رفض مجلس النواب الليبي إعلان مصر ترسيم الحدود البحرية "من جانب واحد"، دون أي مشاورات سابقة، مطالبًا القاهرة بـ"التراجع الفوري".

وعبّرت لجنتا الشؤون الخارجية والدفاع في بيان، صدر يوم 22 من ديسمبر الجاري، عن "استغرابهما لإعلان مصر هذه الخطوة"، وشددتا على أن ترسيم الحدود "يكون عبر مفاوضات تضمن المصالح المتبادلة للبلدين".

واعتبر البيان أن "ما حصل هو تجاوز لروح الأخوة وانتهاك للسيادة لا يمكن القبول به باعتباره ترسيمًا غير عادل بموجب القانون الدولي وتعديًا صريحًا على الحدود البحرية لليبيا".

وكان قائد الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، أصدر الثلاثاء الماضي، قرارًا جمهوريًا يحمل رقم 595 لسنة 2022، ونشر في الصحيفة الرسمية، بشأن تحديد الحدود البحرية الغربية لمصر في البحر المتوسط.

وتضمّن قرار السيسي أن تبدأ حدود البحر الإقليمي لمصر من نقطة الحدود البرّية المصرية - الليبية النقطة رقم (1) ولمسافة (12) ميلًا بحريًا، وصولًا إلى النقطة رقم (8)، ومن ثمّ ينطلق خط الحدود البحرية الغربية لمصر من النقطة رقم (8) فى اتجاه الشمال موازيًا لخط الزوال (25) شرق، وصولًا إلى النقطة رقم (9)، والموضح إحداثياتها بالجدول المرفق، وفقًا للمرجع الجيوديسي "WGS84".

 

ترحيب يوناني ورفض تركي

وكانت اليونان أوّل المحتفلين بالقرار الذي يتعدّى على حدود ليبيا البحرية ويخلق منطقة متنازع عليها مع ليبيا لم تكن موجودة في السابق.

بينما عدّت تركيا في وقت سابق، قرار مصر بترسيم حدودها البحرية الغربية، أنه يمثّل انتهاكًا للجرف القاري الليبي، داعيةً القاهرة وطرابلس إلى بدء محادثات لترسيم الحدود البحرية وفقًا للقانون الدولي. ونقلت وكالة الأناضول شبه الرسمية عن مصادر دبلوماسية تأكيدها أنّ قرار مصر الأحادي لترسيم الحدود الغربية مع ليبيا عبر 9 إحداثيات جغرافية، "لا يتداخل مع الجرف القاري لتركيا في شرق البحر المتوسط".

وتشير التحليلات إلى أن هناك العديد من الانتهاكات ارتكبها السيسي بقرار تعدّيه على الحدود البحرية الليبية، ومن أهمها:

 

السيسي لم يضع اعتبارًا لليبيا

وأكد المحلل السياسي الليبي، عبد الستار حتيته، أن "ليبيا لديها مخاوف من أن القاهرة لم تضع لها اعتبارًا، ولم تتشاور معها، ويبدو أن هناك أطرافًا في الداخل الليبي تحاول استغلال هذه الأمر بغض النظر عن تأثير هذه الخطوة على الجانب الليبي".

وشدد على أن "الطرف المصري قام بهذه الخطوة من أجل الاستثمار وتوقيع عقود مع الشركات الأجنبية، من دون أن يمس ذلك الخط البحري التركي الليبي" وفقًا لـ"سبوتنيك".

وأكد حتيته أن الخلاف الداخلي في ليبيا "ربما لن يكون له تأثير كبير على الدور المصري في ليبيا لكنه قد ينبه الليبيين إلى ضرورة توحيد مؤسسات الدولة، من أجل إيجاد كيان ليبي موحد وقوى يستطيع التفاوض مع الأطراف المختلفة، سواء كانت مصر أو تركيا أو الجزائر وتونس، أو غيرها من دول لديها أطماع في الداخل الليبي".

