لم يكمل أي رئيس وزراء ولايته في باكستان، ولم يشكل هذا النجم الرياضي السابق البالغ من العمر 69 عامًا استثناء؛ فقد أُجبر على ترك منصبه بموجب مذكرة لحجب الثقة تم التصويت عليها في الجمعية الوطنية، في الساعات الأولى من صباح أمس الأحد، بعدما قام بكل شيء لتأجيل هذا الأمر المحتوم.

لا يزال عمران خان يحظى بشعبية لدى شرائح واسعة من الشعب الباكستاني، لكنه لم يقل كلمته الأخيرة بدون شك بالنسبة للانتخابات المقبلة.

وصل عمران خان إلى السلطة عام 2018 بعد فوز حزبه "حركة إنصاف" في الانتخابات التشريعية بشعارات شعبوية تجمع بين وعود الإصلاح الاجتماعي والمحافظة الدينية ومكافحة الفساد.

بعد عشرين عامًا على دخوله السياسة، أثمرت مثابرة الرجل الذي يحبه ملايين الباكستانيين لقيادته فريق الكريكيت الوطني إلى فوزه الوحيد بلقب كأس العالم في 1992.

في رئاسة الحكومة، استفاد الرجل الذي يدعو إلى "باكستان الجديدة" أولاً من صورته كرافض للفساد ومن سأم المجتمع من الحزبين التقليديين اللذَيْن احتكرا السلطة لعقود مع الجيش.

خلال جائحة كوفيد-19، اختار عدم فرض إغلاق وطني من شأنه "تجويع الناس حتى الموت"، وهو قرار لقي شعبية وأثبت نجاحه، فقد ظل الباكستانيون البالغ عددهم 220 مليون نسمة، معظمهم من الشباب، بمنأى عن الوباء إلى حد بعيد (30 ألف وفاة).

ابحث عن أمريكا

ومهما تعددت أسباب الإطاحة بخان إلا أن السبب الرئيس والأقوى يظل في معارضته لأمريكا ورفضه لأن يكون خاضعًا لها، كما يقول رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم الإليكترونية عبد الباري عطوان في صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" إن "عمران خان أقصي من السلطة لأنه تحدى أمريكا ورفض أن يكون تابعًا لها والتطبيع مع إسرائيل ودعم المقاومة لهزيمة قوات احتلالها بأفغانستان وتحالف مع المحور الصيني الروسي ولو فشل البرلمان في إقالته للجأت أمريكا لانقلاب عسكري.. باكستان متجهة إلى الفوضى وربما لصدامات دموية".

https://twitter.com/abdelbariatwan/status/1512890810987122689

ويؤكد هذا المعنى الكاتب الصحفي تركي الشلهوب فيقول على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" عمران خان للدول الغربية: "لسنا عبيدًا لنفعل كلّ ما تريدون.. عندما انتهكت الهند القوانين الدولية في كشمير المحتلة، هل قطع أحد منكم العلاقات مع الهند أو أوقف التجارة؟!" مثل هذه المواقف دفعت الغرب وعلى رأسه أمريكا إلى تحريك المعارضة والإطاحة بعمران.

https://twitter.com/TurkiShalhoub/status/1512901666135289863

اتهام المعارضة بالخيانة

إلا أن أداءه وميله في الأيام الأخيرة لزيادة الانقسامات في المجتمع الباكستاني عبر شن هجمات عنيفة على المعارضة التي اتهمها بـ"الخيانة"، يبدو أنه قد لعب ضده.

وضع اقتصادي متدهور

ولكنه ورث وضعًا ماليًا متأزمًا فاقمته خياراته الرديئة والوضع الاقتصادي المتدهور، ما أدى إلى تراجع شعبيته في الأشهر الأخيرة ودفع حلفاء له في الائتلاف الحاكم للانضمام للمعارضة لمحاولة إطاحته من المنصب.

وما أضعفه أكثر هو ارتفاع التضخم (10 بالمئة عام 2021)، والنمو الاقتصادي الذي ظل صفرًا خلال السنوات الثلاث الماضية، والانخفاض الحاد في قيمة الروبية منذ يوليو، وتفاقم الديون.

أمن متدهور

كما تزايدت صعوبات عمران خان مع تدهور الوضع الأمني، لا سيما منذ تولي حركة طالبان السلطة في أفغانستان المجاورة منتصف أغسطس.

فُسرت عودة الحركة الأصولية إلى السلطة في البداية على أنها انتصار لباكستان التي طالما اتُهمت بدعمها، ولرئيس وزرائها الذي أطلِق عليه لقب "طالبان خان" لأنه لم يتوقف عن الدعوة إلى الحوار معها وتقويض الإستراتيجية الأمريكية في أفغانستان.

لكن بعد سنوات من الهدوء النسبي، استُؤنفت بقوة في أغسطس هجمات حركة طالبان باكستان والفرع الإقليمي لتنظيم الدولة الإسلامية وجماعات انفصالية بلوشية، رغم تعهد كابول عدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية في هذه الأغراض.

تدهور علاقاته مع الجيش

كما عانى عمران خان من تدهور علاقاته مع الجيش الذي اتُهم بالتدخل لصالحه خلال انتخابات 2018، رغم أنه يبدو من غير المرجح أنه كان بإمكانه البقاء في السلطة بدون موافقة ضمنية من الجيش.

تهاون مع الإسلاميين

جهود عمران خان الرامية إلى تحويل باكستان إلى فاعل إقليمي رئيس لم تحقق نجاحًا كبيرًا أيضا، فقد تراجعت علاقات إسلام أباد مع واشنطن والدول الأوروبية، لا سيما تحت تأثير خطاباته اللاذعة ضد الإسلاموفوبيا التي يعتبر أنها تختبئ في الغرب وراء ستار حرية التعبير.

تقاربت باكستان من الصين، أما الزيارة الرسمية التي قام بها عمران خان إلى موسكو في اليوم نفسه الذي اندلعت فيه الحرب في أوكرانيا، فعادت عليه بالكثير من السخرية.

في نوفمبر، رفعت حكومته الحظر المفروض على "حركة لبيك باكستان" بعد أن فُرض في أبريل أثر احتجاجات عنيفة مناهضة لفرنسا نظمها هذا الحزب الإسلامي تنديدًا بدعم فرنسا لحق رسم الكاريكاتور بما في ذلك النبي محمد.

وكثيرا ما يُتهم عمران خان بتقييد حرية التعبير في الصحافة، وقد أثار أيضًا سخط منظمات نسوية من خلال إشارته عدة مرات إلى وجود رابط بين الاغتصاب وطريقة لبس النساء في بلد ينتشر فيه العنف الجنسي.