رصدت الأجهزة المعنية بقياس الرأي العام، في مصر، في تقارير لها، غضبًا شعبيًا غير مسبوق منذ أواخر شهر مارس الماضي.

وحذرت التقارير من هبّة شعبية ستخرج عن السيطرة نتيجة لحالة السخط العام وتصاعد الغضب لدى الطبقتين المتوسطة والفقيرة، والتنفيس عن ذلك بجرأة شديدة في فيديوهات تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي دون خوف من مساءلة أو حبس كما كان يحدث في السابق، بسبب الارتفاع الكبير في كافة أسعار السلع الأساسية.

 

ارتفاع الأسعار

رصد الأمن دعوات متفاوتة للتظاهر، مع تصدُّر هاشتاج (#غضب_الغلابة_قادم_لامحاله) قائمة الأعلى تداولًا في مصر. ومن ثم نشرت وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب العديد من الدوريات الشرطية وعربات الأمن المركزي يوم الجمعة 25 مارس الماضي في الميادين وعلى طول كورنيش النيل؛ لاستباق تفجر الأوضاع في الشارع بشكل لا يمكن السيطرة عليه.

وارتفعت الأسعار مرتين؛ الأولى أرجعتها حكومة الانقلاب لتبعات الحرب الروسية الأوكرانية، أما الثانية فكانت بسبب قرار البنك المركزي تحريك سعر العملة منتصف ليل الإثنين-الثلاثاء (21-22 مارس 2022)، وانهيار الجنيه أمام الدولار، الذي ارتفع بنسبة 14% تقريبًا متجاوزًا 18.40 جنيه مقابل الدولار، مقارنة بـ15.6 جنيه مصري حتى ليل الأحد، والمواطنون الغلابة في انتظار الموجة الثالثة من الغلاء بعد زيادة البنزين.

ووفقًا لاتحاد الغرف التجارية المصري، ارتفع متوسط أسعار اللحوم البلدية إلى 180 جنيهًا، بينما كان يتراوح بين 120 و140 جنيهًا قبل مدة قصيرة، أما  أسعار الدجاج البلدي فتراوحت بين 45 ود46 جنيهًا للكيلو، وفقًا لرئيس شعبة الثروة الداجنة بغرفة القاهرة التجارية، الخميس 14 أبريل، بعد أن كان 30 جنيهًا، ووصل سعر زجاجة زيت القلي 900 مل متوسط الجودة إلى 32 جنيهًا، وتعدى سعر البيضة جنيهين، كما ارتفع سعر كيلو السكر- الحُر غير المدعوم – ليصل إلى 15 جنيهًا، بينما زاد سعر الأرز بنحو 6 جنيهات، ليصل سعر الكيلو الواحد إلى 16 جنيهًا مصريًا، وهي أسعار غير مسبوقة.

كما رفع بعض أصحاب المخابز سعر رغيف الخبز بنسبة 100%.

ورفعت وزارة البترول سعر بيع منتجات البنزين بأنواعه الثلاثة، وأصبح البنزين 80 بسعر 7.50 جنيه، والبنزين 92 بسعر 8.75 جنيه، والبنزين 95 بسعر 9.75 جنيه، وهو ما نتج عنه زيادة في أسعار المواصلات الداخلية وعبر المدن والمحافظات.

 

شماعة الأسعار العالمية

تقول ياسمين محمد، المحللة الاقتصادية بأسواق المال، إن الحرب الروسية الأوكرانية بدأت في 24 فبراير، ومن المفترض أن يسري ارتفاع السعر على التعاقدات التي تمت بعد هذا التاريخ، والتي يحتاج تنفيذها الى أسابيع ليتم استيرادها وطرحها في الأسواق. لكن ما حدث أن التجار رفعوا السعر على سلع اشتروها قبل اندلاع الحرب وقبل ارتفاع أسعارها عالميًا، ثم علقوا الارتفاع على شماعة الأسعار العالمية تحت سمع وبصر الحكومة.

وتؤكد ياسمين أن غلاء الأسعار في مصر شمل سلعًا كثيرة لا علاقة لها بروسيا ولا أوكرانيا وتنتج محليًا مثل الدواجن واللحوم والبيض والأرز والكثير من الخضراوات.

ولا يُرجع الباحث الاقتصادي، محمد حسن، ارتفاع الأسعار إلى الصراع في أوكرانيا، لكنه يُحمِّل الجزء الأكبر لقرارات الحكومة الاقتصادية الفاشلة.

ويشير الباحث إلى أن قرار وزارة المالية زيادة المعاشات بنسبة 13% وزيادة العلاوة الدورية للموظفين بنسب تتراوح ما بين 8% و15% من الأجر الأساسي، بحد أدنى يبلغ 100 جنيه مصري شهريًا ويصل إلى 400 جنيه في الدرجات الوظيفية الأعلى، وذلك بداية من شهر إبريل الجاري، لن يسهم في التعامل مع تداعيات التحديات الاقتصادية الراهنة والارتفاع الجنوني للأسعار.

