قرر وزراء الخارجية العرب، أمس الأحد، استئناف مشاركة وفود حكومة النظام السوري في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها اعتبارًا من اليوم 7 مايو الجاري.

جاء ذلك في مؤتمر صحفي مشترك عقده وزير الخارجية سامح شكري، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، في ختام الاجتماعات الثلاثة غير العادية لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري؛ لبحث تطورات الأوضاع في سوريا والسودان وفلسطين، بحسب وكالة الأنباء المصرية.

ووفق المصدر ذاته، أعلن شكري، وزير الخارجية رئيس الاجتماع الوزاري، أن "مجلس وزراء الخارجية العرب قرر استئناف مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية في اجتماعات الجامعة العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها، اعتبارًا من اليوم 7 مايو 2023".

ويأتي قرار الجامعة العربية بشأن سوريا قبل قمة عربية مقررة بالسعودية في 19 مايو الجاري، وفي ظل أنباء عن أن الرياض وجهت بالفعل دعوة إلى بشار الأسد للمشاركة فيها، وفق "الأناضول".

وكان دبلوماسي لم يكشف عن هويته أدلى بتصريح سابق لشبكة "سي إن إن" الإخبارية قائلا إنه إذا تمت الموافقة على عضوية سوريا، فمن المحتمل جدًا أن يترأس بشار الأسد، وفد بلاده خلال القمة العربية التي تحتضنها الرياض في يوم 19 مايو.

وفي 2011، جمّدت الجامعة العربية مقعد دمشق إثر قمع النظام السوري لاحتجاجات شعبية طالبت بتداول سلمي للسلطة، مما زج بالبلاد في حرب أهلية مدمرة.

 

عزلة 2011

في نوفمبر 2011، علقت جامعة الدول العربية (18 عضوًا من أصل 22) مشاركة سوريا في اجتماعاتها بعدما رفضت دمشق وضع حد لحملة القمع العنيف للاحتجاجات الشعبية التي بدأت في مارس 2011.

ورحبت بهذه الخطوة يومها الدول الغربية وتركيا، في حين انتقدتها روسيا وإيران والعراق ولبنان.

وفرضت الجامعة العربية على سوريا عقوبات اقتصادية، بما في ذلك تجميد المعاملات التجارية معها ووقف الرحلات الجوية منها وإليها.

وجاءت هذه العقوبات بعد أشهر من إجراءات اقتصادية أمريكية وأوروبية ضدّ قادة سوريين ومصالح اقتصادية سورية، فضلاً عن إدانات من جانب الأمم المتحدة.

في فبراير 2012، أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي "البحرين، الكويت، عمان، السعودية والإمارات" سحب سفرائها من سوريا.

في العام 2013، شغلت المعارضة السورية مقعد سوريا خلال قمة الجامعة العربية المنعقد بالدوحة.

 

مصالحات تدريجية

منذ نهاية العام 2018، أعادت دولة الإمارات فتح سفارتها في دمشق قبل أن تتبعها البحرين. كما زار الأسد الإمارات في مارس 2022، في أول رحلة له لدولة عربية منذ الحرب.

خلال استقباله الأسد في مارس 2023، اعتبر الرئيس الإماراتي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أنه حان الوقت كي تعود دمشق إلى الحاضنة العربية. في غضون ذلك، أجرى البلدان مناقشات بشأن استئناف تقديم خدماتهما القنصلية، وفقًا لـ"الحرة".

في 12 إبريل 2023، أعلنت سوريا وتونس نيتهما استئناف العلاقات الدبلوماسية. وكانت تونس قد عينت ممثلاً قنصليًا في دمشق منذ العام 2015.

من جهة أخرى، زار الأسد في فبراير 2023 سلطنة عُمان، للمرة الأولى خلال 12 عامًا من الحرب. وكانت السلطنة الدولة الخليجية الوحيدة التي حافظت على علاقات دبلوماسية رسمية مع سوريا.

في 12 إبريل 2023، أجرى وزير خارجية سوريا، فيصل المقداد، زيارة مفاجئة إلى السعودية، هي الأولى منذ بداية الحرب في بلاده. وفي 18 إبريل وصل وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إلى دمشق، في أول زيارة رسمية سعودية إلى سوريا منذ الحرب.

