عمر حاذق - مدونات الجزيرة:

 

 في يوم 28 فبراير 2014، استشهد رقيب الشرطة "عبد الله المتولي" أحد حرس المستشار حسين قنديل. بعد ثلاثة أيام فقط أصدرت نيابة أمن الدولة العليا إذنًا بضبط 18 شخصا اتهمهم محضر الأمن الوطني بتكوين خلية ارتكبت الجريمة.
 
في 7 سبتمبر 2015 حكمت محكمة الجنايات بإعدام 9 متهمين، وبالمؤبد على 14 آخرين، وبالسجن 10 سنوات على متهم واحد. وفي 7 يونيو 2016، قضت قامت محكمة النقض بتأكيد عقوبة الإعدام بحق 6 متهمين هم: خالد عسكر، إبراهيم عزب، أحمد الشال، عبد الرحمن عطية، باسم محسن، محمود وهبة، وقامت بتخفيف بعض الأحكام على بعض المتهمين الآخرين.
 
بحسب مستندات القضية، بعض المتهمين قالوا في التحقيق إنهم تعرضوا للإخفاء القسري والتعذيب فترات مختلفة، بلغت أحيانا ثلاثة شهور (باسم محسن)، وقدم دفاع المتهمين البرقيات والمستندات التي تثبت إخفاءهم قسريا، مثل البرقية التي أرسلتها زوجة المتهم أيمن أبو القمصان للمحامي العام في المنصورة إبلاغا عن اختطاف زوجها. كما أن أغلب المحكوم عليهم طلبوا عرضهم على الطب الشرعي لإثبات آثار التعذيب على أجسادهم، وافقت النيابة على طلب بعضهم، وتجاهلت طلب الآخرين.
 
لكن النيابة أثبتت بنفسها في محضر التحقيق مع المحكوم عليه بالإعدام إبراهيم عزب أنه: "بمجرد دخول المتهم لغرفة التحقيق بدت عليه علامات الإعياء الشديد وقرر أنه لم يتناول طعامًا ولا شرابًا منذ الليلة السابقة ولم ينل قسطًا من النوم فأمرنا له بطعام وشراب لفترة حتى يتسنى له استكمال استجوابه".
 
إذا كانت النيابة عاينت آثار التعذيب تلك، فلماذا لم تفتح تحقيقا مع المسئولين عنها؟ ولماذا اعتمدت اعترافات إبراهيم، تحت التعذيب، دليلا لإدانته؟ ولماذا حُكم عليه بالإعدام في الدرجة الأولى ثم في النقض؟

في موضع آخر يبدو الأمر غريبا حد العبث، حيث عاينت النيابة آثار التعذيب وأثبتت رؤيتها، وهي الآثار التي وصفها عزب بقوله: "الإصابات اللي موجودة عندي جرح في مقدمة الرأس من الجهة اليمنى وكدمة في خلفية الرأس وجرح في الأنف متورم وجرح بالرقبة وجروح عديدة بالظهر وكدمات من أعلى وفى الصدر وسحجات وتورم وكدمات وآثار احمرار بأنحاء الجسم وآثار احمرار بالذراعين من جهة الأمام وآثار لحروق بالذراعين وجروح طويلة أسفل البطن وأسفل الظهر والفخذين الأيمن والأيسر والاصابات دي حصلت بالضرب باليد والرجلين والعصيان الخشب بتاعة الأمن المركزي وعصا كهربائية وحروق بطفي السجائر وضرب بالمواسير ومعرفش أنا اضربت كام مرة تحديدًا لأنهم كتير".
 
إذا كانت النيابة عاينت آثار التعذيب تلك، فلماذا لم تفتح تحقيقا مع المسئولين عنها؟ ولماذا اعتمدت اعترافات إبراهيم، تحت التعذيب، دليلا لإدانته؟ ولماذا حُكم عليه بالإعدام في الدرجة الأولى ثم في النقض؟
 
كما أن المحكوم بالإعدام محمود وهبة تم عرضه على الطب الشرعي متأخرا، مع ذلك أثبت التقرير إصابته بـ: "أثرة التئام في دور التكوين غير منتظمة الشكل تقع بأسفل نهاية وحشية الساعد الأيسر.. تغيرت معالمها الأصلية الإصابية بمضي الوقت وعوامل الشفاء والتطورات الالتئامية، ونظرا لعدم وجود أوراق طبية تصفها حال حدوثها فإنه يتعذر علينا فنيا من وجهة النظر الطبية الشرعية الجزم بسببها أو طبيعتها أو كيفية وتاريخ حدوثها أو الأداة المستخدمة في إحداثها". فإذا علمنا أن تقرير الطب الشرعي مؤرخ بيوم 5 مايو 2014، وتاريخ ضبطه وفق المحضر الرسمي 7 مارس، أمكننا أن نتخيل الآثار الأخرى التي التأمت قبل العرض.
 
أحمد الشال، المحكوم بالإعدام أيضا، حكى في أقواله وقائع تعذيب وانتهاكات جنسية مروّعة: "بعد ما اتمسكت.. غموا عينيا.. وكهربوني وعلقوني على الباب من تحت باطي... ومدوني على رجلي... ضربوني بالشلوط.. وقلعوني البنطلون وعلقوني من ايدي ورجليا في خشبة وبعد كده جه واحد يحط العصايا في الدبر كذا مرة ويلفها وجه واحد قعد يكهربني في رجليا ورقبتي..". وفي موضع آخر: "في كدمات في وشي في كتفي ووشي وقفايا وحروق في قفايا عشان كانوا بيطفوا السجائر في قفايا". وأيضا: "النيابة أخرت عرضي على الطب الشرعي بالرغم من إني ثابت إصاباتي من أول يوم".
 
إن المتهم دُمرت حياته بسبب تحريات تنسب إليه تدريبا عسكريا في أماكن بعيدة عن الرصد، يجهل الضابط أسماءها، لكنه واثق من تورط المتهم في التدريب داخلها!!
أما أدلة الاتهام فكانت اعترافات المتهمين التي أثبتت النيابة بنفسها تعذيب بعضهم، وتحريات الأمن الوطني، التي كُتِبت مفصلةً بعد ثلاثة أيام فقط من الواقعة. ومع أن التحريات لا تصلح لأن تكون وحدها دليلا أساسيا على ثبوت التهمة، وفق ما استقرت عليه المحاكم المصرية، فقد جاءت مُجهلة المصادر تماما، حرصا على سلامة هذه المصادر. وفيها أقر ضابط التحريات بأنه تمكن من تحديد الخلية التي ارتكبت جريمة قتل الشهيد متولي وشرعت في قتل أمين شرطة آخر، ثم ناقض نفسه بعد ثلاثة شهور في تحقيقات النيابة حيث أقر بأن تحرياته لم تتوصل لمعرفة مرتكبي جريمة الشروع في قتل أمين الشرطة ولا كيفية ارتكابها.
 
في مقال سابق لي، درست تفاصيل قضية سياسية صدرت فيها أحكام بالإعدام والمؤبد، أقتبس منه هنا هذه الفقرة التي تخص سجينا زاملني في السجن، حكم عليه بالسجن 15 سنة، وكان متهما بالقتل في ليلة زفافه، وبأنه يدرب الإخوان تدريبات عسكرية: "ضابط الأمن الوطني شهد أن المتهمين الماثلين هم من قاموا بالتعدي على الضحايا، وأنّه عرف ذلك من خلال المعلومات والمصادر والتحريات (بدون أية تفاصيل).. فطلب المحامي منه تحديد أماكن التدريبات العسكرية المرتبطة بالمتهم محمد سعيد، فأجاب الضابط بأنها أماكن نائية، بعيدة عن الرصد! فسأله المحامي إن كانت تحرياته قد توصلت إلى أسماء تلك الأماكن، فأجاب: لا، لم تتوصل"، ثمة تفاصيل أخرى مريرة في المقال: "العريس الذي قتل الناس ليلة الفرح"
 
معنى ذلك أن المتهم دُمرت حياته بسبب تحريات تنسب إليه تدريبا عسكريا في أماكن بعيدة عن الرصد، يجهل الضابط أسماءها، لكنه واثق من تورط المتهم في التدريب داخلها!! فكرت طويلا في هذا السؤال: لماذا لا يجوّد الضباط تحرياتهم لتبدو أكثر إقناعا؟ في القضية التي سُجنت بسببها سنتين إلا شهرين، رأينا محامينا، ونحن في قفص المحكمة، يستخرج من محضر الشرطة أوصافا متضاربة لسيارة الأمن المركزي التي اتُهِمنا بتكسيرها.. ظل قضاة الاستئناف يستمعون بإنصات شديد ثم سجنونا بضمائر مستريحة راحة أحسدهم عليها حقا.
 
ظللت أفكر: لماذا لم يتهمونا بتكسير سيارتين بصفتين مختلفتين، بحيث يزول هذا التضارب الفج؟ أو لماذا لم يتم توحيد صفة ونوع السيارة، ليخففوا عنا عبثية أن نُسجن بسبب تكسير سيارة ذكرت الشرطة صفات متضاربة لها؟ كنا محظوظين لأن سجننا لم يتجاوز السنتين بينما يلتف حبل المشنقة حول رقاب سجناء آخرين بتحريات كهذه. يضاف إلى ذلك حضورهم التحقيقات دون محامين، وبعلم النيابة وتبريرها ذلك بحالة "الضرورة"، واحتجازهم في أماكن احتجاز غير قانونية.
 
لكن هناك كوارث أخرى في القضية، منها:
إذا كان لابد من توزيع أدوار على بعض الشباب لإعدامهم، لماذا أصر الكاتب والمخرج والمصور على إسناد دور قيادة الدراجة النارية والتصويب وإطلاق الرصاص (أثناء القيادة) إلى الشاب الوحيد بينهم، الذي يستحيل أن يؤدي الدور بسبب عمليات جراحية في المخيخ
أثبت تقرير الطب الشرعي أن الطبنجة التي ضبطتها الشرطة عيار 9 مم حلوان هي السلاح المستخدم في القتل، بينما أثبت تقرير الأدلة الجنائية أن الفارغ الذي عثر عليه بجوار المجني عليه يخص سلاحا ناريا عيار 9 مم صناعة أجنبية، كما خلت الأدلة من شريط كاميرا المراقبة الذي ذكره محضر الشرطة كدليل اتهام، وخلت الأحراز من ترسانة الأسلحة التي تم تصويرها مع المتهمين في فيديو اعترافاتهم (وعلامات التعذيب على وجوههم)، بالإضافة إلى تناقض تقرير الطب الشرعي، الذي ذكر أن الطلقات أطلقت على المجنى عليه بالوضع القائم المعتدل للجسم، مع الدليل القولي الذي نص على إطلاق الرصاص عليه في وضع الجلوس على دراجته البخارية. أيضا قدم دفاع أحمد الشال المحكوم بالإعدام تقارير طبية تثبت استحالة ارتكابه التهم المنسوبة إليه كقيادة دراجة نارية وإطلاق الرصاص على المجني عليه، لأنه يعاني من اضطرابات سمعية اتزانية بسبب جراحتين قديمتين لاستئصال ورم بالمخيخ، ولأنه كان تحت العلاج بأدوية الصرع قبل اعتقاله، مما يُعجزه عن التحكم في اتزانه.
 
سيظل هذا السؤال يطاردني: إذا كان لابد من توزيع أدوار على بعض الشباب لإعدامهم، لماذا أصر الكاتب والمخرج والمصور على إسناد دور قيادة الدراجة النارية والتصويب وإطلاق الرصاص (أثناء القيادة) إلى الشاب الوحيد بينهم، الذي يستحيل أن يؤدي الدور بسبب عمليات جراحية في المخيخ، مع أن إعدامه ممكن بتهم أخرى (كمساعدة زملائه في الجريمة) وهي التهم التي كانت سببا لإعدام زملائه؟


ملحوظة:
* اعتمدت هذه التدوينة بشكل أساسي على جهد حقوقي هائل ضمن تقرير بعنوان: "إعدام الحق في المحاكمة العادلة" للباحثين أحمد عطا الله وشريف محيي الدين.

* وكذلك على تقرير حقوقي ممتاز بعنوان: "قضية شباب المنصورة.. من البداية وحتى رفض الطعن"، من إعداد موقع نافذة مصر.

لولاهما لما أمكنني جمع المعلومات الموجودة في التدوينة، شكرا للحقوقيين المخلصين.