حنان السيد :

عندما يأتي ذكرهم أوتقرأ لهم تهنئة أو نعى فى الجرائد يسترجع ذهنك ذلك الرجل الشريف القوى الحازم رجل يخشاه كل الرجال
تقف نظراتك لتتبع حركاته وهمساته عندما تشاهده فى المرئيات تتداول الأحداث وترمى

 بحبالها لتسرح بخيالك وتلعب به تتوقع من كل شخصية الخيانة أو الغدر أو عدم الامانة

وتجد توقعاتك دائما فى محلها الرجل الشريف صاحب المبادئ والقيم صاحب الهيبة
التى يهتز لها كل رجال الدولة ويهابه أكبر رجال العصابات لا يلين ولا يخاف ولا يخون مبادئه لقد صنع على يد الإعلام ذلك القاضى الذى رسم له كل هذا وفى المقابل شوه كل ما هو إسلامى
غيروا كل الحقائق ليعيش الناس على أمل أن هناك شرفاء فى زمن الغدر
ولكن لم يكتشفوا الحقيقة إلا عندما أظهرت الثورة هؤلاء الفسدة ووجهوههم القبيحة
وأظهروا الوجه الحقيقى وجه قضاة السلطة فكانوا اليد التى تحركها السلطة لمصالحها وتوظفها ظلت هذه اليد فاسدة بكل معنى فلقد خرج منها الشرفاء الرافضين
لأى انقلاب على إرادة الشعب
خرجوا قضاة الاستقلال وقضاة البيان وغيرهم ليطهروا أنفسهم من دنس السلطة
ويكونوا ثوارا قضاةً أحرارا رفضوا أن يكون قضاة عبيد للعسكر
لم يكن هذا الموقف الوحيد للقضاة
في مصر العثمانية وقبل الحملة الفرنسية عام 1798 كانت المحاكم الشرعية هي المحاكم الرئيسية في مصر، وكانت مستقلة بشكل كامل عن سلطان الولاة
بجهود عبدالعزيز باشا فهمي أول رواد استقلال القضاء في مصر.في عام 1931 تم تشكيل محكمة النقض ثم تأسس نادي القضاة عام 1939 بهدف التحرر من سلطة المحاكم المختلطة، وفي عام 1943 صدر أول قانون لاستقلال القضاء برقم (66) لعام 1943 بعد أن تم إدراج القضاء لأول مرة ضمن سلطات الدولة من خلال دستور 1923، الذي نص في فصله الرابع على أن “القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، وليس لأية سلطة في الحكومة التدخل في القضايا

ثم عام 1946 تم إنشاء مجلس الدولة للفصل في منازعات الجهات الحكومية، وفي عام 1949 حقق القضاء انتصارًا كبيرًا بإلغاء المحاكم المختلطة وإعطاء الولاية في مصر للمحاكم الأهلية.

