أفاد موقع "المونيتور" أن فرنسا تهدف إلى تعزيز وجودها كضامن وشريك أمني رئيسي في الخليج، في الوقت الذي تسعى فيه المملكة المتحدة أيضًا إلى تعزيز علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي.
وأوضح الموقع في تقرير كتبه "جوناثان فينتون هارفي" أن فرنسا ستستخدم التعاون العسكري ومبيعات الأسلحة كأدوات دبلوماسية لتعزيز نفوذها الإقليمي. في الآونة الأخيرة، انخرطت فرنسا وقطر في محادثات متقدمة حيث كانت باريس تأمل في الارتقاء بعلاقاتهما الثنائية إلى شراكة دفاعية، وفقًا لمصدر بوزارة الدفاع الفرنسية.
وأشار "المونيتور" إلى أن المحادثات الأخيرة استهدفت تعزيز الشراكة الاستراتيجية الفرنسية القطرية، القائمة على التعاون الدبلوماسي والتشغيلي والصناعي، بحسب المصدر الذي تحدث إلى رويترز الأسبوع الماضي.
ومع ذلك، مع قيام فرنسا ببيع 36 طائرة مقاتلة متعددة الأغراض من طراز رافال لقطر بعد الاتفاقات السابقة في 2015 و 2017، تأمل باريس في تزويد الدوحة بمزيد من المعدات الدفاعية.
ويأتي ذلك في أعقاب استضافة "إيمانويل ماكرون" لولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" في باريس في يونيو، للمرة الثانية في أقل من عام. والجدير بالذكر أن باريس أصبحت موردًا مهمًا للأسلحة إلى الرياض، حيث بلغت مبيعاتها نحو 856 مليون دولار في عام 2021، وفقًا لبيانات وزارة القوات المسلحة الفرنسية. 

 

مساعي دبلوماسية بريطانية
ووسط المساعي الدبلوماسية لباريس، تقوم المملكة المتحدة أيضًا بمهمة تعزيز علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي. في الأسبوع الماضي، وزار وزير الخارجية البريطاني "جيمس كليفرلي" في جولة استمرت ثلاثة أيام في الشرق الأوسط، وتوقف في قطر والكويت والأردن، بهدف توطيد العلاقات مع هؤلاء الحلفاء الإقليميين. 
بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تحرص المملكة المتحدة على تعزيز العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي، مع التركيز على التجارة كمحور رئيسي في زيارة "كليفرلي". كما أشادت وزارة الخارجية بلندن بالتجارة الثنائية مع قطر والكويت، والتي بلغت قيمتها 18.1 مليار جنيه إسترليني في عام 2022.
يأتي هذا الارتفاع في التدخل الفرنسي والبريطاني في الخليج في سياق فك ارتباط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، حيث تركز الإدارة الأمريكية بشكل أكبر على منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأوكرانيا. نتيجة لذلك، يسعى شركاؤها الخليجيون التقليديون إلى تنويع شراكاتهم خارج واشنطن، وبالتالي زيادة المنافسة على عقود الأسلحة والعلاقات الاقتصادية.
سعت فرنسا بشكل خاص إلى وضع نفسها كبديل للولايات المتحدة، مستخدمة ما يوصف غالبًا بدبلوماسية "الطريق الثالث"، حيث أصبحت مبيعات الأسلحة عنصرًا رئيسيًا بشكل متزايد في سياستها تجاه الخليج: في عام 2022، تجاوزت فرنسا روسيا لتصبح ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم لذلك العام، وفقًا لبيانات من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، بينما احتلت المملكة المتحدة المرتبة السادسة.

 

