تحدث وزير الصحة في حكومة شرق ليبيا، عثمان عبد الجليل، ليل الجمعة السبت، عن تسجيل 3166 قتيلًا.

وتم الإبلاغ عن مقتل أكثر من 11.300 شخص في درنة وفقًا للهلال الأحمر الليبي، وهي إحصائية أكدتها، السبت أيضًا، منظمة الصحة العالمية.

كما أعلنت منظمة الصحة العالمية في بيان، السبت، العثور على جثث 3958 شخصًا والتعرف على هوياتهم، وقالت إن "أكثر من 9 آلاف شخص في عداد المفقودين"، بدون أن تحدد مصدر هذه الأرقام.

وفي أكبر تقدير للحصيلة حتى الآن، قال رئيس بلدية درنة، عبد المنعم الغيثي، لقناة العربية إن عدد القتلى قد يتراوح بين 18 ألفًا و20 ألفًا بالنظر لعدد الأحياء التي ضربتها الكارثة.

والأربعاء، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية في الحكومة التابعة للسلطات في شرقي البلاد، طارق الخراز، إن هناك على الأقل 400 ضحية أجنبية "غالبيتهم من المصريين والسودانيين".

وتضرر 884 ألف شخص بشكل مباشر من الكارثة، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة.

تسببت العاصفة دانيال في وفيات . أرشيفية

ناجون من كارثة درنة

ويقول أحد الناجين من الكارثة، أحمد حسن، لوكالة "وال" إنه "كان نائمًا عندما سمع صوتًا قويًا اتضح فيما بعد أن صوت انهيار السد القريب من المدينة في حوالي الساعة 2:30 صباحًا، مؤكدًا وفاة معظم جيرانه في الحي الملاصق لنادي رياضي أصبح هو الآخر أثرًا بعد أن دمرته مياه الفيضان الجارفة".

وأشار إلى أنه تمكن من إنقاذ 11 من أطفاله وزوجته باللجوء إلى سطح العمارة التي يسكن فيها والمكونة من أربعة طوابق.

مصطفى سالم (39 عامًا) أحد سكان درنة قال لوكالة رويترز: "أغلب الناس كانوا نائمين. لم يكن أحد مستعدًا".

وذكر رجا ساسي (39 عامًا) للوكالة أنه نجا من السيول هو وزوجته وابنته الصغيرة بعد أن وصلت المياه إلى الطابق العلوي من المنزل، لكن بقية أفراد أسرته لقوا حتفهم.

وقال: "في البداية اعتقدنا أنها أمطار غزيرة ولكن في منتصف الليل سمعنا انفجارًا هائلًا وكان السد هو الذي ينفجر".

وذكرت صالحة أبو بكر، وهي محامية تبلغ من العمر 46 عامًا، أنها نجت مع شقيقتيها من الكارثة، لكن والدتهن لقيت حتفها. وأضافت أن المياه سرعان ما غمرت المبنى ووصلت إلى الطابق الثالث.

وأوضحت أن المياه اندفعت إلى شقتهم حتى بلغت السقف تقريبًا، ولمدة قالت إنها شعرت بأنها ثلاث ساعات تشبثت خلالها بقطعة أثاث حتى تظل طافية.

وقالت: "أستطيع السباحة، لكن عندما حاولتُ إنقاذ عائلتي لم أتمكن من فعل أي شيء".

وانحسرت مياه الفيضان وتمكنت مع شقيقتيها من مغادرة المبنى قبل وقت قصير من انهياره، لكن والدتهن كانت بداخله.

وقال ناج أصيب بجروح: "ارتفع منسوب المياه فجأة في غضون ثوان"، مشيرًا إلى أن المياه جرفته مع والدته عندما وقعت الفيضانات ليلًا قبل أن يتمكنا من التشبث بمبنى خال والاحتماء فيه.

وتابع الرجل الذي لم يتم التعريف عن هويته وفق الشهادة التي نشرها مركز بنغازي الطبي في حديث لوكالة فرانس "ارتفع منسوب المياه إلى أن وصلنا للطابق الرابع، كانت المياه بارتفاع الطابق الثاني".

وأضاف "سمعنا أشخاصًا يصرخون. رأيتُ من النافذة سيارات وجثثًا تجرفها المياه. استمر الوضع هكذا مدة ساعة أو ساعة ونصف ساعة بدت بالنسبة إلينا كأنها سنة".

الفياضانات دمرت مئات المنازل في درنة

سدود درنة

وبسبب مشكلة الفيضانات في حوض درنة منذ السبعينيات، توصلوا حينها إلى قرار بإنشاء سد وادي درنة، الذي يضم سدين من النوع الركامي "بو منصور" و"البلاد".

