بدر شافعي

التسريبات الأخيرة التي بثتها قناة “مكملين” عن توجيهات أحد ضباط المخابرات الحربية للعديد من الإعلاميين والفنانين، بشأن كيفية التعاطي مع قضايا داخلية وخارجية، أثارت تساؤلات كثيرة عن الدلالات الداخلية لهذه التسريبات؛ بمعنى مدى تأثيرها في المشهد الداخلي في مصر، وربما اتضحت منها الدلالة الرئيسية في الرغبة في تهيئة الأجواء لفوز السيسي في انتخابات الرئاسة، وتصفية جميع الخصوم سواء من فكر في الأمر مثل أحمد شفيق، أو من تسول له نفسه في الترشح مع اقتراب موعد فتح باب الترشح، وكذلك التغاضي عن جميع الخلافات داخل المعسكر المؤيد له (الخلاف بين الإعلامي عزمي مجاهد وتامر عبد المنعم ووليد حسني في قناة العاصمة). لكن ربما الأهم، أو الذي لم يسلط عليه الضوء بصورة أكبر ما يتعلق بالدلالات السياسية الخارجية لهذه التسريبات؛ سواء ما يرتبط منها بقضية القدس, أو الموقف من الإسلاميين في الخارج خاصة الإخوان, وحماس والإصلاح في اليمن، أو العلاقة مع الدول الخليجية المؤيدة أو المعارضة له على حد سواء.

فبالنسبة لقضية القدس، من الواضح أن هذا النظام جاء لتسوية القضية، بل والقضية الفلسطينية برمتها على الوجه الذي ترضاه الإدارة اليمينية الجمهورية؛ “المتطرفة” في الولايات المتحدة، ونظيرتها الليكودية في إسرائيل في إطار ما يعرف بصفقة القرن التي باتت حقيقة واضحة اعترف بها الضابط في تسريباته، وعلى نحو يلغي القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية، والقبول ببديل مثل أبو ديس أو أي مكان آخر. وليحقق هذا النظام ما لم يحققه من سبقوه بما في ذلك الكنز الاستراتيجي لإسرائيل “المخلوع مبارك”.

ويبدو أيضا في هذا الصدد أن السيسي يرغب في إنهاء فكرة الانتفاضة حتى وإن كانت بالحجارة، من أجل الحصول على الحقوق المشروعة التي أقرتها المواثيق الدولية والهيئات الأممية كالجمعية العامة، ومجلس الأمن, دونما اكتراث بمشاعر الشعب الفلسطيني، والسبب في ذلك من وجهة نظره أن الانتفاضة تعني حماس, وبروز دورها من جديد. ومعنى هذا أن خصومة حماس تدفع السيسي إلى وأد الحقوق الفلسطينية التي يتظاهر بأنه يدافع عنها، وبأنها القضية الرئيسية الخارجية لنظامه.

هذه التسريبات تظهر مدى الحنق على حماس وعلى الإخوان في الخارج أيضا، رغم قبول حماس للعب مصر دور الوسيط في المصالحة الأخيرة، وكذلك تقارب إخوان اليمن؛ حزب الإصلاح، مع السعودية بعد مقتل علي صالح، وهو التقارب الذي بات يضايقه أيضا، ويسعى لإفشاله حتى لا يعود إخوان اليمن إلى الواجهة. وكان يفترض أن يقوم الضابط بالتحريض ضد المملكة بسبب هذا التقارب، لكن يبدو أنه يسعى لإفشال العلاقة في صمت حتى لا يغضب النظام السعودي. لكن هذا يظهر أيضا مدى وجود تباين بين القاهرة والرياض في التعاطي مع الملف اليمني، ومتعلقاته الخاصة بإيران وحزب الله. وهو ما يشير إلى أن هذه العلاقة ربما تتراجع مع إتمام صفقة القرن التي سيلعب فيها الطرفان دور العراب في التطبيع مع إسرائيل.

أما بالنسبة لدول الخليج، فلربما جاءت التسريبات كاشفة عن استمرار الموقف المصري المناوئ لقطر، وإصرار مصر رغم بعدها الجغرافي، على أن تصبح طرفا فيه والوقوف مع الإمارات والسعودية في خندق واحد. لكن الجديد في الأمر هو موقف النظام من الكويت، والسعي للضغط عليها من أجل الوقيعة بينها وبين قطر، وحتى تصبح الأخيرة وحيدة في الأزمة. وربما الشئ المؤسف هو استغلال حادثة التعدي على أحد المصريين في الكويت للتصعيد ضدها وفق منطق العصا والجزرة, وكأن الذي يهم السيسي ليس كرامة المواطن المصري. هذا التعاطي مع الكويت بهذه الطريقة واستخدام العصا والجزرة باعتبار الخلايجة ” بصيغة العموم” لا يعرفون سوى هذه الطريقة، ربما يستفزها ويدفعها لاتخاذ إجراءات عقابية ضد القاهرة أقلها ما يتعلق بأوضاع العمالة المصرية العاملة هناك، وربما يتطور الأمر لأكثر منذ ذلك فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية والدبلوماسية. صحيح أن الكويت ربما ترجئ اتخاذ أي من هذه الإجراءات لحسابات خاصة بها، لكن ستظل هذه التسريبات محفورة في الذاكرة, وسيتم استدعاؤها عند اللزوم, بل ربما يتكرر هذا المشهد مع الدول الخليجية الحليفة بعد انتهاء أزمة حصار قطر، وأقصد السعودية والإمارات التي لن تنس ما قيل عنها في تسريبات سابقة بأن لديها فلوس زي الرز، وأنها أشباه دول، ومؤخرا بأنها لا تعرف سوى العصا والجزرة. وهنا يُخشى أن تستغل هذه الدول هذا الشعار في التعامل مع السيسي والمصريين مستقبلا.

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر