قالت وكالة "بلومبيرج" الأمريكية، إن المستثمرين الأجانب طالبوا حكومة الانقلاب في مصر بتخفيض عملتها المحلية مجددًا قبل عودتهم إلى أسواقها مرة أخرى، وذلك بعد خمسة أشهر من آخر تخفيض في قيمة الجنيه.

وأشارت الوكالة في تقريرها إلى أن مصر أصبحت وجهة رئيسة للأموال الساخنة من خلال ربط عملتها بالدولار وامتلاك أحد أعلى معدلات الفائدة في العالم بعد احتساب التضخم، وفقًا لـ"عربي21".

ويقول المستثمرون، بحسب الوكالة، إن البنك المركزي بحاجة إلى إضعاف العملة مجددًا قبل عودة المستثمرين الأجانب إلى الأسواق، وذلك بعد سحب نحو 20 مليار دولار من سوق الدين المحلي منذ بداية العام. لكن البنك المركزي نفى احتمال حدوث جولة ثانية من تخفيض قيمة العملة.

ونقلت "بلومبيرج"، عن رئيس الديون السيادية للأسواق الناشئة في شركة "أبردين" في لندن، إدوين غوتيريز، قوله إن "القاهرة يجب أن تتقبل فكرة تخفيض قيمة عملتها أكثر. فلا أحد يريد الدخول بتعديل غير كامل لسوق العملات الأجنبية".

واعتبرت الوكالة أن تباين الآراء بشأن تخفيض قيمة الجنيه يعد علامة على التحديات التي تنتظر الاقتصاد.

وفي ظل تقلب تدفقات رأس المال العالمية، بحثت السلطات عن الاستثمار والودائع من حلفائها الخليجيين الأثرياء بينما تشكك في الاعتماد على تجارة المناقلة (التجارة بالفائدة) التي كانت تدر سابقًا أرباحًا للبلاد.

وتحتاج مصر، بحسب "بلومبيرج"، إلى استعادة ثقة المستثمرين مرة أخرى في خضم ما تسببه صدمات الطاقة والغذاء جراء الغزو الروسي لأوكرانيا من ضغط على مواردها المالية. ومع إغلاق أسواق رأس المال الخارجية، تسعى الحكومة للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي الذي يفضل سعر صرف أكثر مرونة.

دفعت ضغوط الأسعار بالفعل المعدلات الحقيقية للبلاد إلى ما دون الصفر، إذ فقدت السندات المحلية 2.3% من قيمتها هذا الشهر مما يجعل أداءها الأسوأ في الأسواق الناشئة بعد ديون الأرجنتين، وذلك وفقًا لمؤشرات بلومبيرج.

وفي محاولة لطمأنة المستثمرين، نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن نائب محافظ البنك جمال نجم نفي أي خطط لتعويم العملة قائلًا إن مصر تتمتع باحتياطيات قوية من النقد الأجنبي بينما ساعدت قرارات تنظيم الواردات في التغلب على فجوة الدولار في البلاد.

ومن بين دلائل عودة الإقبال على الأصول المحلية، ارتفاع الحيازات الأجنبية من سندات الخزينة المصرية في يونيو للمرة الأولى منذ فبراير على الأقل وفقًا لما تظهره أحدث البيانات الرسمية.

 

ما حقيقة توقعات تعويم الجنيه؟

صرحت حكومة الانقلاب في مارس بأنها لجأت إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد. وقد أسهمت التكهنات بشأن مطالبة هذه الجهة المقرضة بقدر أكبر من مرونة العملة كجزء من الشروط المرتبطة بالحصول على حزمة جديدة من القروض في تخفيض قيمة العملة إلى مستوى قياسي.

صرح بول غرير، مدير الأموال في "فيديليتي إنترناشيونال" التي تتخذ من لندن مقرًا لها، الذي يدرك خطورة تراجع الجنيه والديون المحلية بأن "البيان الأخير من صندوق النقد الدولي لمّح إلى استياء واضح من افتقار سعر الصرف إلى المرونة قبل أي برنامج قرض جديد محتمل. وتحقيقًا لهذه الغاية، نتوقع أن يواصل المصريون إضعاف عملتهم".

 

إلى أي مستوى يمكن تخفيض قيمة الجنيه؟

تختلف الآراء بشأن هذه النقطة. تحتاج العملة إلى التراجع بنحو 23% لمساعدة الاقتصاد على التكيف وتقليص فجوة التمويل في مصر، وذلك وفقًا لبلومبيرج إيكونوميكس.

يجادل كل من بنك دويتشه إيه جي ومجموعة غولدمان ساكس، بناءً على سعر الصرف الفعلي الحقيقي، بأن قيمة الجنية مبالغ في تقديرها بنحو 10%، في حين يعتقد بنك سيتي جروب أن العملة مقوّمة بأعلى من قيمتها الحقيقية بنسبة 5%.

رغم تراجع قيمة العملة بأكثر من 15 بالمئة في مارس، إلا أن ارتفاع الدولار الأمريكي منذ ذلك الحين قد أثّر على عملات الشركاء التجاريين لمصر وغيرهم من الأقران في البلدان النامية لا سيما أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي لا ينفك عن الترفيع في أسعار الفائدة.

وبدلًا من توقع وصول الجنيه إلى أي مستويات محددة، يبحث المستثمرون عن "مجرد حركة في الاتجاه الصحيح من شأنها أن تمنح صفقة صندوق النقد الدولي دفعة وتعطي المستثمرين الثقة في أن نزيف أسعار صرف العملات الأجنبية سيتلاشى"، وذلك حسب شركة أبردين التابعة لغوتيريز.

 

لماذا تحجم مصر عن خفض قيمة عملتها؟

من شأن إضعاف الجنيه أن يساعد في تخفيف الضغط على ميزان المدفوعات في مصر وجعل فجوة التمويل أكثر قابلية للإدارة، إلا أنه سيؤدي أيضًا إلى ارتفاع معدلات التضخم.

من جهته، يرجّح بنك دويتشه أن تميل مصر إلى خفض قيمة عملتها تدريجيًا إذا تضمنت صفقة صندوق النقد الدولي التزامًا بمزيد من المرونة في سعر الصرف. وحسب ما ذكره آنا فريدمان وكريستيان ويتوسكا من دويتشه بنك ريسيرش في تقرير فإن "البنك المركزي يواجه تحديًا صعبًا وموازنة أصعب".