استنكر وزير الاستثمار الأسبق يحيى حامد، سياسات قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي الاقتصادية التي وضعت مصر على حافة الهاوية.
وأشار "حامد"، في المقال الذي نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، أنه تنبأ بهذه الفترة قائلًا: "في عام 2019، كتبت أنه بالنظر إلى المسار الحالي، ستواجه مصر الإفلاس وفشل قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية لمواطنيها قريبًا".
وتابع: "وقد اعترض على هذا الرأي من اعتقد أن مصر تمر بتطور كبير؛ حيث تواصل صناديق التحوط الأجنبية الاستثمار في أدوات الحكومة المصرية ولازال صندوق النقد الدولي مستمر في تقديم دعم غير مشروط بشكل أساسي".
في الأشهر الثلاثة الماضية، انخفضت قيمة الجنيه المصري للنصف كما أن العملة الأجنبية غير متوفرة لمعظم المستوردين، وتكاليف المعيشة آخذة في الارتفاع. وتشير التقديرات إلى أن التضخم وصل عند مستوى غير مستدام ليبلغ 88 في المائة.
وعن آلية الاقتراض، أشار حامد إلى أن مصر تقترض لتنجو، والطريقة الوحيدة للوفاء بالتزامات الديون هي الاقتراض أكثر.
وحتى في ظل القيود التي يخضع لها البرلمان المصري، من الواضح أن الخدعة لم تعد تُجدي نفعًا. ووفقًا لتصريحات أحد النواب: "ليس لدى الحكومة رؤية لوقف الاقتراض أو للحد منه لسد العجز وزيادة الموارد".

 

 الفرص المهدرة
ويرى "حامد" أن أساسيات الاقتصاد تم تدميرها بشكل منهجي على مدى السنوات العشر الماضية منذ الانقلاب العسكري؛ حيث إن مصادر العملات الأجنبية في مصر محدودة: كان المصدران الرئيسيان هما عائدات قناة السويس والسياحة الأجنبية وتضرر كلاهما بسبب عدم الاستقرار ثم جائحة كوفيد -19 ثم حرب أوكرانيا.
وأعرب "حامد" عن أسفه من إهدار (الحكومة المصرية) فرص تطوير الاقتصاد وتحديثه وتنميته؛ فبدلاً من تنمية القطاع الخاص، اختارت الحكومة وضع جميع الأنشطة الاقتصادية في أيدي الجيش، الذي يدير كل قطاع من قطاعات الحياة الاقتصادية المصرية اليوم. والناتج: القطاع الخاص على أجهزة الإنعاش، إن لم يكن قد مات بالفعل.
في الوقت نفسه، ركز الجيش بتوجيه مباشر وشخصي من "السيسي" على المشاريع الضخمة التي ليس لها تأثير على النمو الاقتصادي، مثلًا: حازت "العاصمة الإدارية الجديدة" على 55 مليار دولار من الاقتصاد وأدى التوسع غير الضروري لقناة السويس إلى اختلاس 9 مليارات دولار أخرى.
وعن سؤال "كيف وصلنا إلى هذه النقطة؟"، أجاب "حامد" قائلًا: "أولاً، اتبع النظام مسارًا لا علاقة له بالمعرفة الاقتصادية من الناحيتين النقدية والمالية. ثانيًا، تلقى "السيسي" دعمًا هائلًا من صندوق النقد الدولي والقوى الدولية الأخرى. ثالثًا، ذهب ما يقدر بنحو 45 مليار دولار لشراء أسلحة - دون أي حاجة واضحة  - وأصبح الإنفاق على القطاعات الأساسية كالصحة والتعليم  أقل من الحدود الدنيا المضمونة دستوريًا.

 

 قمع وحشي
وراء كل هذه القرارات رؤية واحدة لرئيس الانقلاب منذ البداية: هناك وفرة من الأموال على الصعيدين المحلي والإقليمي يمكن لمصر الاستفادة منها وهذا سيقترن بقمع وحشي غير مسبوق ومستمر بلا هوادة.
وهكذا تركزت سياسة الحكومة على إيجاد طرق لاستنزاف ثروة السكان من خلال عروض شهادات استثمارية تعطي عوائد سلبية عند حساب تخفيض قيمة العملة، أو من خلال الضرائب.
 ولفت "حامد" إلى أن "السيسي" يحتقر التخطيط، وقد اشتهر عنه قول إنه إذا كانت الحكومة قد أجرت دراسات جدوى، فلن تتم الموافقة على 75-80 في المائة من المشاريع الحكومية. 
 
شراء المجتمع الدولي
 هذه خطوات واضحة نحو كارثة، ولكن كيف يمكن لـ(الحكومة) أن تستمر بهذه الطريقة وتحافظ على مكانتها الدولية؟ 
يجيب "حامد": "اشترت الحكومة المجتمع الدولي بسلسلة من المناورات".
وتابع: "مثلًا: كانت مشتريات الأسلحة تهدف إلى شراء نوايا الدول البائعة الحسنة وفي الوقت ذاته تثبيط الضغط الأمريكي بشأن قضايا مثل سجله الحقوقي المروع وديكتاتوريته".
 وعزز ارتفاع أسعار الفائدة على الديون من الاحتياجات قصيرة الأجل لشركات الاستثمار. ورأى المانحون، مثل دول الخليج، أن نجاح النظام العسكري ضروري لمشاريعهم الخاصة في المنطقة.
وها نحن هنا، نهدر مئات المليارات من الدولارات ونهدم القطاع الخاص والدولة المثقلة بالديون وتكلفة المعيشة مرتفعة.

 

انفصال تام عن الشعب
ويختتم يحيى حامد قائلا: "هناك انفصال شبه كامل بين المشاعر الشعبية والسياسة. ويعتقد ما يقرب من 70 في المائة من المصريين أن الحكومة لا تفعل شيئًا يُذكر لتلبية احتياج الناس لمستوى معيشي مقبول. وعلى الرغم من الممارسات القمعية الشديدة، لم يعد نصف الشعب يقتنع بفكرة أن الاحتجاجات ضد الحكومة شيء سيء. الشعور بانهيار البلاد أمام أعين المصريين أصبح واضحًا، والأوضح هو أن "السيسي" يدفع مصر إلى هلاك حتمي".
وأشار"حامد"، إلى أن شعور الغضب اليوم يختلف عما كان عليه في أي وقت مضى، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه ستكون هناك تعبئة جماهيرية في الوقت الحالي وحتمًا سينفجر الغضب الشعبي إلى الشوارع وسيقابله قمع وحشي مميت. 
وفي ختام مقاله، شدد على أن الطريق الوحيد لتمضي مصر قدمًا هو الذي لا يشمل "السيسي" أو الجيش كسلطة تنفيذية.
 

https://www.middleeasteye.net/opinion/egypt-sisi-despair-fear-repression-driving-disaster