تتواصل في مصر أصداء أزمة ارتفاع وتشابه نتائج أبناء العائلات والنواب بالبرلمان في الصعيد في شهادة الثانوية العامة، ما دفع وزارة التربية والتعليم إلى التحقيق في ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات بأسماء ونتائج عشرات الطلاب بالثانوية العامة من أبناء عائلات كبيرة بالصعيد ويمثلهم العديد من النواب في البرلمان وقد حصلوا على درجات مرتفعة ومتشابهة في العديد من الإدارات المدرسية وسط انتقادات واسعة.

وأعلنت مصر قبل أيام نتيجة الثانوية العامة للعام الدراسي 2021-2022، وبلغت نسبة النجاح العامة نحو 75%، وبلغ عدد طلاب الثانوية العامة الإجمالي لنفس العام نحو 649 ألفا و387 طالبًا وطالبة لجميع الشعب العلمي بفرعيه والأدبي.

أزمة رأي عام خطيرة

ارتفاع الأصوات على مواقع التواصل الاجتماعي بضرورة التحقيق في واقعة ما باتت تعرف بمدارس الكعب العالي دفعت وزارة التربية والتعليم إلى إصدار بيان قالت فيه "إنها رصدت منشورات متنوعة على مواقع السوشيال ميديا لمدارس في محافظات الصعيد بأسماء عائلات معروفة وأبنائها في الثانوية العامة ونتائجهم".

وأضافت: "وتؤكد الوزارة أنها تقوم بالتحقق من دقة المعلومات المنشورة وخلفياتها، وقد تم تشكيل لجنة قانونية للتحقيق في هذه الادعاءات وغيرها وفي سير نظام الامتحانات في هذه اللجان وسوف تتخذ الوزارة الإجراءات القانونية الرادعة في حال ثبوت مخالفات للقانون من أي عنصر في المنظومة التعليمية أو من مروجي معلومات مغرضة".

ووصف البعض الأزمة بقضية رأي عام خطيرة لا ينبغي السكوت عليها، وعلى الدولة أن لا تكتفي بالتحقيق الداخلي بوزارة التربية والتعليم بل يجب أن تتدخل النيابة العامة للتحقيق في الواقعة، مشيرين إلى أن الوزير مغترب عن الواقع.

قوة السوشيال ميديا

وكشف مصدر مسؤول بوزارة التربية والتعليم، أنَّ التحقيقات التي تجريها الوزارة حول نتائج بعض طلاب الثانوية العامة في صعيد مصر تتمّ على مستوى عال، لافتًا إلى أن نتيجة التحقيقات وحدها ستكون الفيصل، لكن التحقيق في مثل هذه الوقائع يأخذ بعض الوقت.

وأوضح في تصريحات صحفية، أنَّ الوزارة لن تتردد في وقف إجراءات نجاح الطلاب إذا تأكدت من حدوث وقائع غش جماعي في هذه اللجان، وهذا إجراء قانوني بحت، ويحق للوزارة فعل ذلك، ولن تصمت على وقائع مثبتة بحدوث الغش، على حد قوله.

وكان وزير التربية والتعليم، طارق شوقي، المقال اليوم، قد أصدر قرارًا بعدم قبول أي تحويلات مدارس رسمية أو خاصة إلى إدارات محددة بمحافظات كفر الشيخ وأسيوط وسوهاج وأسوان وقنا من منطلق ترسيخ تكافؤ الفرص.

جاء ذلك بناءً على ما لوحظ من كثرة طلبات تحويل طلاب الثانوية العامة من جميع أنحاء الجمهورية لأداء الامتحانات داخل لجان السير التابعة لبعض الإدارات التعليمية بأعداد كبيرة بالمخالفة للسعات الاستيعابية المقررة للمدارس، وفقا لبيان الوزير.

ودأب أبناء العائلات والمسؤولين والنواب على التحويل إلى إدارات تعليمية بعينها لأداء امتحانات الثانوية العامة ببعض المحافظات، من أجل تسهيل عمليات الغش والحصول على مجاميع مرتفعة لا تتناسب مع تحصيلهم الدراسي في ظاهرة تتكرر كل عام.

"مدارس الكعب العالي"

لم تغب القضية عن أروقة البرلمان الذي ناقش الأزمة، على استحياء من قبل بعض النواب، وأعرب النائب هشام الجاهل عن صدمته قائلًا: "فور إعلان النتائج صدمتنا المواقع وصفحات السوشيال ميديا بوقائع صادمة، أبرزها مدارس الكعب العالي، حيث نجد أكثر من 100 طالب بلجنة واحدة وبأرقام متسلسلة متتالية جميعهم تخطى مجموعها 90%، وطلاب من عائلات معينة بلجان تم تفصيلها تخطى مجموعهم الـ90% أيضًا".

وتابع في تصريحات صحفية: "ونماذج عديدة تؤكد غياب العدالة وباعتراف الوزارة نفسها، والتي نشرت في الثالث من الشهر الجاري بيانًا بمنع التحويل إلى إدارات محددة بمحافظات كفر الشيخ وأسيوط وسوهاج بناء على مذكرة مقدمة من الدكتور رضا حجازي، نائب الوزير، (الذ صدر قرار بتعيينه وزيرًا للتعليم اليوم) وكما جاء بالبيان أن القرار جاء لترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب - وهذا يدل على غياب هذا المبدأ- باعتراف الرجل الثاني في الوزارة والمسؤول عن امتحانات الثانوية العامة".

"فنكوش وفساد التعليم"

واتهم رئيس حزب الجيل، ناجي الشهابي، وزير التعليم بتدمير العملية التعليمية في البلاد، ووصفها بأنها "فنكوش" جديد، لافتًا إلى ما تم تداوله بانتشار الغش الجماعي في لجان الامتحانات في محافظات مصر، ولكن الذي تميز به الغش الجماعي هذا العام هو انتشاره في لجان امتحان تضم أبناء بعض الأسر العريقة المعروفة في إحدى محافظات الصعيد.

وأضاف في منشور له على صفحته الشخصية "فيسبوك" أن حصول جميع أبنائها على نسب مرتفعة تزيد عن 90% ونشر أسماء أبناء تلك الأسر الحاصلين على نسبة متقاربة تزيد عن 90% طرح سؤالا فرض نفسه: كيف تم إنشاء هذه اللجان الامتحانية التي تضم أبناء أسرة واحدة؟!! وطبعا رائحة الفساد تزكمنا جميعًا وهذا الفساد يجعلنا نطرح سؤالًا آخر.

في سياق تعليقه على تلك الواقعة التي تتكرر ودور وسائل التواصل في دفع وزارة التربية والتعليم إلى فتح تحقيق عاجل وإصدار قرار غير مسبوق بإلغاء اللجان الخاصة، يقول الأكاديمي والمستشار الإعلامي، الدكتور أحمد عبد العزيز، "بعد أن أهينت "صاحبة الجلالة" وأنزِلت عن عرشها منذ انقلاب 3 يوليو 2013، أصبحت السوشيال ميديا هي السلطة الرابعة في مصر بلا منازع، ولا أجدني مبالغًا إذا قلت إنها أضحت السلطة "الثانية" بعدما ابتلعت السلطة التنفيذية السلطتين التشريعية والقضائية في زمن السيسي!"، وفقًا لـ"عربي 21".

وأضاف "فما عادت المطربة آمال ماهر إلى الأضواء بعد اختفاء قسري دام سنوات إلا بقوة السوشيال ميديا، وما رحل تركي آل الشيخ عن مصر مذمومًا مدحورًا إلا تحت وطأة ضربات السوشيال ميديا، وهي "السلطة" التي جعلت السيسي يصرخ (في أكثر من مناسبة) من وقع وسومها الساخرة منه والمهينة له، على نحو لم يتعرض له (من قبل) المتربع على السلطة في مصر".

أما بشأن النتائج "المذهلة" لشهادة الثانوية العامة التي تشي من أول نظرة عليها بأنها "مزورة"، يؤكد عبد العزيز "أن السوشيال ميديا لم تكشف هذه الفضيحة وحسب، بل كشفت سوءة ذلك النظام الذي صارت المحسوبية عموده الفقري ولحمه ودمه، وليس أدل على ذلك من بقاء وزيرة الصحة في منصبها بعد فضيحة فسادها التي أثارتها السوشيال ميديا أيضًا، غير أن الوزيرة تتمتع (على ما يبدو) بحصانة "خاصة" من السيسي أبعدتها عن إجراءات التحقيق، وحفظت لها منصبها الوزاري، رغم أنها لا تباشر عملها وليست في إجازة، وما كان ذلك ليصل إلى الجمهور إلا عن طريق السوشيال ميديا..".