د. محمود مسعود

 
الكاتب وظيفة قديمة وليست مجرد خط يرسم على الجدران أو ورق البردي، نعم الكتابة وفرت زمنا طويلا على الانسان، لكى ينضج عقله ويستثمر جهده، فمن خلالها استطاع الإنسان أن يسجل ما وصل إليه ليفيد اللاحق ولا يكرر.
ومقالنا ليس عن فوائد الكتابة، لكن عن كوارث الكاتب، كان كاتب الفرعون يسجل له فقط ثلاثة نقاط وهي: أوامره الباطشة، وخزائنه الفانية، وسجناه المقيدون إلى مصيرهم المحتوم. واستمر الحال بظهور كاتب السلطان في كل عصر ومصر، بل كتّاب كبار مثل ميكيافيلي هو في الأصل كاتب سلطان أكثر منه إنسان كاتب وهذا هو جوهر المقال.
عاش محمد حسنين هيكل يكتب آلاف الصفحات ويملأ الدنيا ضجيجا بالحق وبالباطل، وأثره ليس بالهين، لا من الجانب الكتابة كصحفي ولا من جانب الأثر العملي كمرشد للسلطان؛ فحمل مشروعا آمن به أو لم يؤمن، ليس مجال المقال شرح ذلك الآن، وسطر شكل المشروع للجلاد واتخذه المستبد أستاذا له ومعلما بلا  أدنى شك.
قال الدكتور محمد عباس كنت تلميذا لهيكل دهرا، فلم يكذب هيكل قط، ولم يقل الحقيقة قط. فتعجبت من العبارة، فتتبعتها فوجدت أن هذه أفضل وصوف يوصف به الرجل؛ حيث إن الكاتب في النهاية مهندس ديكور يريك ما يراه هو، وليس همه أن ترى حقيقة ما خلف الزينة والرسم الفسفوري، فلو فتحت المنافذ الوهمية والخطوط المتعرجة ستكتشف أنك وقعت تحت طائل عملية خداع بصري ليس إلا.
فعندما يتكلم كاتب ما فقط عن حسنات أناث الأسود، ستجد أنها خير المخلوقات في وفائها وحنكتها وحسن تصرفها ونعومة حركتها وبذلها وعطائها وحسن تبعلها للأسود، وعندما تعدد عيوب البشر ستجد أنهم أسفل المخلوقات، لكن عندما تعدد ميزات البشر وعيوبهم وعيوب اللبوات وميزاتهم ستعرف أن الفرق بين الثرى والثريا، هكذا غبش قلم هيكل ومدرسته الرؤية عن أمتى دهرا، فقد رسموا لك ميزات أنثى الأسد، وأخفوا عنك عيوبها، ورسموا لك عيوب البشر وأخفوا عنك ميزاتهم، فأحببت أنت أنثى الأسد وأصبحت مسبحا بحمدها ليل نهار صيف شتاء.
فكان الأسد (الغرب) ينام ملئ جفونه خلف المحيط ولبواته (حكام الشرق) تنهش جيرانك وإخوانك متى جاعت، فقتل العلماء وسجن الأخيار وبيعت الديار وسقطت فلسطين وقسمت مصر والسودان، وانتهكت الأعراض وضيعت شريعة السماء، وسقطت بغداد في يد الصفوية المانحة لهيكل الجنسية، وقطعت أوصال القومية العربية، وانتهت فكرة الجامعة الإسلامية والبديل ناصرية هيكل.
فالبطل القومي العربي الكبير، لم يحقق نصرا واحدا، ولم ينجز شيئا مهما ومع ذلك فهو بطل قومي! فمن قسم مصر وضيع فلسطين وهزم في 48 ضابطا وفي 56 حاكما وانفضح أمره في 67 هو بطل قومي! ومن انتصر في 73 ولو شكليا خائن عميل! ومن حكم بالقهر والجبروت وأطعم الشعب المش، وساق الفقر إلى كل كفر وقفر هو بطل قومي! ومن قتل العلماء وحرق القاهرة ليصبح رئيسا هو بطل قومي! ومن جاء إلى الحكم باختيار الشعب يجب الانقلاب عليه لأنه عميل حماس!
سألت ناصريا، ما هي انجازات العبد ناصر؟ فقال السد قلت له لو أثبت لك أن السد والإصلاح الزراعي هما أكثر أعمال العبد ناصر سوءا ماذا يكون منك بعد، قال كيف ولولاه ما تعلمت أنت، قلت يا ليتني ما تعلمت ونهضت أمتى مثل اليابان، فخير لي أن أعيش انسانا ازرع الأرض بكرامة وعزة من أن أكون متعلما بلا أمة ولا دولة ولا كرامة قال لي كيف؟
قلت: كان أفضل لنا من سد واحد ضخم تحبس خلفه المياه، أن يكون عندنا عشرون خزانا من أسوان إلى القاهرة؟ كل خزان يصنع حوله نهضة زراعية وثروة سمكية واستثمارات كهربائية وجسور بين شطري الوادي، أليس ذلك بأفضل من سد ضيع الطمي على الفلاح وترك الفلاح يبنى القصور على ما بقي من أثار النيل، وهرب من الصحراء التي كان يمكنه أن يعمرها بالبناء. فأسال علماء الزراعة كم مليون فدان في الدلتا والصعيد تحولت الى كتل خرسانية وكم أراضي تصحرت وكم جهود ضاعت وأرض ضاقت، حينها ستعرف أن السبب هو سد العبد ناصر والسيد الاشتراكي.
الاصلاحي الزراعي أعطى جدى خمسة فدادين أعادها العبد مبارك إلى أصحابها في عهد أبي،  لكن لو كان ناصر ليس عبدا لجعل جدى يصلح فدانا في الصحراء ولأصلح أبي اثنين وأنا أصلحت ثلاثة وبالتالي كان في حوزتي الأن خمسة بدلا من صفر العبد ناصر.
كثير وكثير هي خداعات كتاب السلطة التي لا يظهرها مقالي، لكنه ذفرة مكلوم من كاتب السلطان الذي مات على سجادة السلطان فلم يلفه فيها، بل رماه في أقرب حفرة متبرئا متبرما دون ضجة وصخب.