أوضحت مجلة "فورين" بوليسي" الأمريكية أن الصراع طويل الأمد على السلطة بين "عبد الفتاح البرهان" و"محمد حمدان دقلو" يدفع البلاد إلى الغرق في حرب أهلية.
وقالت في تقرير للكاتب "نوسموت جباداموسى": "كان الخبراء يخشون منذ فترة طويلة اندلاع أعمال عنف بين القوات الموالية للحاكم العسكري الفعلي للسودان الجنرال "عبد الفتاح البرهان" ونائبه الجنرال "محمد حمدان دقلو"، المعروف باسم "حميدتي"، وهو أمير حرب سابق يحكم قوات الدعم السريع شبه العسكرية".

وقال ثلاثة أشخاص في العاصمة الخرطوم لمجلة "فورين بوليسي"، إنهم كانوا يحتمون في بيوتهم خلال يوم الأحد أثناء انقطاع التيار الكهربائي بينما استمرت أصوات إطلاق النار والغارات الجوية في بعض أجزاء المدينة، شملت ضربات مباشرة على طائرات مدنية في مطار العاصمة الدولي. وتشير تقارير محلية، إلى أن الاشتباكات امتدت إلى حدود الدولة مع إريتريا وإثيوبيا.
هذا التنافس الشخصي هو على اتفاقية إطار تم توقيعها في 5 ديسمبر، والتي دعت إلى ضم قوات الدعم السريع في الجيش. وتريد القوات المسلحة السودانية، أن تستغرق العملية عامين، بينما تريد قوات الدعم السريع أن تستغرق 10 سنوات. 

 

لا مكان للجنرالين 
وكان من المقرر أصلاً التوصل إلى اتفاق نهائي بحلول 1 أبريل، بهدف تشكيل حكومة مدنية جديدة بحلول 11 أبريل، لكن القادة اختلفوا مرارًا على الشروط.
وأضافت "فورين بوليسي" أنه كانت هناك خلافات حول رفع رتبة "حميدتي" لتتساوى مع رتبة "البرهان" داخل الجيش، الأمر الذي أثار قلق الإسلاميين في السودان، الذين بدأ "البرهان" في دمجهم تكتيكيًا في الحكومة السودانية.

وقال المحامي السوداني "أحمد الجيلي": "اعتقد "حميدتي" أنه بإمكانه رشوة [مجلس السيادة الانتقالي] وشق طريقه إلى السلطة إذا كان يدعم الانتقال. وحتى في هذه الأزمة، كان يقدم نفسه على أنه ضحية بسبب دعمه لعملية الانتقال".
وقالت قوات الدعم السريع، إنها "اضطرت إلى الرد بشكل مناسب بعد الهجوم غير المبرر للقوات المسلحة السودانية على معسكرنا في سوبا". 
ولفتت "فورين بوليسي" إلى أن اللغة الحارقة من كلا المعسكرين تشير إلى أن العنف لن ينتهي قريبًا على الرغم من أن عدد مقاتلي الجيش السوداني من 120 ألف إلى 200 ألف يفوق عدد قوات الدعم السريع التي تقدر بـ 30 ألف إلى 100 ألف. 

وقال "حميدتي" للجزيرة، إن "البرهان" إما سيقدم للعدالة أو سيموت كالكلب. وبدوره، أمر "البرهان" بحل قوات الدعم السريع، التي يسميها "جماعة متمردة".
وضع جيش موحد تحت سلطة مدنية هو مطلب رئيسي للجماعات المؤيدة للديمقراطية. لكن العديد من المراقبين السياسيين السودانيين يقولون، إن العملية تم التعجيل بها من وسطاء دوليين حريصين على توقيع اتفاق، ما أدى إلى تصعيد التوترات. وبالنسبة للجماعات السودانية المؤيدة للديمقراطية، أضفى وسطاء الولايات المتحدة والأمم المتحدة الشرعية على حكم الجيش وسمحوا لـ "رجال مسلحين" بالتفاوض بشأن المستقبل الديمقراطي للبلاد. 

