برحيل العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، تفقد فلسطين واحدًا من أكبر الأعمدة المساندة والمدافعة عنها في كل الساحات، وتشهد كلماته وكتبه وخطبه على مواقف تسجل بأحرف من نور في كتب التاريخ.


"كانت قضية فلسطين من قديم، أولى القضايا التي تشغل فكري وقلبي"، هكذا كتب العالم القرضاوي في سيرة ومسيرة على موقعه الشخصي، مبينا أنه منذ دخل المعهد الديني في طنطا 1940م، وجد نفسه يسير مع الطلبة في 2 نوفمبر من كل عام؛ احتجاجًا على وعد «بلفور»، وزير خارجية بريطانيا، الذي وعد اليهود في العالم بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين.


يضيف "عندما كنت في السنة الثالثة الابتدائية، بدأت أشارك بإلقاء الخطب، وإنشاد القصائد، والمشاركة في قيادة المظاهرات اللاهبة، والهتاف الصاخب بحياة فلسطين وسقوط الصهيونية.


جمع التبرعات لخدمة قضية فلسطين:


ومع تطور عمل الطلبة لخدمة قضية فلسطين، بعد التحاق القرضاوي بجماعة الإخوان، بدأت مرحلة جديدة، ويوضح كيف كان الإخوان يجمعون السلاح من كل حدب وصوب، لتسليح الفلسطينيين.


يقول: كان شراء هذه الأسلحة يحتاج إلى مال، فكنا نذهب إلى المدن والقرى في مصر لنجمع التبرعات لمعونة فلسطين. وبعد ذلك فتح الإخوان باب التطوع لمن يريد الجهاد في فلسطين، واستجاب الألوف لهذا النداء، ولكن الإمام البنا رفض قبول طلاب المراحل الثانوية في التطوع.


ويتابع "لم نزل على وفائنا لقضية فلسطين، التي نراها قضيتنا، ونرى الدفاع عنها فريضة علينا".


وقال: هذه نظرتنا إلى قضية فلسطين؛ إنها قضيتنا، وليست قضية إخواننا ونحن نساعدهم! وهذه هي النظرة الإسلامية الصحيحة. وكم حاول بعض الذين لا يعلمون: أن يثنوا أعناقنا عن هذا الموقف، ويقولون: إن أصحاب القضية لا يعتنون بها مثل عنايتكم، وأنا أقول لهم: إنكم غالطون، نحن أصحاب القضية، ولسنا غرباء عنها، أو دخلاء عليها.


وبقيت مواقف القرضاوي على مدي سنوات عمره من القضية الفلسطينية ونصرة الجهاد والمقاومة فيها، ورفض مشاريع التسوية، عاملاً مؤرقًا لأعداء الأمة، وكثيرًا ما دفع ثمنا له على شكل هجمات غير منصفة من أعداء التيار الإسلامي وخصومه.


زيارة غزة


وفي مايو 2013، وصل القرضاوي في أول زيارة له إلى قطاع غزة منذ عام 1958، على رأس وفد يضم نحو خمسين من علماء المسلمين من 14 دولة، وحظي الوفد باستقبال رسمي كبير من لفيف من كبار قادة حماس يتقدمهم إسماعيل هنية رئيس الحكومة في حينه، داخل معبر رفح.


ووصفت حركة حماس في بيان صحافي هذه الزيارة بأنها "تاريخية".


وقال القرضاوي، في كلمة خلال مؤتمر صحافي عقده في المعبر: "أصبحنا في موسم جديد وعهد جديد للأمة، نحن الآن في غزة التي لم أزرها منذ عام 1958، نريد أن نجدد العهد مع أبناء هذا البلد كلها أبناء فلسطين جميعا من أجل تحرير فلسطين، كلنا نعمل من أجل تحرير كل فلسطين".


وتابع "كل طموحنا أن نموت في سبيل الله وأن تحيا فلسطين، نحن مع هذا الشعب الكريم الذي ضحى في كل ما خاض وانتصر، إنني على يقين أننا سننتصر. ما كان أحد يظن أن تنتصر الشعوب وتطرد هؤلاء الطغاة الذين حكموها في مصر وتونس، وستنتصر سوريا أيضا وسينتصر الإسلام".


مواقف حازمة


وعرف القرضاوي بمواقفه الحازمة في دعم المقاومة في فلسطين، وتجريم التسوية مع الاحتلال، ومناهضة التطبيع. وخلال الحروب على غزة، والاعتدءات على القدس والضفة كان صوتًا للحق ناصرًا وحاشدًا للدعم والنصرة بلا توقف.


وأنشد القرضاوي العديد من القصائد لفلسطين، منها قصيدة «نشيد العودة»، يقول فيها:


أنا عائد، أقسمت إني عائدُ والحقُّ يشهد لي، ونِعْمَ الشاهدُ


ومعي القذيفة والكتاب الخالد ويقودني الإيمان نعم القائد


لغة الدِّما لغتي، وليس سوى الدِّما أنا عن فنون القول أغلقت الفما


وتركت للرشاش أن يتكلما ليحيل أوكار العدو جهنما


نعي حماس وهنية


وفي بيان نعيه استذكر قائد حماس، إسماعيل هنية، "مواقفه تجاه فلسطين والقدس والأقصى، ودعمه لحقوق شعبنا ونصرته بالكلمة الصادقة والمواقف والفتاوى والمؤلفات المتعددة، وتأكيده بنفسه وبأعماله وماله أن دور العلماء هو قيادة الأمة وتحمل مسؤولياتهم الشرعية تجاه فلسطين ومقاومتها، بل وزار فلسطين مرابطا وإماما وشيخا وعالماً وكاسراً لحصار غزة".


أما حركة حماس، فقالت: إن الإمام الراحل حمل خلال حياته الحافلة بالجهاد والتضحية والفكر والدَّعوة والتّربية، لواء الدّفاع عن قضية فلسطين، وفي القلب منها القدس والمسجد الأقصى، في كلّ الميادين والمناسبات والمحافل واللقاءات والمؤتمرات، وفي كلّ أصقاع الدنيا، منافحاً ومناصراً وموجّها ومدافعاً عنها، يحشد طاقات الأمَّة ويجمعها ويوجّهها، بالقلم واللّسان، بالفكر والبيان، يبذل جهده وماله ووقته وفكره، في دعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته