بالتزامن مع استضافة مصر لقمة المناخ "كوب 27"، والتي تعقد في أجواء في غاية الصعوبة مع تزايد الدعوات إلى النزول للشارع في 11 نوفمبر المقبل؛ احتجاجا على تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والحقوقية في مصر، واعتذار عددًا من أبطال تغير المناخ عن الحضور للقمة، ما يمثل ضربة كبيرة لمغتصب السلطة "عبدالفتاح السيسي"، الذي لا يخجل من دهس حقوق الإنسان ويتغاضى عن القضايا الإنسانية الأخرى، لفشله في تعزيز مصداقيته في الداخل والخارج.


تخلو قائمة حضور COP27 من أسماء منظمات حقوق الإنسان أو جماعات حقوق الإنسان المستقلة في مصر، بما في المنظمات المهتمة بالعدالة البيئية والعدالة المناخية، كالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية. فضلا عن منع نظام السيسي  لذلك فإن حضور زعماء الديمقراطيات الغربية سيكون تعزيزا لمصداقيته في الداخل والخارج.


غياب أبطال تغير المناخ البارزين


وأرجع عددًا من الخبراء في تحليل أسباب غياب بعض الشخصيات البارزة إلى قمة المناخ هو ملف حقوق الإنسان السيء في مصر، حيث قالت الكاتبة الصحفية البريطانية "إيفون ريدلي، إنه قد يكون السبب الحقيقي لعدم حضور أبطال تغير المناخ البارزين مثل ملك بريطانيا بمؤتمر كوب 27 المقرر عقده في شرم الشيخ في الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر"، هو الملف السيئ لحقوق الإنسان في مصر، بالإضافة لخروج مظاهرات متوقعة من المصريين تندد بانتهاك حقوق الإنسان، بالإضافة عن نصيحة قدمتها رئيسة الوزراء السابقة "ليز تروس" إلى الملك بعدم الحضور وموافقة قصر باكنجهام على ذلك بالإجماع.


لكن "ريدلي" تشكك في هذه الرواية، وترى أن السبب الحقيقي لعدم حضور ملك بريطانيا لقمة المناخ هو أن احتمال تزامن مظاهرات احتجاجية كبيرة في مصر، على غرار ثورة 25 يناير 2011، يمثل "كابوسا أمنيا" لفريق الحماية الملكي.


وأضافت: "إذا تم عقد القمة في آيسلندا أو في مكان آخر غير مصر، فإن (تشارلز) المعروف بمناصرته لقضايا البيئة كان سيحضر على الأرجح".


حضور زعماء الديكتاتورية وداعميها


ومع غياب العديد من المناصرين لقمة المناخ سيستقبل منتجع شرم الشيخ الزعماء الإقليميين الديكتاتوريين، وعلى رأسهم ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، الذي سيسعى مع "السيسي" باستماتة عن فرص لالتقاط الصور مع القادة الغربيين، بالإضافة لأولاد زايد، الذين يعرف عنهم محاربة الربيع العربي.


وترى الكاتبة البريطانية أن حلفاء "السيسي" في الغرب يواصلون التغاضي عن قمعه المستمر للمعارضين السياسيين؛ لسبب أساسي هو "أنهم بحاجة إليه لمساعدة إسرائيل في الإبقاء على حصارها لقطاع غزة".


أما إذا امتنع "السيسي" عن إطلاق العنان لقواته الأمنية على المتظاهرين خلال قمة المناخ؛ "فلن يكون ذلك بدافع القلق على حياتهم، ولكن لإنقاذ ماء وجهه أمام زواره. على أن يؤخر رد الفعل العنيف إلى ما بعد مغادرة آخر طائرة رئاسية شرم الشيخ"، بحسب توقعات "ريدلي".


أجواء احتجاجية


وتوقعت الكاتبة اندلاع موجة احتجاجات بسبب ارتفاع قيمة الدولار وارتفاع الأسعار قائلة: "يبدو إن مستشاري السيسي طلبوا منه الاستعداد لإحدى أكبر المظاهرات العامة منذ ثورة 2011 التي أطاحت بحسني مبارك، فبسبب الفقر والفساد والاضطرابات الاجتماعية العامة مع انخفاض الجنيه المصري إلى أدنى قيمة له في التاريخ، تتزايد الدعوات للتجمع في 11 نوفمبر".