وأضاف "الجيلي": "في سيناريو ما بعد الحرب، لا مكان لهذين الشخصين في مستقبل السودان السياسي أو العسكري".

 

جنرالان طموحان يتصرفان بسوء نية

كما أفاد الصحفيان "كولوم لينش" و"روبي جرامر" من "فورين بوليسي" في عام 2021، أن الجنرالان السودانيان في الماضي أظهرا القليل من الاحترام لمبعوثي الولايات المتحدة، حيث تحركا على انقلابهم العسكري في غضون ساعات من اجتماع المبعوث الإقليمي آنذاك "جيفري فيلتمان" مع "البرهان".
ويجادل العديد من المحللين بأن إدارة بايدن بحاجة إلى إعادة تفكير جذري في كيفية التوسط من أجل السلام في السودان.
وقالت "خلود خير"، الشريك الإداري في إنسايت ستراتيجي بارتنرز، وهي مؤسسة فكرية مقرها الخرطوم: "هذان الجنرالان ليسا إصلاحيان يمكن الاعتماد عليهما للدخول في انتقال ديمقراطي مدني. إنهما جنرالان طموحان تمامًا ويتصرفان بسوء نية، وبالتالي فإن أنواع الأساليب المطلوبة ستكون مختلفة تمامًا عن تلك التي تم استخدامها حتى الآن".
قال وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" يوم السبت، إنه تشاور مع وزيري الخارجية الإماراتي والسعودي، اللذين توصلا إلى إجماع على أنه ينبغي للجنرالان "إنهاء الأعمال العدائية على الفور دون شرط مسبق". 

وأعلنت الهيئة الحكومية الدولية للتنمية، وهي كتلة إقليمية من ثماني دول والسودان عضو فيها، أنها سترسل رؤساء كينيا وجيبوتي وجنوب السودان للتوسط.
وأضافت "خير": "روسيا حاولت إقناع القوات المسلحة السودانية بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، لكن القوات المسلحة السودانية رفضت، ومن الواضح أن هذه معركة حتى الموت بين "البرهان" و"حمديتي"، وهو أمر خطير للغاية على الجميع"، مشيرة إلى أن مصر يمكن أن تنجر إلى الصراع الذي من شأنه زعزعة استقرار المنطقة؛ حيث نشرت قوات الدعم السريع مقطع فيديو للقوات المصرية الأسيرة وهي تجري مناورات في السودان.
ويشتبه مراقبون سياسيون في استهدافهم بسبب دعم مصر "للبرهان" والجيش السوداني.

 

مأزق سياسي

في نهاية المطاف، يعاني الشعب السوداني من مأزق سياسي مدجج بالسلاح. وبحسب ما ورد، فإن قوات الدعم السريع تنهب المباني بينما يواصل الجيش السوداني قتل المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية مع الإفلات من العقاب. كما ارتفعت أسعار الخبز والوقود بشكل كبير. 
وقال "حميد خلف الله"، محلل السياسات في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط في الخرطوم، إن الوسطاء الدوليين بحاجة إلى "العمل بحزم على التأكد من أن المناقشات الأمنية وإنهاء الصراع لا يؤديان إلى المساومة على تطلعات الشعب السوداني الديمقراطية... ولن نحقق الأمن أبدًا بدون ديمقراطية وقد رأينا ذلك مرارًا".
ويحذر محللون سودانيون من أن البلاد تتجه الآن نحو حرب أهلية شاملة؛ حيث يسيطر جيش "البرهان" على حوالي 250 شركة حيوية في الاقتصاد السوداني. وفي غضون ذلك، تنبع ثروة "حميدتي" من مناجم الذهب في البلاد، ويُنظر إليه على أنه مدعوم من روسيا. 
وختمت "فورين بوليسي" قائلة: "ومع تصاعد الموقف، قد تكون الدبلوماسية رفيعة المستوى التي تشمل الدول العربية الرئيسية هي المخرج الوحيد".

https://foreignpolicy.com/2023/04/19/sudan-conflict-generals-burhan-hamdan-hemeti-rsf/