 

مخالف لادعاءات مصر باحترام السيادة الليبية

من جهته أكد الدكتور علي باكير، أستاذ العلاقات الدولية في مركز ابن خلدون بجامعة قطر، رفض حكومة الوحدة الوطنيّة الليبية للقرار المصري بالكامل، وقال إنها ردّت على الخطوة المصرية بالقول إنّها تعد انتهاكًا للمياه الإقليمية والجرف القاري الليبي، وإنّ قرار السيسي مخالف لما تدّعيه مصر في المحافل الدولية لناحية احترام السيادة الليبية ووحدة أراضيها، ومخالف كذلك للقانون الدولي لأنّه غير عادل وليس صادرًا عن حسن نيّة -وفق ما يقتضيه قانون البحار- ولا يتطابق مع أحكام القانون الدولي.

 

القرار يتعارض عمليًا مع اتفاقية قانون البحار

وأكد باكير في مقاله " ما وراء قرار السيسي التعدّي على حدود ليبيا البحريّة" بموقع عربي 21، أن القرار يتعارض عمليًا مع اتفاقية قانون البحار التي تعتبر مصر عضوًا فيها، ذلك أنّه تمّ بشكل احادي وبتجاهل تام للجانب الليبي، علاوةً على غياب حسن النيّة عند التطبيق. وعلى افتراض أنّ حدود مصر الحقيقيّة هي ما تمّ الإعلان عنه في مرسوم السيسي، فقد كان ذلك يفترض على الأقل دعوة الجانب الليبي إلى التفاوض بهذا الشأن انطلاقًا من حقيقة أنّ الإعلان المصري أنشأ نزاعًا لم يكون موجودًا من قبل، حيث تعتبر المساحة البحرية التي تمّ التعدّي عليها مساحة تابعة لليبيا.

 

ينتزع مساحة 6800 كم من الحيز المائي الليبي

وإضافة إلى ما سبق، فإن قرار السيسي ينتزع ما مقداره 6800 كم من مساحة الحيز المائي الليبي، وهو ما يعادل ثلثي مساحة دولة لبنان، وفق باكير، "وبهذا المعنى، فانّ المرسوم -بشكله المجرّد وإذا ما استبعدنا أيّة مسوّغات أخرى لم يتم الإعلان عنها- يعكس وجود أطماع للنظام المصري في المياه والثروات الليبية، ويبدو قرار السيسي متناغمًا مع التعدّيات اليونانية على المياه الليبية، ممّا يعكس تفاهمًا على أن تكون ليبيا ضحيّة لتجاوزات الطرفين.

 

الأولوية لترسيم الحدود البحرية مع تركيا

ويتابع باكير أن السيسي لم ينظر إلى مفاوضات قبرص مع اليونان بشأن ترسيم الحدود البحرية بينهما وهو ما استغرق سنوات قبل توصلهما لاتفاق بشأنها، ولم يُقدّم مصالح مصر الحيوية؛ لأن ذلك كان يفترض به أن يعطي الأولوية لترسيم الحدود البحرية مع تركيا نظرًا لما تؤمّنه من مساحات بحرية إضافية للجانب المصري، علمًا أنّ المفاوضات في هذا الشأن مُعطّلة بقرار سياسي مصري وذلك بخلاف الترسيم المصري الذي تم مع اليونان والذي يأتي على حساب مساحات مصرية قام الجانب المصري بالتنازل عنها لصالح أثينا في اتفاق ذي طابع سياسي.

 

تحقيق انتصار وهمي لخداع المصريين

ويرى باكير أن من أسباب إعلان مصر ترسيم الحدود البحرية "من جانب واحد" هي الأوضاع الاقتصادية الحرجة التي تمر بها مصر، وبعد حجم التنازلات التي قدّمها النظام المصري من مياه لليونان، وجُزر للسعودية، وشركات وأصول للإمارات، وبعد أن فشل الرهان على حفتر في ليبيا، وعلى إيقاف سدّ النهضة في أثيوبيا، يجد النظام نفسه في حاجة الى انتصار وهمي وسريع ومن دون أي تكاليف، وربما يحقق له قرار التعدي على الحدود البحرية الليبية ذلك.