عامر شماخ

 

لفلسطين فى نفوس المسلمين عامة وفى نفوس الإخوان بصفة خاصة منزلة كبيرة؛ لما حباها الله من كونها مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبها بيت المقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين.. وفلسطين تحتل من نفوس الإخوان موضعًا روحيًا قدسيًا فوق المعنى الوطنى المجرد؛ إذ تهب علينا منها نسمات بيت المقدس المباركة، وبركات النبيين والصديقين ومهد السيد المسيح عليه السلام، وفى كل ذلك ما ينعش النفوس ويغذى الأرواح.

 

ولقد وعت الجماعة منذ نشأتها ما يحاك لفلسطين من مؤامرات لسلخها عن طابعها الإسلامي، وتقديمها وطنًا قوميا للصهيونية العالمية يكون سرطانًا دائمًا فى جسد الأمة، يعمل على تفتيته وإذلاله، وليحقق حلم اليهودية لدولتهم.. من النيل إلى الفرات.

 

ويعتقد الإخوان المسلمون اعتقادًا جازمًا بأن فلسطين جزء من العقيدة الإسلامية، وأن أرضها وقف إسلامى على جميع أجيال المسلمين فى ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم إلى يوم القيامة، لا يجوز لأحد كائنًا من كان أن يفرط أو يتنازل ولو عن جزء صغير جدًا منها، ولذلك فهى ليست ملكًا للفلسطينيين أو العرب فحسب.

 

ولجماعة الإخوان المسلمين موقف من القضية الفلسطينية لا يضاهيه موقف فى نبله، وفى دقة تصوره للقضية، على أنها قضية العرب والمسلمين، وكان لهذا الموقف مفردات مبكرة نشير إلى بعضها فيما يلي:

 

- دعت الجماعة إلى تأييد الفلسطينيين ضد اليهود وضد الإنجليز منذ عام 1936م، وعملت ما فى وسعها فى سبيل هذا التأييد، ففى العام نفسه أرسل مكتب الإرشاد خطابًا مفتوحًا لرئيس وزراء مصر آنذاك يطالبه فيه بأن يعمل ما يستطيع من أجل قضية فلسطين، وفى نوفمبر 1937 أرسل مكتب الإرشاد خطابًا إلى السفير البريطانى ليرفعه إلى حكومته من أجل قضية فلسطين.

 

- وأسهمت الجماعة منذ عام 1936م، فى جمع الأسلحة لمدّ الفلسطينيين بها عن طريق الحاج أمين الحسينى مفتى فلسطين وأحد أبطالها، والذى ساعدته الجماعة فى الحصول على حق اللجوء السياسى عندما وصل إلى مصر عام 1946م.

 

- وفى عام 1940 شكلت الجماعة (النظام الخاص)؛ بهدف محاربة الإنجليز والصهاينة، وقد كان له دور بارز فى حرب عام 1948 - كما سيتضح فيما بعد.

 

- وبعد قرار التقسيم أرسلت الجماعة نائبها للشئون العسكرية (الصاغ محمود لبيب) لتدريب الفلسطينيين عسكريًا فى بلادهم، وظل يدربهم حتى ضاق به الإنجليز وطلبوا منه مغادرة البلاد.

 

وحين وضحت نيات الحكومة البريطانية فى تهويد فلسطين، أخذ الإخوان يوضّحون للشعوب والحكومات العربية حقيقة الخطر اليهودى الذى يهدد الأمة العربية كلها.

 

وقد أخذ خطباء الجماعة ودعاتها يجوبون المدن والقري، داعين الناس إلى الجهاد فى سبيل الله لإنقاذ الأرض المقدسة، فعمَّت المظاهرات المدن الكبرى فى جميع أنحاء البلاد، مطالبة الحكومة المصرية بالتدخل العسكرى للقضاء على الدولة الصهيونية فى مهدها، وقد نشطت صحف ومجلات الجماعة فى مهاجمة سياسة الإنجليز فى فلسطين، ومهاجمة العصابات الصهيونية وتصرفاتها ضد الأهالى هناك، وتم توزيع منشورات تهاجم الإنجليز والصهاينة فى الجامعات، والمصالح الحكومية، والمحلات، والمقاهي.. وعمَّت الدعوة لمقاطعة محلات اليهود.. كما قام الإخوان بتوزيع كتاب (النار والدمار فى فلسطين) الذى كشف عن فظائع الإنجليز وتآمرهم على مسلمى فلسطين، وقد اعتُقل البنا بسببه ثم أفرج عنه بعد الضغوط الشعبية.

 

واندفعت حشود هائلة من شباب مصر، جاءت من مدن مصر وقراها، حتى اكتظ بهم المركز العام للإخوان المسلمين، وضاقت بهم شُعب القاهرة. وبدأت اتصالات كثيرة بالحكومة المصرية، وبأمين عام الجامعة العربية عبد الرحمن عزام، انتهت بموافقة الحكومة على تكوين فرق من المتطوعين بقيادة ضباط متطوعين من الجيش، على أن تتولى الجامعة العربية الإنفاق على هذه الفرق.

 

ورحب الإخوان بالفكرة، وبدأت حركة التطوع عن طريق المركز العام، وكان يشرف على تنظيم حركة التطوع الصاغ محمود لبيب، وكيل جماعة الإخـوان، ونجـح -بمعونة بعض الشخصيات المجاهدة وعلى رأسهم عبد الرحمن عزام واللواء عبد الواحد سبل مدير عمليات الجيش المصري- فى إقامة معسكرات للتدريب، أشرف عليها ضباط الجيش العاملون.

 

وقد سافرت أول كتيبة إلى ميدان القتال يوم 25 من إبريل 1948م، بقيادة البطل الشهيد البكباشى أحمد عبد العزيز.

 

ولما انتهت حرب فلسطين باتفاق رودس سنة 1949م، كان من شروط الاتفاق سحب الجيش المصرى كله من فلسطين، ويُكتفى بلواء مشاة فقط فى قطاع غزة/رفح.

 

وقد طلبت قيادة الجيش المصرى من الإخوان المسلمين تسليم أسلحتهم ومعدات الحرب تمهيدًا لترحيلهم إلى مصر.. وسلّم الإخوان أسلحتهم بلا مناقشة ودون أى اعتراض، وبعد انتهاء تسليم الأسلحة تم نقلهم إلى عنبر كبير جدًا فى رفح كان من عنابر الجيش البريطانى قبل جلاء قواته عن رفح، وقيل للإخوان إنهم سيبيتون فى هذا العنبر ليلة واحدة ليركبوا القطار فى الصباح إلى القاهرة.. إلا أن الإخوان فوجئوا فى هذا الصباح بالقوات المسلحة تحيط بالعنبر بعد صدور التعليمات باعتقالهم.. وقد ظلوا بهذا المعتقل شهرين اثنين.


المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر