مازالت ثورة 25 يناير هو الأمل الأكبر لجميع المصريين، الذين توحدوا من جديد لمحاولة إنجاح وتحقيق أهدافها التي سرقها العسكر، وفي مقدمتها إقرار حق الشعب في اختيار من يحكمه، ومقاومة دولة الفساد والاستبداد، بما يضمن تحقيق شعارات وأهداف الثورة المباركة في الحرية والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية.

وبعد أن مزق العسكر صفون الثوار، تعود ذكرى يناير كفرصة للعمل على التوافق الوطني بين كافة مكونات الشعب عبر العمل على عدم إقصاء أي تيار سياسي أو فكري والتأكيد على أن الجميع شركاء وأن ثوار مصر جميعا شركاء في ملكية البلد.

ومع الذكرى الـ12 لثورة يناير 2011 وبعد مرور 9 سنوات على اغتصاب السيسي للسلطة، سقطت الأقنعة المزيفة التي سعت لتقسيم الشارع إلى ممرات ضيقة، لينقلب السحر على الساحر، ويتحرر المصريون من ربقة هذا التقسيم الجائر الذي حولهم إلى أعداء وخصوم، ويُعاد مرة أخرى لم شتات ثوار يناير الذين كانوا على قلب رجل واحد طيلة "أيام الثورة الـ18" في ميدان التحرير بوسط القاهرة وعشرات الميادين في مصر.

 

المرأة

كانت المرأة أحد الركائز الأساسية في ميدان التحرير وجميع الميادين الأخرى والتي استطاع العسكر أن يتخذ منها بوق إعلامي يصفق لإدعاءته الكاذبة وأجندته المضللة، فبعد الرقص أمام اللجان، راجعن كل من وقعوا في فخ الوعود الكاذبة أنفسهم وأصبحن يبكين دما على رقصاتهن وتأيديهن للمجرم الكاذب.

لكن بعد أن استطاع المنقلب أن يستحوذ على مفاصل الدولة كان أول شيئ يفعله هو استهداف ناشطات نسويات بسبب آرائهم السياسية، إذ تعرضن إما للاعتقال والحبس كما هو حال خلود سعيد عامر وسلافة مجدي سلام وهدى عبد المنعم، وعائشة الشاطر، وإما للابتزاز والانتهاكات النفسية والجسدية كغيرهن، فيما لا تتوافر أرقام رسمية عن عدد المعتقلات في السجون المصرية إلا أن بعض المنظمات أشارت إلى أن هناك ما لا يقل عن 70 سيدة محتجزة حتى عام 2017.

 

الأقباط

ومع أن المرأة كانت أحد الأضلاع التي عمل المنقلب على تلميع صورته كان الضلع الثاني في حكم السيسي هو الأقباط، والذي كان أكثر دعما من الراقصات فكان الداعم الأكبر له طيلة السنوات الماضية، منذ أن أعرب بابا الأقباط تواضروس الثاني الذي تسلّم منصبه في نوفمبر 2012، عن دعمه الكامل لوزير الدفاع خلال بيان 3 يوليو 2013، داعيًا أتباعه إلى دعم النظام، ولعل مقولة الأب مكاري يونان بأن "السيسي مرسل من السماء" كانت النموذج الأبرز على تطرف هذا الدعم اللامحدود.

ومع أن السيسي عمل منذ الوهلة الأولى على إرضاء المسيحيين عبر بناء الكنائس وقوانين الأحوال الشخصية وخلافه، وهو مع الوقت قل تدريجيا،إلا أن العديد من الأقباط تخلوا عن دعم نظام السيسي، بل إن بعضهم يتخوف من ذلك، لافتًا إلى أن "دعم البابا للنظام وعدم تبنّيه موقفًا محايدًا ربما يحدّان من قدرة الكنيسة على حماية حقوق الأقباط"، فيما يعاني الشباب القبطي من انقسام واضح بشأن انحياز الكنيسة للسيسي بشكل مطلق في الوقت الذي لم يف فيه المنقلب بوعوده تجاههم، سياسية كانت أو اقتصادية أو تشريعية.

وانتقد العديد من الأقباط بصورة مباشرة إجراءات النظام السلطوية وهو ما وضع الكنيسة في موقف حرج، ومنهم الأب فيلوباتير جميل عزيز الذي انتقد الجيش مرارًا وتكرارًا على خلفية قتل المتظاهرين في ماسبيرو، ما كان سببًا في إصدار حكم عسكري ضده يقضي بمنعه من السفر لفترة وجيزة بتهمة التحريض على العنف ضد الجيش.

 

التيارات السياسية

ربما أن التيار المدني الوحيد المتمثل في التيار الإسلامي هو من وقف بكامل ثقله أمام الانقلاب بينما التياريين، اليساري والليبرالي، فإن العديد من كوادرهم من وقفوا وأعدوا لنظام ما بعد 3 يوليو 2013، حيث لعب على وتر "المدنية" كشعار عام أسال لعاب هذا التيار بشكل دفعه للتوقيع على شيك على بياض للنظام الذي ظنوا أنه سيحقق لهم بعض المكاسب التي لم يستطيعوا أن يتحصلوا عليها في ميادين الانتخابات التي أظهرت إحجام الشعب على الثقة بهم فهم خسروا معظم المعارك الإنتخابية.

ولم يكن مشاركة تلك التيارات في مسلسل 30 يونيو سوى مسرحية كان أبطالها كومبارس، حتى انقلب عليهم  نظام العسكر ويلقي بالعديد منهم في المعتقلات، بعدما حقق النظام أهدافه كاملة ورسخ أركان حكمه فيما لم يحقق المدنيون أيًا من أحلامهم وطموحاتهم، السياسية أو الأيديولوجية، فلا تقلدوا المناصب التي كانوا يستهدفونها واستيلائهم على الحكم، إذ قبعت الدولة برمتها مجددا في قبضة الجنرالات.

 

حزب النور والأزهر

في بيان 3 يوليو 2013 استعان السيسي بحزب النور السلفي، بجانب ممثلين عن مؤسسة الأزهر الشريف  التي تحتل مكانة كبيرة في العالم الإسلامي.

ورغم الحضور الكبير لشيخ الأزهر والدعم الكامل للانقلاب إلا أن الصدامات المتتالية له مع السيسي تحديدًا في أكثر من معركة، عبر عنها المنقلب صراحة بجملته الشهيرة "أنت تعبتني يا فضيلة الإمام" حتى إن جاءت في صورة ساخرة، يبقى موقف حزب النور هو الأكثر حضورًا.

وأخذ السلفيون نفس نصيب الياسريين والليبراليين من التهميش والقمع  بجانب أن عددا كبيرا من أتباعهم تبرءوا منهم ليعمل العسكر على إقصائهم من المشهد فلم يعد لهم غطاء حيث فقدوا ما تبقى لهم من رصيد لدى الشارع.

 

الالتفاف حول الثورة

وبعد 9 سنوات على اغتصاب السيسي للحكم، ها هي جماهير الشارع المصري تستعيد بريقها مرة أخرى بعد أن فرقهم العسكر ليعلنوا من جديد الالتفاف حول أهداف ثورة  يناير بعد أن تجرعوا معا كؤوس التضخم والأسعار الملتهبة والتدني في المستوى المعيشي والانتهاكات الحقوقية المستمرة، يحملون فوق كواهلهم أثقال ديون هم على يقين أنهم وأبناءهم من يسددون ثمنها، ويقفون كلهم في خندق مظلم واحد لا يرون فيه أي بارقة أمل على المستوى القريب، متناسين خلافاتهم الأيديولوجية التي عُزف عليها بجدارة لتشتيتهم وتفتيتهم طيلة العقد الأخير.