بقلم : مجدي مغيرة:

 

أربع سنوات مرت بالتمام والكمال على مظاهرات 30 يونيو التي طالبت الرئيس محمد مرسي – أول رئيس مدني في مصر عن طريق اختيار حر ونزيه - بعمل انتخابات مبكرة ، وأربع سنوات إلا ثلاثة أيام على إعلان الانقلاب العسكري ضده ، وتعطيل العمل بالدستور ، وأعقب هذا غلق كل الفضائيات المؤيدة للرئيس ، واستعدت السجون لتستقبل ضيوفها السياسيين من جديد .

انتاب الشعب المصري عقب ذلك حالة هستيرية من الفرح بالانقلاب ، والشماتة بالإخوان ، والرغبة العارمة في إبادتهم ومحوهم من الوجود ، ولأول مرة في تاريخ مصر نرى الفقير يعض اليد التي كانت تعطيه وتحنو عليه ، ولأول مرة في تاريخ مصر نرى الجار يسعي لإيذاء جاره الذي لم ير منه إلا كل خير ، ولأول مرة في تاريخ مصر نرى الجار يفتح الصوت عاليا بأغنية "تسلم الأيادي" أثناء مرور جنازة جاره الشهيد الذي طالما أتعب نفسه ليرتاح جاره ، وأرهق نفسه في خدمة جاره .

ومع تلك الحالة الهستيرية نمَت أماني ورغباتٌ عارمة انطلقت من عقالها عقب تصريحات قائد الانقلاب بأن "مصر أم الدنيا وستكون قد الدنيا" ، وفي أول لقاء متلفز له صرح أن حل مشاكل مصر من أبسط ما يكون ، وما علينا سوى استخدام اللمبات الموفرة لتنحل مشكلة الكهرباء ، وليس سوى توفير ألف عربة خضار يعمل على كل واحدة منها ثلاثة شبان حتى يتم القضاء المبرم على البطالة ، وهكذا رأينا الحلول الجاهزة السريعة لحل مشاكلنا المعقدة والمتراكمة منذ عشرات السنين .

ثم استيقظ الشعب المصري على كابوس رهيب حين رأي بعينيه المجازر التي تجاوزت في فُجرها كل التوقعات أمام شاشات التلفاز ، لكن كان هناك فريق كبير من الناس يرى أن هذا ثمن قليل في مقابل الرفاهية التي ستحل على الشعب في عهد السيسي الميمون .

وبدأت الوعود تتوالى ، والفناكيش تتصاعد ، والآمال الوردية تخدر العقول ، والمشاريع العملاقة تهدهد النفوس ، والخطط الاستراتيجية الكبرى تطمئن القلوب.

وبعد ذهاب السكرة ومجيء الفكرة أقنع الواقع المرير الكثيرين بأن الوعود سراب ، وأن الخطط والاستراتيجيات أوهام ، وليس هنا على أرض مصر سوى الفقر لمن سكت ، والبطالة لمن رضي ، وغلاء الأسعار لمن أيَّد ، والقمع لمن عارض ،  وتخمة البطن وامتلاء الجيب لمن شارك في الجريمة بعد أن داس على ضميره ، وهتك عرض إنسانيته ، وأهدر كرامة آدميته .

الآن نعيش واقع المأساة ، ونرى بأم أعيننا أننا حين فقدنا حريتنا ، فقدنا معها أمننا ، وفقدنا أرضنا وثرواتنا ، فلا دنيا كسبنا ، ولا للآخرة ادخرنا .

الآن يسيطر على الغالبية العظمى منا اليأس والقنوط ، ويسعى أكثرنا للهرب من البلاد بحثا عن لقمة عيش مهما كانت مغموسة بالذل .

والمشكلة أن الأوضاع لا تزداد إلا تفاقما و انحدارا ، ولا يبدو في الأفق شعاع أمل ، أو ضوءٌ  في آخر النفق ، فهل هذا ما تمنيناه ؟ !

إن مصر الآن تسقط سقوطا حرا جراء ما جنيناه على أنفسنا ، لم يقل أحد أبدا أن بناء الأوطان يكون بظلم بعض أبنائها وذبحهم وتشويه سمعتهم ، لكن ما قرأناه وفهمناه أن الظلم مؤذن بخراب العمران .

ولم يقل أحد أبدا أن الارتماء في أحضان العدو يجلب رخاء ، بل ما قرأناه وفهمناه أن الارتكان إلى الأعداء هو عين الخراب .

إن لم نراجع أنفسنا ،  وإن لم نستعد زمام المبادرة ، وإن لم نقل كلمة الحق في وجه سلطان جائر ، فقد حق علينا ما حق على الجبناء من قبلنا ، وسنبكي مثل النساء دما على أوطان لم نحافظ عليها مثل الرجال .


 

 المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر