علي أبو هميلة


عندما أطلق القناص رصاصة بندقيته في الجزء الذي لا يحميه قميص شيرين أبو عاقلة ولا خوذتها، كان يظن ويعتقد أنه يمنح للاحتلال شرعيته، كان يقتل الصوت الذي يقلق منام كل أفراد الاحتلال، لأنه يزلزل شرعيته الموهومة، يعتقد فاقدو الشرعية دائمًا أن صمت الكلمات يؤكد شرعيتهم، ويمنحهم أمانهم المفقود، والذي لن يتمتعوا به طالما عاشوا، فلا صمت شيرين يمنح الاحتلال الصهيوني شرعية اغتصابه أرضنا في فلسطين، ولا سجن الصحفيين يمنح الطغاة شرعية حكم في أوطان يحكمها مستبدون بالنار والحديد، فها هي الأيام تأتينا بحكم في مصر على الزميل أحمد طه المذيع بقناة الجزيرة 15 عامًا، وما جريمة طه؟ سوى أنه أدى عمله مذيعًا بإجراء حوار مع سياسي في حجم مرشح رئاسي، وحصد ملايين الأصوات في أول انتخابات رئاسية بعد ثورة يناير في عام 2011، ورئيس حزب سياسي (مصر القوية)، ولم يكن لمذيع الجزيرة الشهير سوى الكلمة، تلك الكلمة التي لطالما زلزلت عروش الحاكم الديكتاتور.


عداء مع الكلمات


يطارد المستبد وأعوانه الكلمات في كل زمان ومكان يريدون صمت المحكومين، وبينما كانت الكلمة تصدر عن فئة قليلة من المحكومين في زمن مضى مثال كلمة المفكرين والزعماء، فما كانت رسالة الأنبياء سوى كلمة، فعيسى عليه السلام كان كلمة لقومه، وموسى وهارون كانت جريمتهما في نظر الفرعون كلمة حتى أن أمر الله لهما (فقولا له قولًا ليّنًا لعله يتذكر أو يخشى)، وكانت رسالتهما لبني إسرائيل الكلمة، وكان الإسلام رسالة سيدنا محمد للعالم كلمة، بل معجزة الكلمة، وتحدى الله سبحانه وتعالى الكفار أن يأتوا بسورة من مثله.


العقاب على مساحة نفس


أحيانًا أتساءل بيني وعقلي: ماذا يريد الحاكم حينما يستتب له الأمر وتصبح كل مؤسسات الدولة طوع يديه؟ لماذا يصر على جعل شعبه صامتًا لا يتحدث إلا فيما يرى هو؟ لمَ يزعجه أن يتكلم أحد أفراد شعبه كلامًا منمقًا ومرتبًا فيصدق نفسه ويصدقه الناس؟ هل يشعر بشرعية مهزوزة؟ غير مستقرة، لماذا يعادون الكلمات ويجرمونها؟


كانت جريمة عبد المنعم أبو الفتوح المرشح الرئاسي السابق ورئيس الحزب الشرعي حوارًا مع شبكة الجزيرة أي الكلمة، كان من الممكن ألا يعود من لندن، لكنه أصر على عودته إلى وطنه، فكان جزاء الكلمة الحكم بالسجن 15 عامًا، وبعدها 5 أعوام مراقبة، وهو الرجل الذي يبلغ من العمر 70 عامًا.


وما كانت جريمة علاء عبد الفتاح وزياد العليمي وهشام فؤاد ومحمد القصاص وهالة فهمي وصفاء الكوربيجي وعبد الناصر سلامة ورباعي الجزيرة هشام عبد العزيز وربيع السيد وبهاء إبراهيم وأحمد النجدي؟ سوى الكلمة وكل المعتقلين سواء بحبس احتياطي أو من حكم عليهم من السياسيين والإعلاميين والصحفيين كانت جريمتهم الكلمة.


فرحة ينقصها الفرحة


نسعد بخروج أي سجين للكلمة فرحت جدًا بصدور قرارات إفراج من النيابات لعدد من معتقلي الرأي خلال الأيام الماضية، فرحت كثيرًا بخروج الصديق حسام مؤنس، فحسام شاب مصري فيه أمل كبير، وأنتظر الآن وصول الصديق النبيل يحيى حسين عبد الهادي العميد السابق في القوات المسلحة ومدير مركز إعداد القادة والمتحدث الرسمي للحركة المدنية للتغيير، وكان يحيى من الداعين دائمًا إلى وحدة كل التيارات السياسية، وإلى التسامح وإعادة اللحمة للوطن بعد أن استطاعوا تمزيق النسيج الوطني، ولم تكن ليحيى جريمة سوى مقال في صفحته على فيسبوك، الحكم على حسام مؤنس ويحيى حسين ثم العفو عنهما يعطى إحساسًا بفرحة ليس فيها إحساس الفرحة، حتى لو كان الحكم على عبد المنعم أبو الفتوح يجعل للناس أملًا في صدور عفو عنهم، فإن هذا لا يمنع أن عفو الحاكم ومنحته تجرّم الكلمة والحوار، وتجرّم أداء الإعلامي لعمله.


تحسس حروفك حين تكتب الكلمات


لأن الديكتاتورية ترهبها الكلمة فقد ناصبوها العداء بحثًا عن صمت القبور، ولاحقوا أصحاب الكلمة في كل نفس، فصارت القاعدة تحسس حروف كتاباتك حين تطل على أي وسيلة نشر لتكتب، حتى إن كنت تريد أن تكتب عن الطعام الذي تناولته على الغذاء، ويظن الساكن في القصور الفخمة أن هذه الحالة كفيلة بتحقيق أمنه وبقائه على كرسي السلطة أبدًا، لكنه لا يدري أن الكلمة لا تقف عند حدود، وستخرج مزلزلة شرعيته وهادمة لقصور الرمال التي بنيت على غير رضا الشعوب، وستظل كلمات من قتلوا أو سجنوا نافية لشرعية الاحتلال على أرضنا العربية في فلسطين حتى تتحرر، ستبقي صورة شيرين أبو عاقلة وشهداء فلسطين طريق النصر.


نقلا عن : الجزيرة مباشر