 

انفلات الأسواق

ارتفاع الأسعار قاد التجار لتنزيل آلاف الأطنان من البضائع مجهولة المصدر أو منتهية الصلاحية، فتم ضبط أكثر من عشرة أطنان من "المسلي" بدون شهادة بلد المنشأ، في حيازة صاحب مخزن لتجارة السلع الغذائية بدون ترخيص بمحافظة المنوفية، كما ضبطت حملات الداخلية آلاف الأطنان من السلع المدعمة المخصصة للبطاقات التموينية والمحظور تداولها خارج منظومة الدعم، داخل مخزن لتجارة السلع الغذائية دون ترخيص بمحافظة البحيرة

وتحفظت الحملات على ما يقرب من خمسة آلاف طن من زيت الطعام والسكر والمسلي، دون مستندات، في مخزن بدون ترخيص بمحافظة القليوبية، كما ضبطت الحملات 13.100 طن من الأسماك المجمدة وملح الطعام، معبأة، يشتبه في عدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي، وصادرت الحملة 19.100 قطعة مستلزمات طبية مختلفة الأنواع.

رفض مصدر بوزارة التموين بحكومة الانقلاب الإجابة عما يتم تداوله بين التجار بأن تلك المضبوطات يتم بيعها عبر المنافذ الرسمية التابعة لوزارة داخلية الانقلاب بتخفيضات، في إطار إطلاق فعاليات المرحلة الـ22 من مبادرة (كلنا واحد)، وأن الزعم بعدم صلاحيتها؛ لتبرير الاستيلاء عليها وبيعها لصالحهم.

 

السلع رديئة وراكدة

وتقول إحدى السيدات إنها لم تجد فرقًا في أسعار السلع بتلك المنافذ عن الأسواق إلا فيما يخص بعض السلع لشركات مجهولة الهوية بالنسبة لها ولم تسمع بها من قبل، ويبدو من تغليف السلع أنها رديئة أو راكدة، فالزيوت غامقة اللون والأرز "كسر" والسكر يبدو أنه ممزوج بما يشبه البودرة والمعكرونة غريبة الشكل، بينما اختفت منتجات السلع المعروفة التي تعودت السيدة أن تشتريها، وإن صادف وعثرت عليها تصدمها الزيادة في سعرها والتي تتراوح بين 20 و50%.

من جهته قال الخبير الاقتصادي، ممدوح الولي، في تصريحات متلفزة ببرنامج "نافذة على مصر"، إن "الدولة على الرغم من إلقائها اللوم على التجار فإنها اتبعت ما تنتقده، حيث رفعت سعر زيت الطعام مرتين، وأقدمت على رفع أسعار بعض السلع التموينية بمجرد ارتفاعها عالميًا، وذلك قبل أن ينتهي المخزون لديها، كما يفعل التجار في العادة، فهي من أعطت إشارات للسوق بطريق غير مباشر، عندما قامت بزيادة أسعار السلع، وكان عليها أن تكون نموذجًا يقتدي به التجار".

 

حملات فاشلة

حاولت حكومة الانقلاب القيام بحملات أمنية لضبط الوضع المتأزم، ومحاولة اتخاذ تدابير عاجلة لتهدئة المواطنين وطمأنتهم.

وقامت وزارة الداخلية بحملات مستمرة؛ لملاحقة التجار المحتكرين للسلع وضبط الأسواق، ووصلت عقوبة احتكار التاجر أي سلعة إلى الحبس لمدة عامين وغرامة تتراوح بين 500 ألف جنيه ومليون جنيه، فضلًا عن مصادرة البضائع والسلع وعرضها بالسعر الرسمي في المجمعات الاستهلاكية.

وضبطت مباحث التموين ما يقارب 1300 قضية تموينية متنوعة، منها حجب سلع غذائية ورفع الأسعار بشكل مبالغ عن التسعير الحقيقي للسلعة، وتم تحرير مئات المحاضر في مجال قضايا المخابز.

والسؤال الذي ينبغي أن تجيب عليه حكومة الانقلاب هو ماذا قدمت هذه الحملات للشعب المصري؟ هل خفضت الأسعار؟ هل أطعمت الفقراء؟ هل سدّت حاجة البؤساء؟ هل حققت أمنيات المطحونين؟ أم تظل مجرد حملات لتجميل الوجه القبيح للحكومة، بينما يظل المواطن يعاني الأمرين من دون أن يجد من يحقق مطالبه أو يساعده على العيش بكرامة في بلده.