بدأ وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، زيارة إلى الرياض، أمس الثلاثاء 31 مايو، حيث التقى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان الذي أكد أن بلاده على استعداد لبذل الجهود اللازمة للإسهام في التوصل إلى حل سياسي للأزمة الأوكرانية.

واجتمع لافروف، اليوم الأربعاء، في الرياض مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، وفقًا لما نقلته وكالة "رويترز".

والتزمت دول الخليج الحياد في الصراع الروسي- الأوكراني. وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية، أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن تحدث هاتفيًا مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، الاثنين، ملقيًا الضوء على أهمية الدعم الدولي لأوكرانيا.

وقال وزير الخارجية العماني في تصريحات نشرتها وزارة الخارجية، السبت، إن الأزمة تتطلب حلًا أوروبيًا، وإن نهج "معنا أو ضدنا" لن يجدي نفعًا.

ضربة استباقية

يقول الكاتب الصحافي ورئيس تحرير موقع "رأي اليوم"، عبد الباري عطوان، إن لافروف وصل إلى الرياض في زيارة مفاجئة لم تكن مدرجة مسبقًا على جدول الأعمال، وهي تعكس ضربة استباقية روسية سياسية واقتصادية للزيارة التي يخطط الرئيس الأمريكي جو بايدن للقيام بها ربما منتصف هذا الشهر إلى المنطقة، ولقاء الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي في تنازل مهين من قبله، والرضوخ بالتالي لمعظم شروطه ومطالبه، ودون وجود أي ضمانات مسبقة بقبولها.

اتفاق أوبك

واختار لافروف توقيت هذا اللقاء بعناية فائقة، كما يقول عطوان، في مقال له، فهو يُعقد قبل يوم واحد من اجتماع وزراء نفط منظمة “أوبك” في فيينا لبحث مراجعة واحتمال تجديد اتفاق “أوبك بلس” وهو الاتفاق الذي أدى إلى ارتفاع أسعار النفط حتى قبل وصولها إلى أرقام قياسية بسبب الحرب في أوكرانيا والعقوبات الأمريكية على الغاز والنفط الروسيين (سعر برميل النفط وصل اليوم 120 دولارًا).

تعزيز “صمود” دول الخليج

ويتابع عطوان أن من أهداف هذه الزيارة تعزيز “صمود” دول الخليج في مواجهة الضغوط والاستجداءات الأمريكية بزيادة كبيرة في إنتاج النفط من أجل تخفيض أسعاره، لأن استمرار ارتفاعها بات يشكل تهديدًا للاقتصاديات الغربية، وربما تفجير احتجاجات داخلية، خاصة في أمريكا حيث بدأت أصوات التذمر تتعالى ضد بايدن بسبب ارتفاع (البنزين) بأرقام غير مسبوقة، الأمر الذي قد يدفع ثمنه الرئيس الأمريكي وحزبه الديمقراطي في الانتخابات النصفية في شهر نوفمبر المقبل على شكل خسارة كبيرة في الكونجرس.

ومن وجهة نظره؛ فإن فرص نجاح الدبلوماسية الروسية في إقناع دول الخليج بالتمسك باتفاق “أوبك بلس” وعدم الرضوخ للضغوط الأمريكية بزيادة الإنتاج تبدو كبيرة؛ لأن ثقة هذه الدول بالإدارة الأمريكية تتراجع بشكل سريع، مضافًا إلى ذلك أن تطورات الأوضاع في أوكرانيا عسكريًا تصب في مصلحة الروس حتى الآن على الأقل بعد دخول هذه الحرب شهرها الرابع.

بديل أمريكا

وفرضت أحداث الغزو الروسي لأوكرانيا نفسها، لترى دول الخليج أن عدم تدخل أمريكا عسكريًا، وبشكل مباشر (إرسال جنود وحاملات طائرات وغواصات) إلى أوكرانيا، والفشل في منع الاجتياح الروسي لها، وتعثر العقوبات الغربية ضد روسيا بسبب الخلاف الأوروبي حول معظمها، وخاصة وقف استيراد الغاز والنفط الروسيين، كلها عوامل جعلت حكومات الخليج تفقد الأمل في الحليف الأمريكي وقدرته على حمايتها، ووجدت في روسيا والصين البديل المناسب، كما يقول عطوان.

تبديد المخاوف

وقد يكون من أهداف زيارة لافروف لمعظم عواصم المنطقة هو تحسين علاقاتها وتبديد مخاوفها مع إيران، والتوسط لإيجاد حل دائم ينهي الحرب اليمنية، فروسيا تقيم علاقات جيدة مع جميع الأطراف اليمنية إلى جانب كل من إيران والعراق وسورية وحزب الله في لبنان.

العصر الروسي

وربما تريد روسيا أن تضع لها قدمًا ثابتة في المنطقة، كما يقول رئيس تحرير موقع "رأي اليوم"؛ فمن وجهة نظره أن الزمن الأمريكي في الهيمنة على منطقة الخليج ونفطها يقترب من نهايته بعد حوالي بدايتها، ولا نستبعد أن تكون زيارة لافروف الحالية للرياض ربما تكون بداية العصر الروسي ليس في الخليج فقط وإنما في منطقة الشرق الأوسط أيضًا، وعلينا أن نتذكر أن مصر من أكبر الداعمين لهذا التغيير، وفتح القنوات مع موسكو، وأن لافروف قام بزيارتين واحدة للجزائر والثانية لمسقط والمنامة، قبل أن يتوجه إلى الرياض.

أمريكا تراقب هذه الحركة الدبلوماسية الروسية النشطة والذكية بعناية فائقة، وتعض أصابع الندم على اتباع سياسات تتسم بالغطرسة والغرور والاستمرار في رؤية المنطقة من العين الإسرائيلية فقط، ولا نعتقد أن هناك فرصة “لترميم” هذه الأخطاء، وإعادة العلاقات إلى صورتها “التحالفية” القوية السابقة، فما قبل حرب أوكرانيا يختلف كثيرًا عن ما بعدها.