يواجه الجنيه تحديات كبيرة في مصر، يتمثل أهمها في هروب الاستثمارات الأجنبية والوطنية من البلاد، والضغوط المتزايدة لتنفيذ تعليمات صندوق النقد الدولي، ناهيك عن الموازنة بين تكاليف خفض قيمته، والانتقال إلى نظام سعر صرف مرن مقابل المخاطر الاقتصادية المحتملة من استمرار السوق الموازية.

وتصر حكومة الانقلاب على تحسين سيولة العملات الأجنبية في السوق قبل التحرك نحو سعر صرف مرن، وفق تقديرات بنك غولدمان ساكس، الذي أشار إلى ترقبه إحراز تقدم في بيع أصول الدولة (عبر برنامج الطروحات الحكومية) قبل إجراء أي تعديلات أخرى على سعر الصرف.

 

ضغوطات صندوق النقد

وأشار "غولدمان ساكس" إلى أن اتخاذ هذا الإجراء من شأنه أن يقلل من مخاطر تراجع سعر الصرف على نحو كبير والعواقب الاقتصادية السلبية المرتبطة به، مؤكدًا أن هذا الأمر يعتمد على مدى قدرة السلطات على المضي قُدمًا في برنامج الطروحات الحكومية على المدى القريب، وفقًا لـ"اقتصاد الشرق مع بلومبرج".

المزيد من التأخير على هذا الصعيد، سيجعل تجنب تعويم قاس للجنيه أمرًا أكثر صعوبة، وفق تقرير البنك الذي أعده فاروق سوسة محلل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "غولدمان ساكس"، مشيرًا إلى أن الضغط من صندوق النقد الدولي من المحتمل أن يؤثر على الانتقال إلى مزيد من المرونة في سوق العملة، إذ إن الانتهاء من المراجعة الأولى في إطار البرنامج الحالي مع الصندوق يعتمد جزئيًا على الأقل على حدوث التعويم.

ويرى الوكيل السابق لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية‎، عبد النبي عبد المطلب، أن حكومة الانقلاب "كانت تريد تكرار سيناريو برنامج الإصلاح الاقتصادي في عامي 2016 و2017، لكن واضح أن إدارة صندوق النقد الدولي هذه المرة مُتشدّدة، فضلًا عن أن هناك جزءًا غير مفهوم يتعلق بالسياسة التي انتهجها الأشقاء العرب سواء في السعودية أو الإمارات؛ فقد قرروا إرجاء تقديم المساعدات ووقف الاستثمارات في مصر منذ شهر أكتوبر الماضي".

وأردف: "كانت هناك أحاديث عن تدفقات استثمارية من الدول العربية في مقدمتها الإمارات والسعودية، إلا أنه اتضح لاحقًا أن التنفيذ يكتنفه بعض الصعوبات والمشاكل، وهذه الصعوبات ترجع إلى انتظار التقرير الربع السنوي الذي سوف يصدره صندوق النقد الدولي عن واقع وآفاق الاقتصاد المصري"، وفقًا لـ"عربي 21".

وتابع: "قدمت مصر تقريرها لصندوق النقد الدولي، لكن من الواضح أن الصندوق أرجأ مناقشة التقرير، وهذا يعني أن القاهرة لم تحوّل تعهداتها ووعودها إلى واقع على الأرض، ورغم ذلك لا يمكننا القول ما إن كان هناك تعثر في المفاوضات، بل هناك إرجاء وبطء في التنفيذ".

وعن مدى قدرة مصر على تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي، رأى عبد المطلب أن مصر ستنفذ الشروط والتعهدات المتبقية خلال الشهر الجاري أو المقبل، وستبدأ في ذلك قبيل وصول بعثة صندوق النقد الدولي في القاهرة.

 

هروب الاستثمارات الأجنبية والوطنية

ويؤكد غولدمان ساكس أن عدم تغيير الأوضاع الحالية سيؤدي إلى تحول تدفقات العملات الأجنبية بعيدًا عن السوق الرسمية، ويشمل ذلك تحويلات المصريين المغتربين في الخارج، كما أنه يشجع الممارسات السيئة مثل الإفراط في فوترة الواردات الصادرات بأقل من قيمتها، وفق التقرير، الذي أشار إلى أن سوق العملات الأجنبية الموازي المزدهرة تسير عادة جنبًا إلى جنب مع اقتصاد مواز مزدهر.

من التداعيات أيضًا، غياب تكافؤ الفرص في السوق، إذ إن صعوبة الوصول إلى عملات أجنبية عبر القنوات الرسمية سيسمح لبعض الفئات بالحصول عليها دون الآخرين، ما يشوه المشهد التنافسي، وفق التقرير.

أشار "غولدمان ساكس" إلى أن استمرار الوضع الحالي يثبط الاستثمار المحلي والأجنبي أيضًا. وقال: "كلما ازدادت أهمية السوق الموازية كمصدر للعملات الأجنبية للتجار، زاد احتمال أن يتم تحديد الأسعار المحلية بواسطة سعر السوق الموازي بدلًا من السعر الرسمي.. وهذا يعني ضياع ميزة محتملة تتمثل في الحفاظ على عملة قوية نسبيًا".

أضف إلى ذلك تعليق بعض الشركات الخليجية مؤخرًا استثماراتها في مصر، بسبب حالة عدم اليقين الموجودة في الاقتصاد؛ فلا أحد يستطيع حاليًا توقع سعر الصرف خلال العام المقبل أو حتى الأربعة أشهر القادمة.

وقبل أيام، علّق صندوق أبو ظبي السيادي "القابضة إيه دي كيو" (أداة الاستثمار الإماراتية الرئيسة في مصر) مشروعاته واستثماراته داخل مصر، وقررت الشركة المتحدة للإلكترونيات (إكسترا) السعودية وقف خططها التوسعية في مصر.

ومن أهم أسباب اتخاذ هذا القرار من هذه الشركات هو تخفيض التصنيف الائتماني لمصر من مستقر إلى سلبي، وهو ما كان له أثر كبير في أن تطلب هذه الاستثمارات بعض الوقت لدراسة الأوضاع الحالية والمستقبلية حتى تستطيع أن تأخذ قرارًا استثماريًا واضحًا وعادلًا.

 

خبير يتوقع موعد التعويم وسعر الدولار الجديد

وقبل عدة أيام، توقع عبد المطلب، أن التعويم قادم لا محالة وهذا أمر لا خلاف عليه، حسب وصفه، منوّهًا إلى أنّ “هذا التعويم سيكون إما خلال شهر مايو الجاري، أو خلال الأسبوع الأول من شهر، يونيو المقبل، على أقصى تقدير”، بحسب ما صرّح به في مقابلة خاصة مع موقع “عربي21“.

وعن توقعاته لسعر الجنيه أمام الدولار بعد عملية التعويم المرتقبة، قال الوكيل السابق لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية‎ المصرية، إنه يرى أن الدولار سيرتفع إلى ما يزيد كثيرًا عن المستوى الذي توقّعته بعض التقارير الدولية عند 34 جنيهًا.

وأضاف: “أنا في اعتقادي أنه قد يصل إلى 40 جنيهًا لكل دولار، بينما أتمنى أن يكون لدى الحكومة برنامج يمنع الوصول لهذا المستوى”.

وأوضح أن حكومة الانقلاب "لديها تخوف كبير جدًا من الآثار الضارة المحتملة لهذا التعويم على حياة المواطن، خاصة بالنسبة للطبقات الأكثر فقرًا، وذلك في ظل موجات متسارعة من ارتفاعات الأسعار التي شهدتها مصر خلال العام الماضي؛ حيث ارتفعت أسعار غالبية السلع والخدمات بنسب تتراوح ما بين 40% و150%".