لم تتوقف سلطات الانقلاب هذه المرة أمام مقبرة الشيخ محمد رفعت قيثارة السماء وقارئ القرآن الكريم الشهير بعدما سلمت أسرته قرار الهدم مع رفاته على حساب أسرته بخطاب من إدارة الجبانات بمحافظة القاهرة، بعدما أزالت المقابر وفي محيطها مقبرة رفعت بدعوى المنفعة العامة في جميع مناطق الجبانات الداخلة في الإزالة ضمن محور صلاح سالم!
وللمفارقة تحل ذكرى وفاة القارئ المصري الشيخ محمد رفعت في 9 مايو سنة 1950م، بعد إصابته بورم في الحنجرة.
وسبق للإدارة نفسها أن أزالت أو أصدرت قرارات بإزالة 2600 مقبرة لمصريين يقبعون فيها قبل عشرات السنين في منطقة الإمام الشافعي والسيدة نفيسة وطالت ضمنا رموز مصر منهم؛ الأديب طه حسين، والفنان فؤاد المهندس والشيخ محمد رفعت والأديب يحيى حقي والأخيرين لم يدركا أن ينقذا الرفات قبل النقل!
وكشفت حفيدة القارئ المصري الراحل محمد رفعت عن صدور قرار بإزالة ضريح جدها، وأوضحت هناء، أن أسرتها تلقَّت خطاباً من محافظة القاهرة بشأن الإزالة، "فوجئنا اليوم بوصول خطاب الإزالة من قبل المحافظة، وهذا أمر لا يليق بمكانة الشيخ محمد رفعت".
وقالت إن المقبرة تقع في مقابر السيدة نفيسة بالقاهرة ضمن المقابر التي تتم إزالتها لإنشاء محور صلاح سالم، وأنه ثمة مقابر تمت إزالتها من قبل حول مقبرة جدها، مشيرةً إلى أنها كانت تعتقد استثناء قبره من الإزالة.
ووصفت القارئ الراحل بأنه تاريخ وأنها استاءت من القرار الذي لا يليق بمكانته، مضيفة أنه كان في قائمة مقابر  أزيلت فعليا ولم يتم إزالة مقبرة الشيخ محمد رفعت واعتقدت إنهم استثنوا المقبرة من الإزالة"، معاقبة: "ده تاريخ.. ده تاريخنا".
ومن المفارقات أيضا أن "مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية"، قدم في ذكرى وفاته -رحمه الله- تعريفًا بالشيخ محمد رفعت التي وافقت أيضا 22 رجب، ضمن مشروعه التثقيفي "قدوة".


قيثارة السَّماء
ولقب الشيخ رفعت بـ"قيثارة السماء"، وهو لقب أطلقه عليه المحبون والمستمعون لوصف صوته العجيب، الروحاني، الملائكي.
ويعتبر الشيخ محمد رفعت رائد مدرسة التلاوة في العصر الحديث؛ حيث تأثر كثيرٌ من القراء بأدائه القوي، وصوته العذب الشَّجي، وسار كثيرون بعده على درب مدرسته العظيمة في تلاوة القرآن الكريم.
وولد الشيخ محمد رفعت بحي المغربلين بالقاهرة، في 9 مايو من عام 1882م، وفَقَدَ بصره في الثانية من عمره، وتوفي أبوه في سن التاسعة، وبدأ إحياء ليالي القرآن الكريم وهو في سن الرابعة عشرة.
وذاع صيت الشيخ رغم حداثة سِنِّه حتى إنه وقع الاختيار عليه ليكون قارئًا للسورة بمسجد فاضل باشا بحي السيدة زينب بالقاهرة وهو في الخامسة عشرة من عمره، وهناك بلغ من الشهرة ما بلغ، واتسعت شهرته حتى سمع به القاصي والداني، الأمر الذي أسهم في اختياره لافتتاح الإذاعة المصرية عام 1934م، وقد افتتحها بقول الحق سبحانه: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}.
وعندما طلبت منه الإذاعات أن يسجل لها بعض التلاوات مقابل المال توقَّف في قبوله؛ خوفًا من حرمة أخذ المال كأجر على تلاوة القرآن؛ ولكنه استفتى حينها شيخَ الأزهر الإمام المراغي، وأفتاه بالجواز.
وبعد حياة عاشها الشيخ في جوار القرآن وخدمته دفن بعدما مات بجوار مسجد السيدة نفيسة كما كان يرجو.
ووصفه القارئ الشيخ أبو العينين شعيشع بـ: «الصوت الباكي، كان يقرأ القرآن وهو يبكي، ودموعه على خديه»
وقال القارئ الشيخ محمد الصيفي: «رفعت لم يكن كبقية الأصوات تجري عليه أحكام الناس ... لقد كان هِبة من السماء".
وقال عنه شيخ الأزهر الأسبق الإمام محمد مصطفى المراغي: «هو منحة من الأقدار حين تهادن وتجود، بل وتكريم منها للإنسانية».
وقال عنه الشيخ محمد متولي الشعراوي: «إن أردنا أحكام التلاوة فالحصريّ، وإن أردنا حلاوة الصوت فعبد الباسط عبد الصمد، وإن أردنا الخشوع فهو المنشاوي، وإن أردنا النفَس الطويل مع العذوبة فمصطفى إسماعيل، وإن أردنا هؤلاء جميعًا فهو الشيخ محمد رفعت».


الكل مستهدف
وفي 15 فبراير 2022، قال تقرير صحيفة "التايمز "البريطانية إن قبور ملكات مصر وعلماء كبار والإمام الشافعي "لن ينجو لا الأحياء ولا الأموات في مقبرة القاهرة القديمة، التي تعد واحدة من أروع مقابر العالم؛ في ظل مواصلة السيسي لخططه الطموحة لإعادة بناء القاهرة على الشكل الذي يريده"!
أنا الفنان التشكيلي أحمد عز العرب فعلق على ما يررده البعض من أن "الحي أبقى من الميت" هو تهوين من شأن المقابر وقرار إزالتها العشوائي.
وعبر "تويتر" كتب "يغيب عن هؤلاء حقيقة ان بعض الاحياء  موتى ..جثث متحركة  أو دواب فاقدة الحس بينما بعض المتوفين يعيشون بافكارهم واعمالهم الآف السنين ..  طه حسين أصبح جزءا من عقل وضمير الانسانية باق مابقيت الحياة".
وانتهى المشهد بمقبرة "طه حسين" عميد الأدب العربي أسفل كوبري "ياسر رزق"، حيث أن مقبرته ومقابر آخرين ومقابر طمست يجثم على أنفاسها كوبري، تسمى على اسم صحفي، كل مؤهلاته، تسجيل أحلام الجنرال بالساعة الأوميجا والسيف الأحمر، مع تاريخ ممتد من نفاق الحكام، بحسب شرين عرفة.
وفي 29 نوفمبر الماضي أطلق ذوو الأموات استغاثات من ملاك المقابر الواقعة خلف مسجد السيدة نفيسة، بعد إبلاغ محافظة القاهرة لهم بنقل رفات أسرهم، وذلك للبدء في هدم المقابر من أجل إنشاء ميدان وحديقة ضمن توسعة مسار مزارات آل البيت!
إلا أن أسرة يحيى حقي وآخرين أيضا لم تسلم من نقل رفات والدها حيث أعلنت أنها نقلت مقبرته إلى مدينة العاشر من رمضان!