بقلوب خاشعة، وأعين دامعة، وألسنة بالذكر دائمة، بدأ حجاج بيت الله الحرام بالتوافد، صباح اليوم الخميس الثامن من شهر ذي الحجة 1443هـ، إلى مشعر منى لقضاء يوم التروية تقربًا لله تعالى، راجين منه القبول والمغفرة، متبعين ومقتدين بسنة نبيهم محمد (صلى الله عليه وسلم)، مكثرين من التلبية والتسبيح والتكبير، في صورة روحانية وإيمانية بديعة، ولسان حالهم يقول: "ربنا جئناك تائبين فلا تردنا خائبين".

سبب تسميته بـ"التروية"

يوم التروية هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وسمي بهذا الاسم لأن الناس كانوا يرتوون فيه من الماء في مكة، ويخرجون به إلى منى حيث كان معدومًا في تلك الأيام ليكفيهم حتى اليوم الأخير من أيام الحج.

وقيل إنه سُمِّي بهذا الاسم لأن الحجاج كانوا يروون فيه من الماء من أجل ما بعده من أيام؛ قال العلامة البابرتي في "العناية شرح الهداية" (2/ 467): [وَقِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ بِالْمَاءِ مِنْ الْعَطَشِ فِي هَذَا الْيَوْمِ يَحْمِلُونَ الْمَاءَ بِالرَّوَايَا إلَى عَرَفَاتٍ وَمِنًى] اهـ.

وقيل سمي بذلك لأن الله أرى إبراهيم المناسك في ذلك اليوم.

وقيل سُمِّي بذلك لحصول التروي فيه من إبراهيم في ذبح ولده إسماعيل (عليهما السلام)؛ قال العلامة العيني في «البناية شرح الهداية» (4/ 211): "وإنما سمي يوم التروية بذلك؛ لأن إبراهيم (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ) رأى ليلة الثامن كأنَّ قائلًا يقول له: «إن الله تعالى يأمرك بذبح ابنك»، فلما أصبح رؤي، أي: افتكر في ذلك من الصباح إلى الرواح؛ أمِنَ الله هذا، أم من الشيطان؟ فمِن ذلك سمي يوم التروية.

أعمال يوم التروية

بالنسبة للحاج المقرن والمفرد فهما يبقيان على إحرامهما من الميقات، أما الحاج المتمتع فيحرم بالحج، والمستحب أن يحرم به صباحًا قبل الزوال، يتوجه الحاج بعد ذلك إلى مشعر منى لقضاء هذا اليوم والمبيت بها بعد التنسيق مع مطوفي الحجاج، والمبيت في منى سُنَّة وليس واجبًا؛ بمعنى أن الحاج لو تقدم إلى عرفة ولم يبت في منى في ليلة التاسع فلا حرج عليه.

ومن أعمال يوم التروية النزول في مِنى، فيتوجه الحج إلى مِنى لينزل فيها تحضيرًا لإتمام مناسك الحج، وكذلك من أعمال يوم التروية الصلاة: يصلي الحجاج الصلوات الخمس على أوقاتها قصرًا وليس جمعًا، فيصلي الظهر ركعتين والعصر ركعتين والعشاء ركعتين، أما الفجر والمغرب فلا يجوز قصرهما.

ويبيت الحجاج في منى ليلة التاسع من ذي الحجة وهذا من السنة، إذ إنه ليس بواجب، وأيضًا من أعمال يوم التروية الذكر والتكبير والتهليل والتحميد، ويستمر الحجّاج بالتلبية «"لبيك اللهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لكَ والمُلك لا شريك لك».

دعاء يوم التروية

دعاء يوم التروية..  يوم التروية من أفضل أيام السنة لوقوعه ضمن العشر الاوائل من ذي الحجة ويسبق يوم عرفة ركن الحج الأعظم ومقصوده، فينبغي على كل إنسان استغلال هذا اليوم في ذكر الله ودعاء يوم عرفة وفي قراءة القرآن، ويدعو بأنواع الأدعية، ويأتي بأنواع الأذكار، ويدعو لنفسه، ويذكّر في كلّ مكان، ويدعو منفردًا وفي جماعة، ويدعو لنفسه ووالديه وأولاده وأقاربه وأصحابه وأصدقائه وأحبابه وسائر من أحسن إليه وجميع أفراد المسلمين، ويدعو بما يشاء من حوائج الدنيا والآخرة وأن يكون قلبه حاضر وقت الدعاء، ويستحب الإكثار من الذكر والدعاء فى هذا اليوم.

وهناك من الأدعية في يوم التروية ما يدعو بها حجاج بيت الله الحرام ومنها:

- "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعفُ عنا واغفر لنا وارحمنا".

- أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

- اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم يسرني لليسرى وجنبني العسرى، وارزقني طاعتك ما أبقيتني.

- اللهم إني أسألك بفضلك وعظمتك وجلالك وهيبتك وجبروتك وقوتك وبأسمائك الحسنى، وصفاتك العلى أن تفرج عنا ما نحن فيه وأن تقدر لنا الخير فيما نريده وننويه.

- اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر، اللهم إني أعوذ بك من شر ما يجئ به الريح.

- اللهم اكفني بحلالك عن حرامك واغنني بفضلك عمن سواك، ونور قلبي وقبري، واغفر لي من الشر كله، واجمع لي الخير.

- ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعفُ عنا واغفر لنا وارحمنا.

- اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً كبيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني رحمة أسعد بها في الدارين وتب على توبة نصوحاً لا أنكثها أبداً وألزمني سبيل الاستقامة لا أزيغ عنها أبداً.

- اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيراً مما نقول، اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإليك مآبي ولك رب تراثي.

حكم من لم يذهب لـ منى يوم التروية

ومن لم يذهب في يوم التروية لا شيء عليه؛ لأنه هيئة من هيئات الحج، لا هي فرض، ولا هي واجب؛ إنما هي سُنَّة وهيئة، موضحًا أنه بعد ذلك سواء من كان في مكة (كمن لم يذهب إلى مِنى للزحام) أو كان في مِنى وأصبح الآن في اليوم التاسع وهو يوم عرفة فإنه يتحرك إلى عرفة بحيث إنه يظهر إليها قبيل الظهر؛ لأن وقت الوقوف عند جماهير الأمة يبدأ.