أعلن البنك المركزي، عن عمليات دخول مستثمرين أجانب للسوق المصرية بمبالغ تخطت الـ925 مليون دولار أمريكي، في عودة جديدة للأموال الساخنة بعد نحو 11 شهرًا من هروبها من السوق المصرية بعد رفع الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة العام الماضي 6 مرات.

ووفقا لـ"فرانس برس"، يرى مراقبون، أن عودة التدفقات الأجنبية إلى سوق الصرف المحلية جاءت عقب التخفيض الأخير لقيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية، الشهر الجاري، ومواصلة الجنيه سلسلة تراجعاته البالغة 70% في نحو 10 أشهر.

وشهد سعر الصرف في مصر استقرار العملة المحلية أمام الدولار، بعد انهيارات ثلاثة شهدها العام الماضي ومطلع العام الحالي، حيث تراجع الدولار رسميًا من 32 جنيهًا مقابل الجنيه، إلى نحو 29.9 جنيه للدولار، بعد وصول تدفقات دولارية خليجية لشراء سندات مصرية.

 

مخاطر الأموال الساخنة

ويرى الخبير الاقتصادي، عبد الحافظ الصاوي، أن أزمة التمويل التي تعيشها مصر منذ فترة تجعل صانع السياسة الاقتصادية يعمل خلال الفترة القادمة على إيجاد حلول جذرية، تسعى إلى ردم الفجوة الدولارية لتعاملات مصر الاقتصادية مع العالم الخارجي.

ويتناول الصاوي في مقال بعنوان " مع تهاوي الجنيه وتفاقم الديون.. هل تلجأ مصر للأموال الساخنة مجددا؟" أهم المخاطر التي ستترتب على عودة حكومة الانقلاب مرة أخرى للأموال الساخنة، وتتلخص هذه المخاطر في الآتي:

  • استمرار وضع الاقتصاد، وخاصة سعر الصرف واحتياطي النقد الأجنبي، تحت ضغط حركة هذه الأموال التي تبحث عن أي زيادة في سعر الفائدة في العالم وتتجه إليه، وقد حدث ذلك عندما ارتفعت أسعار الفائدة في تركيا ونيجيريا والأرجنتين، حيث خرجت تلك الأموال من مصر آنذاك واتجهت لهذه الدول. وبحسب تصريحات وزير المالية، فإن مصر عانت من خروج الأموال الساخنة من مصر 3 مرات.
  • استمرار استخدام الحكومة هذه الأموال في المحافظة على استقرار سعر الصرف أو تأمين احتياطي النقد الأجنبي، يجعل تلك المؤشرات غير معبرة عن حقيقة أداء الاقتصاد المصري، لأن الأصل أن يكون استقرار سعر الصرف أو تأمين احتياطي النقد الأجنبي من موارد ذاتية، وليس من ديون، وخاصة من ديون الأموال الساخنة.
  • هذه الأموال تزيد من أعباء المديونية العامة لمصر لفترات طويلة، وتربك وضع الموازنة العامة للدولة، حيث إن فاتورة فوائد الديون تشكل مكونات الإنفاق العام، وقد بلغت قيمتها في موازنة العام المالي 2022-2023 نحو 690 مليار جنيه (23.24 مليار دولار)، وبلا شك فإن هذه القيمة ستزيد في ظل توسّع حكومة الانقلاب في المديونية خلال العام.
  • الحكومة تلجأ لاستخدام الأموال الساخنة، وكذلك باقي الديون، دون أن تقدّم رؤية أو برنامجًا حول التخلص من تلك الأموال وهذه الديون، ليكون هناك متسع في الموازنة العامة للدولة للإنفاق على التعليم والصحة والبنية الأساسية، وبذلك تكون الحكومة حولت الأدوات الاستثنائية إلى أدوات دائمة لا يمكن التخلي عنها، على الرغم مما تكبده الديون للموازنة من فوائد باهظة.
  • تجبر هذه الأموال صانع السياسة المالية على تبني أسعار فائدة عالية على الأذونات، وبالتالي على سعر الفائدة السائد في السوق أيضًا، وهو ما لا يتناسب مع وضع الاقتصاد المصري الذي يحتاج بشدة إلى خفض سعر الفائدة، لتأمين تمويل أقل تكلفة للاستثمار والإنتاج.
  • استمرار سعر الفائدة المرتفع على أذونات الخزانة التي تستوعب الأموال الساخنة، يشجع المستثمرين المحليين على ترك الأنشطة الإنتاجية والخدمية، والتوجّه لوضع أموالهم في هذا النوع من الاستثمارات، لما يضمن لهم من عوائد مرتفعة ومضمونة دون مخاطرة. ومن هنا تزيد تبعية الاقتصاد المصري للخارج.
  • تمثل الأموال الساخنة أحد روافد خروج النقد الأجنبي من مصر، ففي نهاية كل فترة -ربع سنوية أو كل عام- يعمل أصحاب هذه الأموال على خروج أرباحهم من مصر لمصادرها الأصيلة، ويكون ذلك بالعملات الأجنبية.

وقد رصد ميزان المدفوعات المصري لعام 2021-2022 مدفوعات الاستثمار للخارج بنحو16.8 دولار، وتتضمن بندين هما: الأرباح المتحققة على الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، والفوائد والتوزيعات المدفوعة على استثمارات غير المقيمين في السندات والأوراق المالية.

 

أهم البديل للأموال الساخنة

ويتناول الخبير الاقتصادي بعض البدائل المهمة التي يجب على حكومة الانقلاب التقيد والالتزام بها إذا كان هناك ثمة ضرورة قصوى لحكومة الانقلاب للجوء للأموال الساخنة، ويؤكد على ضرورة الالتزام بالأجل القصير، وبما لا يزيد على عام، ثم يكون البديل هو تضييق فجوة الطلب على الدولار، وفق آلية اقتصادية مدروسة.

ويقترح الصاوي ضرورة التزام حكومة الانقلاب بالبدائل الآتية:

  • تقديم المكونات ومواد الخام المحلية للصناعة الوطنية، وعدم استيراد مثيلتها من الخارج.
  • وقف مسار خصخصة الشركات العامة، والعمل على إصلاحها لتكون رافدا مهما لإنتاج السلع للسوق المصري.
  • تبني مجموعة من المشروعات لاستيعاب المدخرات غير الرسمية التي تُهدر في المضاربات على العقارات أو سعر الصرف أو البورصة، أو عمليات توظيف الأموال غير القانونية، على أن تكون هذه المشروعات في شكل شركات مساهمة، ويكون للمؤسسات العامة من البنوك وشركات التأمين وغيرها حصة بحدود 30%، لضمان حسن تنفيذ هذه المشروعات، وحتى يطمئن الأفراد لشراء أسهم هذه المشروعات.