ينبغي التخطيط والترتيب والاهتمام بأيام العيد، فالمسلم لا يفهم أن تربيته لأبنائه هي مجرد تأمين حوائجهم المادية فقط ولكنه يفهم ويوقن أنه من تمام تربيتهم ورعايتهم الاهتمام بتربية خلقهم ومداركهم، ويمكن أن نقترح بعض الملامح لبرنامج العيد في صحبة الأهل، وهو أمر يتسع للابتكار:

1 - احتساب النية في تلك الأيام لله عز وجل في إسعاد الزوجة والأبناء:

فإدخال السرور على مسلم من موجبات رحمة الله للعبد، فالجزاء من جنس العمل، ولنتذكر كيف تسابق المسلمون لإبلاغ كعب بن مالك بالبشارة، فأسرع صحابي بكل قوته ليبشره بعفو الله عنه وصدره يمتلىء حبًا وفرحًا وسعادة وسرورًا، في حين بادر غيره فصعد على جبل سلع مناديًا بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر..

وروى الإمام الطبراني: "إن أحب الأعمال إلى الله تعالى بعد الفرائض: إدخال السرور على المسلم، كسوت عورته، أو أشبعت جوعته، أو قضيت حاجته".

وللطبراني أيضًا عن عائشة (رضي الله عنها): "من أدخل على أهل بيت من المسلمين سرورًا لم يرض الله ثوابًا دون الجنة".

وله عن أنس (رضي الله عنه) قال: "مَن لَقيَ أخاهُ المُسلِمَ بِما يُحِبّ لِيَسُرَّهُ بِذلك، سَرّهُ اللّهُ عزّ وجَلّ يومَ القِيامةِ".

 فإذا كان هذا الأجر العظيم لعموم في إدخال السرور على عموم المسلمين، فكيف إذا كان أهل ذلك البيت هم أهل بيتك فهذا أعظم أجرًا.

2 - تفرغ ما استطعت في هذه الأيام من عملك وشواغل قلبك عن أهل بيتك:

فهم أولى بك في تلك الأيام، ولا تجعلها أيام نوم وكسل وخمول، وأيضًا لا تجعلها أيام عمل فمن الناس من يدخر أعمالًا لأيام العيد لينجزها في بيته كمراجعة الحسابات المادية وغيرها، ويسرف على نفسه، ويضيع حق رعيته، فاعتبر نفسك في عمل أخروي جاد تؤجر عنه كثيرًا بإذن الله.

3 - وسِّع على أبنائك في النفقة المعتادة في تلك الأيام بحسب قدرتك:

فالطفل لا يستوعب الجوانب المعنوية بقدر ما يستوعبها مترجمة في أشياء مادية محسوسة، فيجتهد كل منا أن يهدي زوجته وطفله شيئًا خاصًا بكل منهم في العيد بحسب قدرة كل منا، ولنتذكر حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) على الهدية التي تؤلف القلوب وأولى الناس بالرجل أهل بيته.

4 - التجمل في العيد وشراء الجديد من الثياب:

فعن ابن عمر (رضي الله عنه)، قال: أخذ عمر حبة من استبرق تباع في السوق، فأخذها فأتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال يا رسول الله: "ابتع هذه تجمل بها في العيد والوفود" (متفق عليه).

5 - أكثر من الزيارات أو الخروج من البيت بصحبة الأهل في العيد للنزهة بحسب استطاعتك لكسر الملل:

فتغيير المكان يؤثر في النفوس، إذ تتجدد طاقات الحب بين الجميع بالمصاحبة والزيارة والمعايشة، فالخروج الجماعي بالأسرة يزيدها ترابطًا وحبًا، ولا تؤثر قرابتك بزيارتك فقط بل اجتهد أن يكون في جدولك زيارة أقارب زوجتك؛ لأن ذلك يسعدها ويشعرها بتقديرك لها.

فكرة جديدة لهدية العيد:

في كل عيد يتبادل الأقرباء الزيارات والهدايا، ويحرصون على اللقاءات الكبيرة التي تضم جميع أفراد العائلة (بدءًا من الجد والجدة إلى الأعمام والعمات والأخوال والخالات إلى البنين والبنات والحفدة).

وإذا فاجأت أقاربك في جمعهم بفكرة لم يتوقعوها فرحوا بالعيد أكثر وامتنُّوا لك، ورغم أننا في عصر المادّة إلا أن الأشياء المعنوية والعواطف الصادقة هي أكثر ما يستهوي الناس ويفرحهم! فحاولي الابتكار فيها فالتجديد يضفي المزيد من البهجة على العيد.

وسأقص عليكم إحدى التجارب لعلنا نستوحي منها شيئًا جميلًا نقدمه لأهلنا في العيد:

صادف في أحد الأعياد أن اجتمعت المنغصات على أفراد عائلتي الكبيرة (وعددهم أربعون)، فكلٌّ لديه همٌّ كبير يقلقه ويؤرّقه، وحتى أدخل عليهم البهجة وأنسيهم بعض ما هم فيه، أتيت بورق رسائل جميل وخصصت لكل فرد ورقة وكتبتُ في رأسها: (هدية هذا العيد كشف بما تتحلى به من صفات جميلة نعرفها جميعًا ونراها فيك، ونحبك ونقدرك زيادة لأجلها!)، ثم سردت تحتها لكل واحد مزاياه المعروفة ومعها مزاياه التي قد لا يعرفها في نفسه ولا يستشعرها، وكتبت صفات كل منهم بصدق وإخلاص.

وحتى أضفي المرح على الفكرة وضعت كل ورقة في علبة من علب التموين (علب المعكرونة والشاي والمناديل..) بعد أن أفرغتها من محتوياتها بطريقة تبدو بها وكأنها لا تزال مختومة. وفي يوم العيد حملتُ الأربعين علبة في أكياس (السوبر ماركت) وتوجهت إلى مكان اللقاء..

وحين وصل الجميع وانتهوا من تبادل التهاني، قلت لهم: (لابد أنكم مللتم من الهدايا الغالية التقليدية التي نتبادلها عادة، ولذا سأقدم لكم هدايا مختلفة هذا العيد، ولا شيء أفضل من المعونات الإنسانية! ومن الهدايا الرمزية ذات الفائدة الكبيرة، مثل: الحليب والأرز ومعجون الأسنان...)، وناولت كل فرد العلبة التي فيها ورقته، في البداية ظن الجميع أنني أقدم لهم فعلًا علب التموين وأخذوا ينظرون باستغراب ويضحكون من هذه الهدية العجيبة..

وعندما أمسكوا العلب وجدوها خفيفةً! ففتحوها على وجل، فرأوا الأوراق وانهمكوا في قراءتها، وحين انتهوا دمعت عيونهم، وكانت سعادتهم غامرة بتلك الرسائل التي جاءتهم في وقتها (وقد ظلوا يذكرونها بعدها لسنين)، وكانت سعادتي أكبر لأني رفعت معنوياتهم وأعدت البهجة إليهم (مجلة الأسرة العدد 150 رمضان 1426هـ).

يقول الشاعر الدكتور عبد الرحمن بن عبد الرحمن شميلة الأهدل:

فَاسْتَقْبِلُوْا عِيْدَكُمْ بِالْبِشْرِ وَابْتَهِجُوْا ** فَلَيْسَ فِي الْعِيْدِ غُصْنٌ غَيْرَ مَيَّاسِ

صِلُـوْا أَقَـارِبَكُمْ زُوْرُوْا أَحِبَّتَكُمْ ** تَبَادَلُوْا صَفْوَ كَـأْسٍ أَيَّمَـا كَاسِ

هَدِيَّـةُ الْعِيْدِ فَاقَتْ فِي نَضَارَتِهَـا ** زَهْرَ الرِّيَاضِ وَفَاقَتْ ثَوْبَ أَعْرَاسِ

هِيَ الْجَمَالُ بِأَفْكَارِيْ وَفِيْ خَلَدِيْ ** تُزِيْلُ مِنْ خَاطِرِيْ هَمِّيْ وَوَسْوَاسِيْ

وَالطِّفْلُ مِنْ فَرَحٍ بِـالْعِيْدِ مُبْتَسِمٌ ** كَـزَهْرَةِ الْوَرْدِ أَوْ يَبْدُوْ كَنِبْرَاسِ

يَكَـادُ يَعْثُرُ فِيْ ثَوْبِ الْهَنَا فَرَحًا ** فَيَالَهَا لَحْظَةً مِـنْ دُوْنِ خَنَّـاسِ

فَالشُّكْرُ لِلّهِ كَمْ أَسْدَى لَنَا نِعَمًـا ** فَمَجِّدُوا اللهَ فِـيْ صُبْحٍ وَإِغْلاَسِ

تقبل الله منا ومنكم.