تم تشييد السد كاملًا بواسطة شركة "هيدرو بروجيكت" Hidroprojekt في يوغوسلافيا بتكليف من وزارة الزراعة في ليبيا.

جرى البناء على مدى أربعة سنوات من 1973 إلى عام 1977.

ويبلغ طول مساحة حوض درنة حوالي 70 كلم وبمساحة إجمالية تبلغ 570 كلم، بمتوسط عرض يبلغ ثمانية كلم، بحسب دراسة نشرتها جامعة سبها في عام 2022.

وتعرض حوض وسد درنة إلى خمسة فيضانات كبيرة في القرن العشرين، بحسب تقرير حول الأخطار المحتملة لفيضانات وادي درنة:

•    الأول، في أكتوبر من عام 1942، حدث فيضان ضخم، لا يتواجد توثيق للخسائر التي تسبب فيها بسبب الحرب العالمية الثانية.

•    الثاني، في أكتوبر من عام 1959، حدث فيضان ضخم تسبب في خسائر بالأرواح، ووصلت كميات الأمطار التي هطلت لنحو 146 ملم.

•    الثالث، في أكتوبر من عام 1968، وقع فيضان متوسط، لم يحدث الكثير من الأضرار.

•    الرابع، في نوفمبر من عام 1986، وقع فيضان ضخم بعد إنشاء السد ما تسبب في أضرار مادية، حيث تمكن من احتجاز مياه قُدّرت بـ13 مليون متر مكعب جراء هطول الأمطار.

•    الخامس، في سبتمبر من عام 2011، حيث وصلت المياه إلى مستويات مرتفعة في السدين.

وقال وكيل بلدية درنة، طارق سلامة، إن تأثير انهيار السدين على السيول والفيضانات التي حصلت كان كبيرًا، موضحًا في حديث لموقع "الحرة" أنه "منذ عام 2002 لم تتم صيانة السدود، وسبب الانهيار هو تجمع كميات كبيرة من مياه الأمطار".

وأضاف "أن جميع مجاري الأودية تتجمع في مجرى وادي درنة، وكانت المسافة الطولية للمياه في المجرى تقارب 12 كلم، مما أدى لانهيار السدين وتدفق المياه بكميات ضخمة وحصول الكارثة".

السدان اللذان انهارا كانت تظهر عليهما تشققات، منذ عام 1998، وفق ما أعلن المدعي العام الليبي، الصديق الصور، الذي فتح تحقيقا لكشف الملابسات.

وكانت شركة تركية قد باشرت أشغالًا بعد تأخير استمر سنوات، لكن الأشغال توقفت مع بدء الانتفاضة الليبية، في عام 2011، ومذاك الحين لم تُستأنَف.

الدمار الذي لحق بمدينة درنة

تحذيرات سابقة

وفي ورقة بحثية نشرت، في عام 2022، حذر عبد الونيس عاشور، الخبير في علوم المياه بجامعة عمر المختار، من أن تكرار السيول في الوادي يشكل تهديدًا لدرنة، ودلل على ذلك بوقوع خمسة سيول، منذ عام 1942، ودعا لاتخاذ خطوات عاجلة لضمان الصيانة الدورية للسدين.

وقال حينها إن "تكرار الفيضانات يهدد السدود المبنية في الوادي"، داعيًا إلى إجراء أعمال الصيانة بشكل فوري، مستطردًا أن حوض درنة له "تأثير واضح على المدينة التي يشطرها إلى نصفين وصولًا إلى البحر، ولهذا دراسة الجريان السطحي وخطورة الفيضانات أمر مهم لحماية المدينة ومرافقها الحيوية من الأخطار".

وكتب عاشور في بحثه الذي جاء بعنوان "تقدير عمق الجريان السطحي لحوض وادي درنة" أنه "إذا حدث فيضان ضخم، ستكون النتيجة كارثية على سكان الوادي والمدينة"، إضافة إلى ضرورة "إيجاد وسيلة لزيادة الغطاء النباتي بحيث لا يكون ضعيفًا ويسمح للتربة بالانجراف".

وفي تقرير كتبه المتخصص بعلم الهيدروجيولوجيا، عبدالجواد أبوبكر بوبيضه، في عام 2011، كان قد دعا إلى "تشكيل لجنة طوارئ دائمة للحماية من أخطار الفيضانات بوادي درنة"، والتأكيد على ضمان سلامة سد درنة وإجراء المعاينات، ومراقبة معدلات الهبوط السنوي للسد.

وشدد على أهمية "تنبيه الأشخاص والقاطنين على ضفتي الوادي بإخلاء هذه الأماكن وأخذ الاحتياطات اللازمة عند حدوث فيضانات مباغتة.