وكان وزراء خارجية سوريا ومصر والعراق والسعودية والأردن اجتمعوا في العاصمة الأردنية عمان، الاثنين الماضي، لمناقشة كيفية تطبيع العلاقات مع سوريا.

وبحسب بيان صدر عقب الاجتماع، وافقت سوريا على المساعدة في إنهاء تهريب المخدرات عبر حدودها مع العراق والأردن.

 

مكافأة لبشار

وعبّر معارضون سوريون عن استيائهم من اتجاه دول عربية بالتطبيع مع الأسد، معتبرين أن هذا النظام لا يزال "فاقدًا للسيادة" على الأراضي السورية.

وقال المحلل السياسي السوري المعارض، سامر خليوي، إن العودة للجامعة العربية "هي مكافأة للنظام وتشجع بقية الأنظمة الديكتاتورية لارتكاب مجازر والإفلات من العقاب".

وأضاف أن الشعب السوري "انتفض ولا يزال منتفضًا ولن يقبل إلا بتحقيق المطالب التي خرج من أجلها" في عام 2011، مشيرًا إلى أن إعادة سوريا للجامعة العربية "لن يغير من الأمر شيء".

وتابع: "المشكلة لا تزال قائمة لأن الأسد هو أساس المشكلة وليس جزءًا من الحل.. كل دولة (تطبع مع الأسد) لها مصلحة مع هذا النظام وهناك أنظمة ديكتاتورية عدوة للربيع العربي"، وفقًا لـ"الحرة".

في هذا الاتجاه، يرى المعارض السياسي السوري، سمير نشار، أن السعودية عقدت صفقة مع إيران تسمح لها بالخروج من حرب اليمن وجاء ذلك على حساب الملف السوري، في إشارة لاتفاق بكين لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران.

وقال لموقع "الحرة" إن المسارات السياسية في البلاد لم تنجز ولم يقدم النظام أدنى تنازل يتعلق بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الذين يزيد عددهم عن 100 ألف معتقل، بحسب نشار.

وأضاف أن "السعودية والدول المطبعة قفزت على القرار الأممي 2254 بعد الانعطافة الحادة في موقفها.. السوريون لا يشعرون بالأمان بوجود هذا النظام الذي يحاول الإفلات من العقاب والمساءلة".

ويعتقد محللون أن مسألة إعادة اللاجئين إلى سوريا "غير آمنة" بالنسبة لملايين الناس الذين يقيمون في دول الجوار على اعتبار أنهم قد يواجهون القتل أو الاعتقال.

وقال نشار إن الأسد لن يقبل بوجود لاجئين هم أساسًا معارضون لنظامه، مردفًا: "الأسد يستخدم قضية اللاجئين للضغط بهدف الحصول على أموال لإعادة الإعمار". وفي هذا الاتجاه، يعتقد خليوي أن اللاجئين "لا يستطيعون العودة مجددًا لأنهم يواجهون خطر التصفية أو الاعتقال".

وتابع: "إيران ليست جمعية خيرية تنقذ الأسد وتصرف الملايين عليه وترسل قوات ومليشيات للدفاع عن نظام ليأتي لاحقًا ليخرجها من البلاد بعد استثمار أكثر من 10 سنوات دفعت خلاله مليارات للحفاظ على الأسد وعائلته".

وكشف نشار المعارض السوري المقيم في إسطنبول عن تحركات لمعارضين سوريين خارج المنطقة الإقليمية.

وقال إن "هناك نقاشًا لعقد مؤتمر في الاتحاد الأوروبي بهدف تأسيس جسم معارض جديد يكون بعيًدا عن الوصاية الإقليمية ولا سيما التركية" بهدف تحقيق أهداف الثورة التي خرج السوريون إليها في عام 2011. بالإضافة إلى ذلك، يعمل معارضون على حشد تأييد الحزبين داخل الكونجرس الأمريكي لرفض إعادة نظام بشار الأسد للحضن العربي.

ولكن هل ستحقق الولايات المتحدة ما فشل العرب جميعهم في تحقيقه؟ وهل تكون حريصة على عودة المعارضة السورية إلى أرضها؟ وهل يهمها حقًا أن تكون هناك ديمقراطية حقيقية في سوريا أو أي بلد عربي، وهي في الحقيقة تسعى لاستدامة نظم الحكم الديكتاتورية طالما أن ذلك يصب في مصالحها ويحقق أهدافها؟