وقالت "ريدلي" أنها تقابلت مع نشطاء في مصر دعوا للاحتجاج والتظاهر للإطاحة بالنظام القمعي في مصر، ونقلت عن أحدهم الذي اشترط عدم الكشف عن هويته: "لم يعد بإمكان الناس توفير الخبز على مائدة الطعام"، مضيفا: "الطريقة التي يتجمع بها هذا الاحتجاج تذكرني كثيرًا بما حدث هنا في عام 2010 عندما حولنا ميدان التحرير إلى بؤرة للمعارضة التي أسقطت رئاسة مبارك".


وتابع: "لم نعد إلى عام 2010، بل نحن أسوأ حالًا من أي وقت مضى. الناس يتحدثون بالفعل عن الثورة ، ومؤتمر المناخ هذا سيمنحنا الضوء والمنصة التي نحتاجها".


وأعرب المصدر عن اعتقاده بأن "السيسي لن يقوم بمذبحة أخرى مثل رابعة العدوية عندما يأتي أصدقاؤه من الغرب إلى مصر لحضور قمة المناخ".


إسكات أصوات النشطاء جزء من قمع أوسع


قال ريتشارد بيرسهاوس، مدير قسم البيئة وحقوق الإنسان بمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، إن النظام المصري نجح في "إسكات" دعاة حماية البيئة المستقلين في البلاد في الفترة التي تسبق استضافة محادثات المناخ التي تعقدها الأمم المتحدة هذا العام، "كجزء من استراتيجية قمع حقوقي أوسع".


وأوضح الناشط الحقوقي في حوار مع صحيفة الغارديان، بأن الإخفاق في معالجة الانتهاكات "التي ترتكبها مصر والأنظمة الاستبدادية الأخرى، سيعرقل تطبيق السياسات المناخية الطموحة اللازمة للانتقال الطاقي والحد من الاحتباس الحراري".


وأكد بيرسهاوس، على أن "من الخطأ أن يذهب الدبلوماسيون إلى قمة المناخ معتقدين أنهم يستطيعون إحراز تقدم في محادثات المناخ بمعزل عن ملفات حقوق الإنسان"، لافتا إلى أن الوصول إلى الإجراءات المناخية المطلوبة لن يتم دون ضغوط وعمل المجتمع المدني، وأشار إلى أن "الوضع في مصر يبين لنا ذلك".


وأبرز المتحدث ذاته إلى أن "نقاش حقوق الإنسان في مقابل العمل المناخي زائف"، مشددا على الحاجة إلى نشطاء بيئيين وحقوقيين مستقلين، فضلا عن قضاء مستقل ويسائل السياسات لإحداث التغيير المناخي المنشود.


غياب الشفافية


وفي هذا السياق أكد حسام بهجت المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية  أن وزارة الخارجية التابعة لسلطات الانقلاب لم تسمح أو تُتِح الفرصة لجمعية حقوقية واحدة، والمدافعين عن حقوق الإنسان، بمن فيهم المهتمون بالعدالة البيئية بالمشاركة في هذه القمة، في وقت يشارك حوالي 35 جمعية مصرية يغلب عليهم العمل التنموي والخيري". منتقداً غياب الشفافية في عملية تسجيل المنظمات الراغبة في الحضور.


وكانت منظمة هيومن رايتس وتش، بأن أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، أبلغتهم بمنح ما يزيد عن 30 مجموعة مصرية، تم ترشيحها جميعاً بواسطة الحكومة المصرية، الموافقة على المشاركة الاستثنائية لمرة واحدة في COP27، وذلك من دون المرور بالعملية المعتادة لاعتماد المنظمات.


فيما رشحت حكومة الانقلاب أسماء 56 منظمة مدنية مصرية وأفريقية لحضور قمة المناخ في شرم الشيخ، من خلال الحصول على موافقة استثنائية، لأن عدد المنظمات المدنية المعتمدة بصفة مراقب، من مصر وأفريقيا والشرق الأوسط، محدود، وهو ما يعلق عليه بهجت بقوله: "الحكومة مثلما كانت حريصة على مشاركة جمعيات مصرية بصفة مراقب لدورة واحدة، كانت حريصة أيضاً أن تشارك جميعات بعنيها تتبنى أجندتها".