كان أعضاء مجلس قيادة الثورة يعتلون منصات القضاء ويباشرون بأنفسهم إصدار الأحكام القضائية.
 عام 1952 تم إنشاء المحاكم الاستثنائية في مصر خارج إطار القضاء الطبيعي تحت شعار التخلص من خصوم الثورة واشتهرت محكمة الثورة عام 1954 التي حكم فيها بالإعدام على 8 أشخاص تم إعدام 6 منهم فعليًّا
1954 “مذبحة مجلس الدولة”: كان يرأس مجلس الدولة وقتها عبدالرازق السنهوري باشا، أحد أكبر رموز القضاء في مصر، والذى أشيع وقتها أنه يناصر محمد نجيب في صراعه ضد عبد الناصر الذي يجنح إلى الديكتاتورية والانفراد بالحكم
ثم كانت مظاهرة العمال الشهيرة التي اقتحمت مجلس الدولة واعتدت على السنهوري في مكتبه، تمهيدًا لقيام عبد الناصر بإعادة تشكيل مجلس الدولة واستبعاد 11 مستشارًا على رأسهم السنهوري ذاته.
وفى عام 1962 أسس عبد الناصر الحزب الاشتراكى العربى الذى انضمت إليه جميع أجهزة الدولة باعتباره تنظيمًا سياسيًّا شعبيًّا بديلاً للاتحاد القومي وهيئة التحرير،
ورفضت رموزا بارزة الانضمام للحزب وكان على رأسهم المستشار ممتاز نصار، ولقد استقطب عبد الناصر بعض قضاة السلطة ليتجسسوا على القضاة الاحرار وكانوا بمثابة جهاز أمنى للتجسس على القضاة
وفى عام 1969 كانت مذبحة القضاة فى انتخابات نادى القضاة التى خاضها قضاة السلطة امام القضاة الأحرار ففازت قوائم
“القضاة الأحرار” بقيادة المستشار ممتاز نصار الذي نجح في تحقيق انتصار ساحق على قائمة السلطة – التي دعمها وزير العدل محمد أبو نصير وفازت قائمته بـ15 مقعدًا من إجمالي 15 بنسبة 100%.
ورفض عبد الناصر اعتماد نتيجة الانتخابات وأصدر عدة قوانين تحت شعار إصلاح القضاء وإحداث ثورة تشريعية، وينص القانون (81) على إنشاء المحكمة الدستورية العليا، بينما ينص القانون (82) على إعادة تشكيل الهيئات القضائية مما أسفر عن عزل 189 قاضيًا بينهم رئيس محكمة النقض، والقانون (83) الذي جعل نادي القضاة بالتعيين على حسب الأقدمية، والقانون (84) الذي نص على ضم الهيئات القضائية بالكامل وتشكيل المجلس الأعلى للقضاء برئاسة رئيس الجمهورية بما يعني خضوع القضاء بشكل كامل للسلطة التنفيذية.
هذا نموذج من القضاة الشرفاء الذين رفضوا السلطة وأن يدنسوا تاريخ القضاء
ولكن سارقى السلطة سارقى الوطن يجب أن يكون لهم أذرع لتحارب عنهم فهى سلاحهم الفتاك
الذى يقطعون به أعناق الحرية كلما نهضت لتصرخ بأقوى صوت وتحرر الوطن من دنسهم
فعلم سارقى الوطن أن الاعلام ليس سلاحه الوحيد فيجب أن يكون له سلطة تنفيذية عصى تضرب بها كل من نهض
فحرص الاستعمار منذ القدم على إفساد القضاة ليفسوا كل شئ وكل القيم والأعراف
فمنذ أن دخل نابليون مصر تفنن فى إفساد القضاء فى مصر
وتم إنشاء محاكم للطوائف المختلفة “الشوام – الأقباط – الأتراك”، وتم تهميش دور المحاكم الشرعية؛ حيث جعل التقاضي إليها أمرًا اختياريًّا.
وأيضا تم إنشاء المحاكم المختلطة التي أنشأها الإنجليز بهدف السيطرة على القضاء عام 1876، ويعد حكم دنشواي الشهير “1908” الذي تم الحكم فيه بإعدام 4 مصريين وإدانة 36 آخرين في المحكمة التي ترأسها بطرس غالي وأحمد فتحي زغلول، أشهر أحكام المحاكم المختلطة.
وفى عهد عبد الناصر انقلب على الانتخابات الشرعية للقضاة التى أدت إلى فوز ساحق للقضاة الأحرار وهو اختيار جميع القضاة
ولكن أبى ذلك الحاكم العميل أن يكون هناك قضاة شرفاء لأنه يعلم أنه سارق خائن للأمانة
وأن هؤلاء القضاة هم من يملكون نشر العدل والقيم والحفاظ على كيان الوطن بشرفهم وأخلاقهم التى لا تناسب أخلاق قضاة السلطة
فلم تعى الشعوب تلك المعركة وتركت أنفسها فى السعى للقمة العيش وتركت عقولها وكيانها لإعلام فاسد وسلطة باطشة وقضاة سلطة خائنون
فبعد ثورة يناير بدأت تظهر حقائق يمكن يدركها القليل من الشعب ولكنها بمرور الأيام تظهر وتنكشف
ولسوف يقف الشعب فى يوم من الأيام ليكون هو القاضى ليحاكم قضاة السلطة

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر