في مشهد من فيلم "مرجان أحمد مرجان"، يسخر الممثل عادل إمام من الخبز المدعم. في الفيلم، حيث يؤدي إمام دور عضو في البرلمان المؤيد للحكومة، وفي المشهد يحضر معه رغيفًا كبيرًا ويبدو شهيًا، للرد على انتقادات المعارضة، وأخذ قطعة منه ودعا زميلته إلى تناوله قائلًا: "ده مش عيش ده بسكويت"!
واليوم الاثنين، أعلن وزير التموين علي مصيلحي، أن حكومة الانقلاب ستبدأ في بيع الخبز بسعر الكلفة للمواطنين الذين لا تشملهم منظومة دعم الخبز في إطار جهودها لمواجهة التضخم الآخذ في الازدياد.
ولم يمر سوى يومين على التصريحات المثيرة للجدل لرئيس وزراء حكومة الانقلاب على هامش زيارته لمحافظة شمال سيناء، رفقة عدد من الوزراء، السبت الماضي، عندما استشهد باستمرار بيع رغيف الخبز على بطاقات التموين بقيمة 5 قروش رغم أن تكلفته ارتفعت إلى 90 قرشًا إثر تحرير سعر صرف العملة المحلية مؤخرًا، زاعمًا أن الموازنة العامة للدولة تحملت عبئًا إضافيًا بإجمالي 10 مليارات جنيه.
وأضاف مصيلحي أن المواطنين غير المشمولين في منظومة الدعم سيتمكنون من شراء أرغفة خبز يزن الواحد منها 90 جرامًا بسعر الكلفة باستخدام بطاقات سحب آلي جديدة، وأن السعر لم يتحدد بعد لكنه سيكون أقل من جنيه، على أن تبدأ الفترة التجريبية يوم الأربعاء المقبل، مضيفًا أن "الهدف هنا إتاحة هذه السلعة المهمة دون مبالغة في المكسب"، وفقًا لـ"العربي الجديد".
وأوضح مصيلحي، خلال مداخلة هاتفية مع إحدى الفضائيات الخاصة، أن البطاقات الجديدة ستتاح عبر البريد للمواطنين غير الداخلين في منظومة التموين، وأن هذه الخطوة تهدف لتمكين المواطن الذي ليس لديه بطاقة تموينية، من شراء الرغيف بسعر التكلفة حتى لا يتعرض لاحتكار المخابز السياحية، على حد قوله.
وأوضح أن احتياطي القمح يكفي حتى 22 مايو المقبل، أي نحو أربعة أشهر ونصف، في حين يكفي احتياطي الأرز لما يزيد على ستة أشهر.

 

275 مليون رغيف مدعم يوميًا

ومن جهته كشف رئيس غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات، طارق سعيد حسانين، أن الدولة تنتج يوميًّا 275 مليون رغيف مدعم بـ”5 قروش” من خلال 30 ألف مخبز موزعة على مستوى الجمهورية، رغم أن تكلفته على الدولة وصلت إلى 90 قرشًا، على حد قوله. هذا فضلًا عن ما تنتجه المخابز السياحية يوميًّا، وفقًا لـ"الجزيرة".
وتستورد مصر حاليًّا نحو 12 مليون طن من القمح سنويًّا، بما نسبته 10.6% من إجمالي صادرات القمح العالمية، مما يجعلها أكبر مستورد للقمح في العالم.
ووفقًا لوزارة التموين، فإن حجم الاستهلاك الشهري من القمح لإنتاج الخبز البلدي المدعم هو 800 ألف طن شهريًّا، في حين يبلغ عدد المستفيدين من منظومة دعم الخبز نحو 72 مليون مواطن.

 

أطنان القمح عالقة في الموانئ

وتعتبر مصر من أكبر مستوردي القمح في العالم، ويعاني المستوردون والمطاحن من القطاع الخاص في الأشهر الماضية لسداد ثمن مئات الآلاف من أطنان القمح العالقة في الموانئ، مما تسبب في ارتفاع أسعار الخبز والطحين.
وبلغ التضخم أعلى مستوى له في خمس سنوات، حيث قفز في ديسمبر الماضي إلى 21.3% مقارنة مع 18.7% في نوفمبر، وفقا لبيانات نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وفقدت العملة 104% من قيمتها خلال 10 أشهر فقط، منذ مارس 2022، بينما تفاوضت حكومة الانقلاب مع صندوق النقد الدولي للحصول على حزمة دعم مالي بقيمة ثلاثة مليارات دولار.
وتعاني البلاد المعتمدة بشكل كبير على الاستيراد من تفاقم تكلفة توفير الاحتياجات الرئيسة نتيجة تدهور العملة المحلية بسبب تراجع تدفقاتها الدولارية منذ الحرب الروسية الأوكرانية.
وبدأت الهيئة العامة للسلع التموينية بالفعل في بيع الطحين للمطاحن الخاصة، وكذلك نحو 300 ألف طن من القمح عبر بورصة السلع حديثة التدشين في محاولة لإزالة العقبات أمام التجارة الداخلية.

 

لا تعض رغيفي!

وقد تعددت تعليقات المواطنين على قرار وزير التموين، وقال بعضهم نعيش منذ سنوات في ضنك، والأسعار غالية، ومواردنا لم تعد تكفي لعشرة أيام في الشهر، فماذا نفعل؟
وقال محمود: ليس هناك شيء جديد، فأسعار كل شيء في ارتفاع منذ سنوات.
وبدا خالد حزينًا وهو يقول: "ليس لدي مقدرة على أن أدفع أكثر في شراء الخبز، عض قلبي ولا تعض رغيفي"، وفقًا لـ"BBC".
أما محمد وهو موظف حكومي، ويعيل زوجته وثلاثة أولاد، فيقول إنه "يعرف كثيرين يمثل لهم هذا الرغيف غذاءهم وعشاءهم، فإذا لم يتمكنوا من شرائه فماذا سيأكلون؟".
وانتقد مغردون ومدونون توجيه الكثير من موارد الدولة للإنفاق على المشروعات الضخمة خاصة مع تردي منظومتي الصحة والتعليم، في الوقت الذي تنفق فيه الدولة مبالغ بالمليارات على بناء عاصمة جديدة وشبكة للقطارات السريعة وقطار كهربائي ستنفذه شركة سيمنز الألمانية وسيتكلف نحو 360 مليار جنيه أي ما يعادل 23 مليار دولار.
وقال صقر: المرحلة الأولى من القطار الكهربائي من «العين السخنة حتى العلمين الجديدة» تخدم الـ5% الأعلى من الشعب المصري وتكلف 6.3 مليار دولار = تغطي تقريبًا 18 عامًا من تكلفة دعم الخبز الذي يخدم 80% من الشعب المصري.. الأولية هي تسهيل حياة ودعم الأغنى مع الاستمرار في عصر وطحن الأفقر!

 

قرار غير مناسب

ويرى الباحث الاقتصادي، مصباح قطب، في تصريحات صحافية سابقة، أن رفع سعر الخبز يجب أن تتبعه إجراءات أخرى تخفف من تبعات هذا القرار على الطبقات الفقيرة التي تعاني أصلًا من ارتفاع كلفة الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم.
ويوضح قطب أن من بين هذه الإجراءات زيادة الرواتب، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتقديم المزيد من الأموال للأسر المستفيدة من برنامج تكافل وكرامة.
وفي السياق ذاته، يقول عمرو عادلي، الباحث الاقتصادي بمعهد كارنيجي من القاهرة، إن مصر ليست في حاجة لمثل هذا القرار في هذا التوقيت؛ "وذلك لأن بند دعم الغذاء كان تاريخيًا يمثل نحو 20 إلى 25% على الأكثر من إجمالي فاتورة الدعم. أما الجزء الأكبر من الدعم فكان يذهب للوقود، وبالتالي كان مفهومًا أن يكون الضغط أشد على الدعم الخاص بالوقود، بينما يستمر الدعم الخاص بالغذاء"، وفقًا لـ "DW" عربية.
وكان البنك الدولي، قد أشار في دراسة عن الفقر في مصر أنه مع أزمة ارتفاع أسعار القمح والمحاصيل الغذائية العالمية فإن دعم الغذاء (متضمنًا الخبز) نجح في حماية 12% من الأسر المصرية من النزول تحت خط الفقر، لكن ذلك كان قبل تعويم الجنيه والذي تسبب في نزول نحو 10 ملايين مصري على أقل التقديرات تحت خط الفقر، بحسب أرقام رسمية من الدولة، هذا بخلاف تخفيض حكومة الانقلاب 30 جرامًا من وزن رغيف الخبز.