يغيب شعور الاستقرار عن المغتربين المصريين العاملين في السعودية، لا سيما وأن بعضهم أجبر على العودة إلى بلده بسبب إنهاء شركات لعقود العمل معهم نتيجة قلة مواردها المالية، فضلاً عن توجه الرياض إلى تقليل اليد الأجنبية العاملة في أراضيها.

عبد الله ربيع، 27 عاماً، وهو مصري يعمل في السعودية، قال في تصريح لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، الجمعة 18 أغسطس: "الفرق بين الحياة في القاهرة والحياة في الرياض مثل الفرق بين السماء والأرض من حيث النظافة والبنية التحتية في الشوارع والنظام".

وعاش ربيع في الرياض لثلاث سنوات تقريباً، وهو يعمل في الموارد البشرية. وقبل خمسة أشهر، وعندما كان يخطط لشراء سيارة جديدة بمبلغ 65,000 ريال سعودي (17,000 دولار)، استقبل خبر تسريحه من العمل. وقد تم منحه شهرين لمغادرة السعودية وتوديع أصدقائه.

ويشير ربيع إلى أن ذلك حدث وسط عملية تخفيض الإنفاق في الشركة التي بدأت في تسريح الموظفين.

الشركة السعودية -التي فضل ربيع عدم ذكر اسمها- قلصت حجمها من 2000 إلى 800 موظف هذا العام. في الوقت الذي تتعرض فيه السعودية لأزمة مالية بسبب انهيار إيرادات النفط التي تمثل 80% من دخل الحكومة.

حاول ربيع، وهو والد طفل يبلغ عاماً واحداً، أن يُحيل كفالته إلى شركة أخرى في السعودية، ولكن الشركة رفضت بمقتضى نظام "الكفالة" النافذ على نطاق واسع في دول الخليج، والذي يتطلب من العمال الأجانب إما الحصول على موافقة صاحب العمل ليكون بإمكانهم تغيير الوظائف، أو مغادرة البلد. ولم يكن من السهل على ربيع وأسرته الاستقرار من جديد في القاهرة.

ويقول: "كنت مستاءً للغاية، عدت إلى أم الدنيا ولكنني كنت أتعذب - لأن أم الدنيا لم تعد كما كانت من قبل".

ولثلاثة أشهر، لم يتمكن ربيع من العثور على وظيفة براتب لائق. حيث تقدم لوظائف في أقسام الموارد البشرية بالعديد من الشركات وكان الراتب الذي عرضوه يتراوح بين 1200 و 1300 جنيه (67.5 دولار إلى 73.2 دولار) شهرياً. بالإضافة إلى ذلك، كانت تلك الوظائف تبعد عن منزله مسافة تزيد عن 20 كيلومتراً، ما يعني مزيداً من النفقات بعد الارتفاع الأخير في أسعار البنزين بنسبة 50%.

وبالإضافة إلى نفقات الحياة الأساسية، وعمله في الخليج براتب يساوي على الأقل خمسة أضعاف متوسط الرواتب في مصر، تراكم على ربيع مبلغ كبير من الديون، هو الآن غير قادر على دفعه.

ورضي ربيع، الذي يشعر بالإحباط، بوظيفة ذات أجر منخفض، ولكنها على مسافة قريبة من منزله في ضاحية المعادي بالقاهرة.


أم الدنيا

ويتشابه حال ربيع مع حسن مازورة (35 عاماً)، ويعيش الآن في محافظة الغربية مع زوجته، وفي السابق كان يعمل براتب معقول فنياً في شركة سعودية في مدينة الدمام الشرقية، وقد ظل يعمل هناك لست سنوات، قبل أن يتم تسريحه في مايو الماضي.

ويقول مازورة إن التخفيضات المالية على المشاريع حدثت فجأةً بعد بدء الحملة العسكرية التي قادتها السعودية على اليمن عام 2015. وكان هو العام نفسه الذي سجلت فيه الحكومة السعودية عجزاً في الميزانية بلغ 98 مليار دولار، ما تسبب في تعليق أو إلغاء العديد من مشاريع البناء في المملكة.

ويضيف لموقع "ميدل إيست آي": "كان هناك عجز في الميزانية لذا بدأوا في تسريح بعض العاملين، وواصل البعض الآخر العمل سبعة أو ثمانية أشهر بدون رواتب" ويكمل "عندما طالب هؤلاء العمال بأموالهم، كان المدراء يخبرونهم برفع شكوى إلى مكتب العمل، ولكن مكتب العمل لم يساعدهم إطلاقاً".


أسباب الأزمة

الدكتور عادل حميد يعقوب، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، قال بأنه على الرغم من أن الحملة العسكرية على اليمن تمثل عبئاً مالياً، إلا أن العامل الرئيسي الذي يؤدي إلى هذه الأزمة في سوق العمل السعودي هو تراجع عائدات النفط.

ووفقاً لآخر البيانات الرسمية، هناك أكثر من 10.1 مليون وافد أجنبي في المملكة العربية السعودية، من إجمالي السكان البالغ 30.8 مليون نسمة في عام 2014.

ووفقاً لوزارة العمل المصرية، شمل ذلك 2 مليون مصري في عام 2016، تأثروا بشكل بالغ بموجة عمليات التسريح وإجراءات خفض الميزانية.

ويشير يعقوب للموقع البريطاني: "المغتربون المصريون مدربون ويتقاضون رواتب منخفضة، بالإضافة إلى لغتهم العربية التي تعطيهم الأفضلية بين الجنسيات الأخرى".

ومن الأسباب الأخرى وراء عمليات التسريح الأخيرة أن المملكة اتخذت خطوات لإغلاق مناطق العمل المختلفة على الأجانب، في محاولة لخلق فرص عمل للشباب السعودي والحد من معدل البطالة بين مواطنيها.

ووفقاً للبيانات الرسمية، ارتفعت معدلات البطالة في السعودية إلى 12.7% في الربع الأول من عام 2017، وتهدف خطة رؤية 2030 الصادرة في العام الماضي إلى خلق مليون فرصة عمل جديدة للسعوديين في هذا القطاع بحلول عام 2020. وتعرض رؤية السعودية لعام 2030 العديد من مشاريع البناء بالتعاون مع الشركات الأجنبية الضخمة.

ويشير الخبير الاقتصاديّ مدحت نافع في حديث لموقع"المونيتور" إلى أنّ المصريّين يمثّلون أحد أعمدة سوق العمل السعوديّ، لافتاً إلى أنّ العديد منهم يمثّلون عمالة مدرّبة ذات كفاءة عالية يصعب الاستغناء عنها حتى في حال سعي المملكة إلى توطين الوظائف والاعتماد على السعوديّين للحدّ من البطالة بينهم.

وأضاف أن أعداد العاطلين في السعوديّة ليست كبيرة، وإذا تمّ توزيع نسبة صغيرة من وظائف الوافدين على السعوديّين سيكون ذلك كفيلاً بحلّ أيّ أزمة من دون أن يتضرّر سوق العمل المصريّ في السعوديّة تضرّراً ملحوظاً.