عز الدين الكومي :

بعدما اطلعت على ما كتبة الشيخ "الريسوني" فى صحيفة الأيام المغربية، وقد ألامني كثيراً كما آلم غيري موقف الشيخ وهو رجل المقاصد المعروف، فقد جانبه الصواب فى جل ما قال، ولم يكن منصفا البتة، حتى إنك عندما تقرأ ما كتب الشيخ لا تجد فرقا كبيرا بين الشيخ وبين وزير ثقافة الانقلاب حلمي النمنم؛ فالنمنم يطالب الإخوان بالانسحاب من المشهد برمته وإخلاء الساحة لعسكر كامب ديفيد، وأن مصر دولة علمانية بالفطرة، وطوال تاريخها لم تقم فيها دولة دينية إلا في حالتين فقط وفشلتا، والعلمانية ليست نقيضاً للإسلام كما يدّعي البعض!!
ولا يخفى على الشيخ أن الصراع هو صراع بين المشروع السني ـ والإخوان فى القلب منه وحجر الزاوية له ـ وبين المشروع الصفوي والمشروع الصهيوأمريكي والمشروع الروسي، لكن الشيخ راح يردد مقولة: مصر دولة عسكرية والإخوان يريدون تغييرها، وهم غير مؤهلين !!وهذه دعوة تثبيطية لا تستند إلى الواقع ولا التاريخ!!
كما أن معلومات الشيخ مغلوطة؛ فلا الشيخ الغزالي ولا الشيخ سيد سابق تركوا الجماعة، على الرغم من خروجهم من الجماعة بناء على رغبتهما، ولكنهم بقوا مع الجماعة يساهمون في أنشطتها العلمية والتربوية؛ فقد قال الشيخ الغزالي رحمه الله: عندما قلت عن الإخوان إنهم مجددو القرن الرابع عشر كنت أقصد ما أقول، فإن الإخوان في الأزهر والجامعات كلها وفي المدارس كانوا شبابا طليعة يحترمهم الكل ويستريح لهم الكل، وقال أيضا: لقد اختلفت مع المغفور له الأستاذ حسن الهضيبي، وكنت حاد المشاعر فى هذا الخلاف لأني اعتقدت أن بعض خصومي أضغنوا صدر الأستاذ لينالوا مني، فلما التقيت به عليه رحمة الله بعد أن خرج من المعتقل تذاكرنا ما وقع وتصافينا وتناسينا ما كان، واتفقت معه على خدمة الدعوة الإسلامية، وعفا الله عما سلف.
أما الشيخ سيد سابق فقد بقي على العهد، وكان الإخوان يستعينون به فى كتائبهم الدعوية والليالي الإيمانية.
أما الدكتور القرضاوى فيقول: لقد استعفيت من جماعة «الإخوان المسلمين» من عقود، لأكون خادما للأمة كلها، وعرض عليّ منصب مرشد الإخوان من قبل مرات عدة، لكني اعتذرت، وفي رجال «الإخوان» من يقوم بهذه المهمة خير قيام أفضل مني !! فهو لم يفصل من الجماعة كما زعم الشيخ وبقي على علاقته حتى بعد أن طلب إعفاءه من التنظيم، فلماذا هذا التدليس ولمصلحة من!!
وكم أنا متعجب من عبارة الشيخ التي يقول فيها :"كنت مرتاحا جدا لإزاحة مرسي ... رئاسة في غير محلها" والسؤال لرجل المقاصد:
هل إزاحة الرئيس "مرسي" أمر يدعو مثلَك لأن يفرح لها وكأنك تتحدث عن طاغية من طغاة الزمان؟ !! فالرئيس مرسي حاكمٌ مسلمٌ انعقدَتْ له البيعةُ الشرعية، ولم يفعل ما يستوجب عزلَه شرعا، وأنا على حد علمي أنك لا تقر فكرة الحاكم المتغلب، حيث إنك تقول: لم ينص الإسلام على مشروعية المتغلب في تولي الحكم، ولا هو أرشد إليها ولا أقر وقوعها ولو في نازلة واحدة، فلا نجد شيئا من هذا لا في القرآن الكريم، ولا في السنة الشريفة، ولا في سنة الخلفاء الراشدين، ولئن كان لولاية التغلب والاستيلاء مسوغات معقولة في العصور الماضية، على الأقل في بعض حالاتها، فإنها اليوم في ظل شيوع الدساتير والمؤسسات، ويسر تنظيم الاستفتاءات والانتخابات قد فقدت كل مسوغ لبقائها، بل هي اليوم تعد أسوأ من الرق والقرصنة، لأن الرق والقرصنة كانا يصيبان أفرادا وأطرافا من المجتمعات، أما الاستيلاء على الحكم بالقوة والغلبة وبدون ضرورة ملجئة فهو استرقاق للأمم وقرصنة للدول!!
أما بخصوص ترشح الإخوان للرئاسة فما لا يعلمه الشيخ أن الإخوان رفضوا أن يدفعوا بمرشح، وأعلنوا ذلك وعرضوا الترشح على شخصيات معتدلة من خارج الإخوان من أمثال المستشار طارق البشرى ومحمود مكي، ولكنهم هُدِّدوا من قبل العسكر، فخافوا ورفضوا العرض الإخواني، فلم يكن أمام الإخوان إلا الدخول إلى هذا المعترك وهم يعلمون أنه مغرم وليس مغنما !!
زد على ذلك أن إقدام الإخوان على الترشح للرئاسة؛ هذه مسألة اجتهادية أما الرئيس "مرسي" فقد أعطى النموذج للحاكم المسلم العفيف، وحقق عددا من الإنجازات في عامٍ واحدٍ ويكفى أنه صرح قائلا: أننا إذا أردنا أن نمتلك إرادتنا، فعلينا أن ننتج غذاءنا ودواءنا وسلاحنا، تلك العناصر الثلاثة هي ضمان الاستقرار والتنمية وامتلاك الإرادة!!
ولكن تصل السذاجة بالشيخ إلى درجة القول أنه نصح الإخوان حتى بعد الرئاسة بأن يتخلى مرسي عن الرئاسة، وأن يدعم الإخوان مرشحا يكون فقط يحترم الحريات والديمقراطية، مثل عمرو موسى أو البرادعي، وهذا الرأي الذي يتبناه الشيخ هو نفس رأى كاترين أشتون ممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الأوربي، والتي أرادت فرض البرادعي رئيسا للحكومة بصلاحيات كاملة، ولكن الرئيس مرسي أصر على الرفض لعلمه بعمالتهم !!
ويزعم الشيخ بأن الإخوان في غضون شهور يستحوذون على مجلس الشورى، ومجلس الشعب ورئاسة الدولة والحكومة؟ لكنهم عاجزون رغم أن الشعب صوت عليهم، فالجيش والقضاء ضدهم، ورجال الأعمال والأقطاب والإعلاميون والفنانون ضدهم، وما على الشيخ إلا الرجوع إلى ما قاله زعيم عصابة الانقلاب لصحيفة أمريكية بقوله: لو القضية أن حكم مرسي كان فاشل كنا صبرنا عليه 3 سنوات، ولكنه أراد تغيير هوية مصر، وسعى نحو تأسيس خلافة إسلامية" يعنى الرئيس مرسي لم يكن فاشلا ولا الإخوان كانوا فاشلين كما زعم الشيخ سامحه الله!!
وكان هناك مخطط شيطاني، شارك فيه كل فلول المخلوع، وقوى دولية وإقليمية، وجيش كامب ديفيد برعاية أمريكية، وبالتالي فإن ما جرى من انقلاب على الرئيس مرسي هو تخطيط صهيوني موقع عليه أمريكيا، وتمويل خليجي، وتنفيذ عسكر كامب ديفيد يا فقيه المقاصد!!
والعجيب أن الشيخ يشيد بمواقف حركة النهضة التونسية، قائلا: حركة النهضة كذلك عاشت وضعا شبيها، وإن كان ذلك بشكل أقل، ولكن الحركة تراجعت إلى الوراء من تلقاء نفسها، لأن رئيس الحكومة والوزير يصدران قرارات ولا تنفذ، والجميع ضدها في الإدارة والمسؤولين والموظفين واعتبر أن قيادة الإخوان الحالية ضحلة مقارنة بالشيخ راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو في تونس فإنهم لامعون في الفكر، ومثقفون حقيقيون!!
ولماذا لا يكون الشيخ أكثر وضوحا وأكثر صراحة، ويطالب الإخوان في مصر بانتهاج العلمانية حتى يرضى عنها الغرب والشرق، وإلا فحركة النهضة التي يتغنى بها شيخ المقاصد، كما لو كانت تقف فوق سطح مرتفع فكلما وجدت نفسها مضطرة من أجل استيعاب خصومها تتنازل وتبدي موافقتها على مطالب الخصوم، ولكن خصومها لا يكفون عن مطالبهم وإذا ما تمنعت رموها بالمناورة والنفاق السياسي، لدفعها للتراجع إلى الخلف حتى تسقط، هذا الأمر جعل قيادة الحركة في وضع صعب حتى أمام قواعدها التي تتساءل: ماذا بقي من هوية النهضة؟؟!! والذي يعتبره كثير من أبناء الحركة تنازلات وليس تعبيرا عن تطور ذاتي نابع من وعيها الذاتي!! فهل يريد شيخ المقاصد من الإخوان المسلمين أن يحذوا حذو حركة النهضة هيهات هيهات!!

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولايعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر