كثرت التوقعات خلال الشهرين الأخيرين بشأن التخفيض المتوقع في سعر الجنيه مقابل الدولار في السوق الرسمية من قبل مؤسسات دولية، أو التعويم الرابع للجنيه كما يطلق عليه البعض، على الرغم من الهدوء الذي يسيطر على حركة سعر الدولار في البنوك.

وتراجع سعر الجنيه بنحو 50% منذ مارس من العام الماضي وتم تداوله عند 30.9 في نهاية تعاملات الأسبوع الماضي.

وتشير عدد من الشركات الأمريكية والعالمية في وول ستريت، إلى أن تخفيض قيمة الجنيه أصبح وشيكا في مصر التي تواجه طلبًا متزايدًا على الدولار.

 

أكثر من تخفيض قادم

ومن جانبه، اتفق الخبير الاقتصادي، كريم سلام، مع توقعات "بلومبيرج" بشأن اقتراب موعد انخفاض جديد للجنيه خلال مارس الجاري، كما توقع حدوث تخفيض آخر خلال الثلاث أشهر المقبلة أيضًا.

وتوقع أن يتجاوز سعر صرف الجنيه بعد التعويم المقبل حاجز الـ35 جنيهًا لكل دولار، وفقًا لموقع "الحرة". 

وقال الخبير الاقتصادي إن تعويم الجنيه سيتكرر طالما لم تحدث قرارات اقتصادية سليمة. وتوقع أن "ينخفض الجنيه مباشرة ليصل الدولار إلى 37 جنيها بنهاية يونيو القادم، وقد يتعداها".

 

وأبدى سلام تشاؤمًا في نظرته المستقبلية للأزمة الاقتصادية في مصر، وتوقع أن تتجاوز قيمة الدولار 50 جنيهًا بنهاية العام الجاري، وشكك في أن تكون لدى إدارة السياسات النقدية المصرية القدرة على إصلاح الوضع قريبًا.

وتحدث عن أسباب تكرار خفض قيمة الجنيه، موضحًا أن مصر تحتاج إلى ما يقرب من 8.5 مليارات دولار لتسديد أقساط وفوائد الديون الخارجية حتى نهاية يونيو المقبل، وليس لديها مصادر دخل بالعملة الأجنبية تكفي تسدي هذه الديون، وفي الوقت نفسه يزداد الطلب على الواردات التي تستهلك العملة الأجنبية المتوفرة في مصر.

 

توافر السيولة النقدية بالعملة الصعبة

يكمن الدافع الأساسي وراء تأخر انخفاض الجنيه هو أن الحكومة تنتظر توافر السيولة النقدية بالعملة الصعبة، والتوقيت المناسب لتحقيق التعويم، بما يضمن سعر صرف مرن قادر على مواجهة سعر الدولار في السوق الموازية وتقليل الفجوة مع أسعار العقود الآجلة غير القابلة للتسليم والتي تخطت منذ أيام مستويات الـ 44 جنيه للدولار الواحد.

بيد أن أحد أهم الأسباب الأخرى التي لم تشجع البنك المركزي المصري على تخفيض الجنيه هو انتظار ما ستسفر عنه الطروحات الحكومية، إذ من المتوقع أن توفر عمليات بيع الأصول المملوكة للدولة سيولة دولارية من شأنها أن توفر استقرارًا بالأسواق بعد تخفيض الجنيه. ويستبعد "جولدمان ساكس (NYSE:GS)" أن يلجأ البنك المركزي إلى أي تحرك لخفض قيمة الجنيه مقابل الدولار، قبل أن تحقق الحكومة تقدما ملحوظا في ملف بيع الأصول، وفقًا لـ"investing".

وتستهدف مصر جمع ملياري دولار العام المالي الحالي ونحو 4.6 مليار دولار في العام المالي المقبل، لكن التقدم المُحرز بطيء ويعرقله توقعات مزيد من خفض الجنيه، وهناك مؤشرات على إعاقة المصالح المتضاربة لعمليات بيع الأصول.

وأوضح تقرير لـ جولدمان ساكس بعنوان: بعنوان "آفاق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: مخاطر السوق الموازية للجنيه المصري"، أن حكومة الانقلاب تعتبر تحسين مستوى سيولة العملات الأجنبية شرطًا مسبقًا للتحرك نحو مرونة أكبر في سوق العملات.

"لذلك تتطلع (الحكومة) إلى إحراز تقدم في بيع الأصول قبل إجراء أي تعديلات أخرى على جانب سعر الصرف، وهذا من شأنه أن يقلل من المخاطر وتجاوز العديد والعواقب الاقتصادية السلبية المرتبطة بها"، بحسب جولدن مان ساكس، وفقًا لـ"العقارية".

وبحسب تقرير جولدمان ساكس، "بينما نتعاطف مع هذا الموقف بربط الحكومة المصرية اتباع سعر صرف أكثر مرونة بوجود تدفقات من النقد الأجنبي، فإن ذلك في النهاية يعتمد على قدرة السلطات على المضي قدمًا في مبيعات الأصول في المدى القريب".

 

عدم جدوى المزيد من التخفيضات

وفي هذا الإطار أيضًا أشار بنك جولدمان ساكس إلى أن أسباب عدم اتجاه الحكومة المصرية تطبيق سعر صرف أكثر مرونة خلال الأسابيع الأخيرة يرجع إلى عدم جدوى المزيد من التخفيضات في حل الاختلالات الخارجية مع انخفاض قيمة الجنيه بالفعل، كما أن الفائدة على المدى القريب المتمثلة في نمو الصادرات من انخفاض قيمة العملات الأجنبية أمر مشكوك فيه.

وأشار البنك أيضًا إلى أن عدم تخفيض الجنيه يرجع إلى خطر الدخول في دوامة التضخم وخفض العملة، إذ من المتوقع أن يفاقم حدوث المزيد من الضعف في أسعار الصرف الضغوط التضخمية المرتفعة بالفعل، وهو في حد ذاته أمر غير مرغوب فيه لصانعي السياسة المصريين.

وتابع البنك: "لم ترغب السلطات المالية في مصر إلى الانتقال لسعر صرف مرن لأن سعر الجنيه مقوم بأقل من قيمته بالفعل. حيث أدت التخفيضات المتعددة لقيمة العملة على مدار العام الماضي إلى ترك الجنيه أقل بنسبة 25% تقريبًا من "القيمة العادلة" على المدى الطويل على أساس فوري، كما هو مقتبس من متوسط سعر الصرف الفعلي الحقيقي لمدة 10 سنوات (REER).

 

هل تخفيض الجنيه ضروري؟

تشير تقارير اقتصادية عدة إلى أن انخفاض الجنيه قادم لا محالة، ويرجع ذلك إلى استمرار أزمة شح الدولار، بجانب حاجة الحكومة إلى السيولة لسد العجز المزمن بين الصادرات والواردات. بالإضافة إلى اتساع الفجوة بين السعر الرسمي والسعر بالسوق الموازي وبالعقود الآجلة غير القابلة للتسليم. فضلًا عن عطاءات سندات الخزانة الأخيرة وتدني الحصيلة وكذلك الارتفاع القياسي لأسعار الذهب وسعر سهم البنك التجاري الدولي (EGX:COMI) في البورصة المصرية مقارنة بسعر شهادات الإيداع ببورصة لندن. بجانب أيضًا طلب صندوق النقد سعر صرف مرن يخضع للعرض والطلب.

كل الأسباب السابق ذكرها تشير إلى أن انخفاض الجنيه بات ضروريًا، ولكن السؤال هو متى يحدث هذا الانخفاض، إذ أن اختيار التوقيت المناسب عامل حاسم في تحقيق الاستفادة المرجوة من تخفيض الجنيه، وهو ما يفسر عدم لجوء السلطات المالية في مصر إلى تخفيض عملتها الفترة الماضية.

وكان مدير صندوق النقد الدولي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى جهاد أزعور قد أكد في تصريحات حديثة أن "مرونة سعر الصرف هي أفضل طريقة لمصر لحماية اقتصادها من الصدمات الخارجية".

وفي هذا الشأن، تتوقع وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني أن يصل انخفاض قيمة الجنيه المصري إلى حوالي 53% بنهاية السنة المالية الحالية حتى 30 يونيو 2023، مقارنةً بسعر الصرف قبل 12 شهرًا.

وتشير الوكالة إلى أن التأخر في تطبيق سعر الصرف المرن والإصلاحات الهيكلية زاد من الضغط على الجنيه، والمخاطر الاقتصادية، التي تظهر في التخفيضات الحادة بقيمة العملة، وارتفاع التضخم وأسعار الفائدة، بما أدى إلى تخفيض نظرتها إلى مصر من مستقرة إلى سلبية، مع وجود مخاوف من خطر اضطرابات داخلية.

فيما أكدت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني إن الاستراتيجية التي تتبعها مصر في بيع الأصول تسير بوتيرة أبطأ من التوقعات ما يؤثر سلبًا على سيولة العملات الأجنبية ويفاقم أزمة شح الدولار.

أكدت الوكالة في تقريرها أن هذا البطء في عملية بيع الأصول المملوكة للدولة يزيد من ضغوط انخفاض الجنيه، بجانب المخاطر السلبية المتعلقة بالقدرة على سداد الديون.

وأضافت أن السحب من السيولة الأجنبية، كما يشير مركز صافي الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي، استمر في يناير وفبراير، بعدما كان قد توقف في نهاية 2022.

وبحسب برنامج مصر مع صندوق النقد فإن بيع الأصول هو القناة الرئيسة التي تأمل الحكومة من خلالها سد النقص في السيولة الأجنبية.

 

توقعات الجنيه والاقتصاد

توقع اقتصاديين استطلعت آراؤهم "رويترز" أن ينخفض الجنيه المصري إلى 34 للدولار بحلول نهاية ديسمبر 2023، وإلى 35 بنهاية ديسمبر 2024 و35.07 بعد ذلك بعام.

ووجد الاستطلاع أن من المتوقع أن يرتفع سعر العائد على الإقراض لليلة واحدة البالغ 19.25%، إلى 19.75% بحلول نهاية يونيو قبل أن ينخفض إلى 18.25% في العام التالي و13.75% في العام اللاحق.

وأظهر الاستطلاع أن الاقتصاد المصري سينمو 4% في السنة المالية الحالية و4.5% في السنة المقبلة، حتى مع تجشم البلاد خفضا مستمرا لقيمة عملتها، وهو ما يتماشى مع توقعات الحكومة للعام الحالي.

وتوقع الاستطلاع أن يبلغ متوسط التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن 24% في 2022-2023 و20.9% في السنة التالية قبل أن ينخفض إلى 9.3% في 2024-2025. وسيكون ذلك أعلى من النطاق المستهدف للبنك المركزي البالغ 5-9%بحلول الربع الرابع من عام 2024 و3-7% بحلول الربع الرابع من عام 2026.