يُحكى أنّ الشاعر العربي الجاهلي طَرفة بن العبد كان برفقة عمّه في أحد أسفاره، وكان طَرفة بن العبد في ذلك الحين صبيًا صغيرًا، وقد أخذ معه بعض الفخاخ لينصبها لطيور القنابر، وهي طيور صغيرة الحجم دائمة التغريد تكثر في الحقول.


نصب طرفة بن العبد فخاخه لطيور القنابر، وبقي طوال يومه يراقب الفخاخ متأملًا بصيد ثمين، وانقضى اليوم ولم يحالفه الحظُّ ولو بطائر واحد منها، فجمع فخاخه وعاد خالي الوفاض إلى عمّه، وهمّا طرفة وعمّه بمغادرة المكان، وإذا بطيور القنابر تتسلل لتأكل ما رماه طرفة بن العبد لها من الحبوب، عندها أنشد طرفة بعض الأبيات من الشعر وكان من بينها شطر يقول فيه "خلا لك الجو فبيضي واصفري" والذي ذهب مثلًا.


وجاء في قول لأبي عبيد أنّ عبد الله بن عباس قال لعبد الله بن الزبير عندما خرج الحسين (رضي الله عنهم جميعًا) متجهًا للعراق، قال له هذا المثل، والذي كان شعرًا فذهب مثلًا، والذي يُضرب للمرأ عندما يتمكن من حاجة يريدها، كما تمكنت طيور القنابر من الحبوب بعد نزع فخاخ طرفة، وكانت أبيات طرفة:


يا لَكِ مِن قُبَّرَةٍ بِمَعمَرِ ** خَلا لَكِ الجَوَّ فَبيضي وَاِصفِري

قَد رُفِعَ الفَخُّ فَماذا تَحذَري ** وَنَقِّري ما شِئتِ أَن تُنَقَّري

قَد ذَهَبَ الصَيّادُ عَنكِ فَابْشِري ** لا بُدَّ يَومًا أَن تُصادي فَاِصبِري


السيسي يستعيد موقف طرفة مع طيور القنابر


هكذا بدا قائد الانقلاب في كلمته بالمؤتمر الاقتصادي، "خارطة طريق لاقتصاد أكثر تنافسية"،  الذي بدأ اليوم ويستمر ليوم الثلاثاء القادم في فندق "الماسة" التابع للجيش بالعاصمة الإدارية الجديدة، والذي يبحث قضايا اقتصادية في ظل أوضاع عالمية صعبة، لا سيما على مستوى قطاعي الغذاء والطاقة.


ما قاله السيسي في هذا المؤتمر يشبه إلى حدٍ بعيد موقف طيور القنابر مع الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد؛ فقد زعم السيسي في كلمته، أن "الإسلام السياسي الذي وصل للحكم يطلب منا المصالحة بعد أن اسْتَعْدَانَا"، دون تقديم تفاصيل بشكل طلب المصالحة أو موقفه منه.


وتساءل السيسي في كلمته: "هل (ثورتي) 2011 و2013، السبب في كل هذا (يقصد الأزمات والتحديات؟).. الإجابة نعم، لأنها أتاحت الفرصة للإسلام السياسي الوصول للحكم"، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين.


وبنبرة استنكار تابع: "فلما وصل (الإسلام السياسي) للحكم فشل ولم يعترف بفشله وبدأ (يعتبر) أننا ضد الدين، وبالتالي اسْتَعْدَانَا كلنا ويطلب منا المصالحة".


وأردف أن "هذا الفصيل استقر بجهده خلال 50 عامًا بعد ما سمح الرئيس السادات لهم بالحركة وصار لهم قواعد ومنهج بغض النظر سليم أم لا، ولكن ربنا أراد أمر آخر".


وشهد المؤتمر حضور المئات من خبراء الاقتصاد من جميع التيارات السياسية والفكرية؛ واقتصرت دعوات حضور المؤتمر الصادرة عن مؤسسة الرئاسة على رؤساء الأحزاب والجامعات والأكاديميين ورجال الأعمال المؤيدين لسياسات قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي الاقتصادية.


وأكد السيسي، أن الجميع مدعو للحوار الوطني الأول بعهده ماعدا الإخوان، وهذا ما أرجعه منسق الحوار، ضياء رشوان، "لارتباطات الجماعة بالعنف والإرهاب"، حسب زعمه، وهو ما تنفيه الجماعة، وفقًا لـ"عربي 21".


ويبدو أن خلو الحضور في المؤتمر من تيارات المعارضة السياسية ومن أي حضور لجماعة الإخوان المسلمين، أتاح للسيسي أن يتكلم بما شاء، فقد خلا له الجو – كما قال طرفة – وأَمِنَ من اعتراض أي أحد أو أن يردّ أحدٌ زعمَه عليه خلال المؤتمر.


حينما اعترض التلمساني على السادات


وقديمًا كان هناك موقف شبيه بموقف السيسي، حينما التقى الرئيس الراحل السادات مع عدد من رجال الدعوة الإسلامية في مصر، وكان هذا يعد أول لقاء لرئيس مصري برجال الدعوة وذلك في 27 رمضان عام 1399 هجرية الموافق 20 أغسطس 1979م، وجاء اللقاء ساخنًا وبثه التلفزيون المصري على الهواء، وأضفي عليه السخونة حوار بين المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين عمر التلمساني (رحمه الله) والرئيس الراحل السادات والذي بدأ باستفزاز رئاسي، قال السادات إن الإخوان والدعوة تعاونوا مع الشيوعيين وفلول من الأحزاب المنحلة والانتهازيين ضد النظام..


وبعد كلام السادات قام التلمساني يرد عليه ادعاءاته على شخصه وعلى الإخوان، وكان مما قاله (رحمه الله): "لو كان أحد غير محمد أنور السادات رئيس الجمهورية وجه هذا إليّ لشكوته إليك، أما أن يقول هذا أنور السادات رئيس الجمهورية فإلى من أشكو؟


أشكو إلى الله.. فما كان من السادات إلا أن قال إني أخاف الله.. أخاف الله حقا وأنا أجتمع هنا لا كرئيس جمهورية ولكن ككبير عائلة.. وأنا أذكر وقائع ولم أُكوّن رأيًا بعد.. وأطلب أن تسحب شكواك مني إلى الله.. اسحب شكواك يا عمر.


فيقف التلمساني ويقول: "أنا لم أشك لظالمٍ أو مستبد إنما شكوت إلى عادل يعلم ما أقول، إن إسلامي- أو تربيتي- وسني لا يسمحان لي بأن أتآمر عليك أو على النظام وأنا أطلب من سيادتك أن تزيل ما لحق بي من أذى، لقد حقق معي المدعي العام الاشتراكي في شهر مايو في شأن خطاب الحكومة الأمريكية ومضي شهر مايو ويونيو ويوليو وأغسطس ولم يتخذ إجراء ضدي، أنا أطلب لقاء مع سيادتك على انفراد.."، وفقًا لـ"المصري اليوم".


الترويج للإنجازات الاقتصادية المزعومة للسيسي


وقالت مصادر حزبية مطلعة إنّ الهدف الرئيس من المؤتمر هو الترويج لـ"الإنجازات الاقتصادية المزعومة للسيسي"، من دون السماح للمدعوين بالحديث عن رؤى أو سياسات اقتصادية بديلة للحالية.


وأضافت المصادر أنّ "جميع جلسات ومحاور المؤتمر الاقتصادي معدة سلفًا، ولن يُسمح بإبداء الآراء المعارضة لسياسات النظام في ملفات مهمة مثل تفاقم الدين، أو السياسة النقدية، أو أولويات الإنفاق العام"، مستدركة بالقول إنه "من الوارد دعوة بعض المحسوبين على تيار المعارضة في اللحظات الأخيرة، مع التنبيه عليهم بعدم الحديث عن ملفات بعينها خلال فعاليات المؤتمر، وإبداء آرائهم فقط في الملفات المطروحة عليهم"، وفقًا لـ"العربي الجديد".


وكان قائد الانقلاب، السيسي، قد أكد من قبل أن الجميع مدعو للحوار الوطني الأول بعهده ماعدا الإخوان، وهذا ما أرجعه منسق الحوار، ضياء رشوان، "لارتباطات الجماعة بالعنف والإرهاب"، حسب زعمه، وهو ما تنفيه الجماعة.


وتسعى مصر إلى جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، في وقت تتفاوض فيه مع صندوق النقد، وتجد صعوبة في توفير العملة الصعبة لاستيراد الأغذية ومستلزمات الإنتاج، مع خروج نحو 22 مليار دولار من سوق الديون المحلية، منذ مارس الماضي، وارتفاع معدلات التضخم، التي بلغت على أساس سنوي، 15.3%، في أغسطس الماضي.


وأدت أزمات جائحة كورونا، والموجة التضخمية العالمية، والحرب الروسية على أوكرانيا، إلى زيادة وتيرة الاقتراض الخارجي، وهو ما دفع حكومة الانقلاب إلى طرح فكرة بيع أصول الدولة على الدائنين، لا سيما مع ارتفاع الدين الخارجي للبلاد إلى 157.8 مليار دولار، في نهاية مارس الماضي، من 145.529 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2021، وبنسبة ارتفاع بلغت نحو 8.5% تقريبًا خلال ثلاثة أشهر.