التركيز على قطر والسعودية
وقال "المونيتور"، إنه على الرغم من أن فرنسا رسّخت نفوذها تقليديًا حول الإمارات، حيث تمتلك قاعدة بحرية رئيسية، فإن محاولاتها الأخيرة لبناء شراكات مع قطر والسعودية تشير إلى نهج استراتيجي أكثر شمولاً في الخليج.
وإلى جانب مبيعات الأسلحة، تهدف فرنسا إلى تعزيز دورها كضامن للأمن في المنطقة، كما يتضح من شراكتها المتعمقة مع الإمارات. في فبراير 2022، أقامت باريس شراكة أمنية مع أبو ظبي، حيث قدمت المزيد من الدعم العسكري وحماية المجال الجوي بعد هجوم بالطائرات المُسيرة على الدولة الخليجية. 
وكما كتب "توبياس بورك"، وهو زميل باحث في معهد رويال يونايتد للخدمات، فإن لندن تعتبر نفسها تقليديًا "القوة الخارجية الثانية في الخليج ... مع وجود عسكري في المنطقة في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة". ومع ذلك، مع امتلاك كل من فرنسا والمملكة المتحدة وزنًا متساويًا نسبيًا على المستوى الإقليمي، تهدف تحركات باريس إلى وضع نفسها كشريك أوروبي رائد على المستوى الإقليمي.
من ناحية أخرى، أشارت المملكة المتحدة أيضًا إلى الأمن كدافع لمشاركتها في الخليج. في الواقع، يؤكد تحديث عام 2023 للمراجعة المتكاملة لحكومة المملكة المتحدة على الحاجة إلى دعم النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، ويدعو حلفاء واشنطن إلى "تكثيف مساهمتها الجماعية في تقاسم الأعباء في منطقة اليورو الأطلنطي وعبر النقاط الجيوسياسية الساخنة بما في ذلك الخليج".
وذكر "المونيتور" أن بريطانيا، التي تعد شريكًا مهمًا في مجال الأسلحة للسعودية، سعت إلى تعميق علاقاتها الأمنية مع الرياض. في ديسمبر 2022، عززت لندن علاقتها مع الرياض من خلال إقامة شراكة دفاعية تهدف إلى تعزيز "الأمن والاستقرار الإقليميين".
وبناءً على هذا الإطار، أسفر اجتماع لاحق بين وزيري الدفاع السعودي والبريطاني في مارس 2023 عن اتفاق لاستكشاف الجهود التعاونية في القدرات الجوية القتالية والمشاريع الصناعية المحتملة.
ولتعزيز وجودها في الشرق الأوسط، أعادت بريطانيا نشر أصولها، بما في ذلك نقل قاعدة عسكرية من كندا إلى عمان، بالإضافة إلى زيادة التدريبات العسكرية المشتركة مع مسقط. تدل هذه التحركات على التزام بريطانيا بتعزيز مشاركتها في المنطقة وتعزيز تعاونها الدفاعي مع الحلفاء الرئيسيين.
في حين أن هذا يمنح لندن إمكانات أكبر لإظهار القوة في الشرق الأوسط، فإن رغبات بريطانيا في تعزيز علاقاتها التجارية مع المنطقة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال على رأس أولوياتها؛ حيث تركز الكثير من هذا الخطاب حول تأمين اتفاقية تجارة حرة مع دول مجلس التعاون الخليجي، والتي من شأنها زيادة التجارة البريطانية الخليجية بنسبة  16  ٪ على الأقل وجعل لندن أول دولة تحصل على اتفاقية تجارة حرة مع الكتلة.

 

الميزة الدبلوماسية للمملكة المتحدة
وبالمقارنة، ضغطت حكومة "ماكرون" بوضوح من أجل رؤية دبلوماسية أكثر تماسكًا للمنطقة مقارنة بالمملكة المتحدة، والتي تهدف إلى حد كبير إلى تعزيز علاقاتها التجارية التقليدية ودعم النظام الإقليمي الذي تقوده الولايات المتحدة. هذه الخطوة قد تميز فرنسا عن المملكة المتحدة في تعزيز العلاقات مع الخليج، وخاصة السعودية والإمارات.
ومع ذلك، لا تزال فرنسا تواجه عقبات أمام دبلوماسيتها في مجال الأسلحة بسبب المنافسة الشديدة من القوى العالمية والإقليمية مثل الصين. 
على الرغم من الجهود الدبلوماسية الفردية، تعتمد كل من فرنسا والمملكة المتحدة على الشراكات مع الولايات المتحدة في الدوريات البحرية الإقليمية، كما هو الحال في مضيق هرمز. 
وختم "المونيتور": "منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وغياب سياسة خارجية موحدة للاتحاد الأوروبي في الخليج، سيتعين على باريس ولندن قبول دور أقل في المنطقة بينما تتنافس على الاستثمار الخليجي والعلاقات الاقتصادية ضد لاعبين عالميين وإقليميين آخرين في بيئة تنافسية بشكل متزايد".

 

https://www.al-monitor.com/originals/2023/08/france-uk-jostle-defense-influence-saudi-arabia-uae-qatar#ixzz89avB8xd1