في مثل هذا اليوم منذ أكثر من ستين عامًا وقف أسلافُكم من رجال الشرطة موقفًا بطوليا في الاسماعيلية، في مواجهة جيش الاحتلال البريطاني، دفاعًا عن كرامةِ مصر والمصريين، وظلوا يقاتلون بأسلحتهم البدائية، حتى نفدت ذخيرتهم، وسقط منهم عدد كبير من الشهداء، ورفع الشعب المصري مكانتهم إلى عنان السماء، وأسكن حبهم في سويداء قلبه، وأحنى لهم العالم رأسه إجلالا وتقديرا، ولذلك اعتبر يوم 25 يناير عيدا للشرطة.

وللأسف فقد انحرفت الأنظمة الديكتاتورية بجهاز الشرطة، وحولته من جهاز يحمي الشعب والوطن، ويوفر الأمن والسلام الداخلي لهما، إلى جهاز يحمي الحاكم الظالم ويبطش بالشعب، وينشر الرعب والفزع بين المواطنين، يقتل ويعتقل ويعذب ويلفق ويظلم وينهب، حتى تحول من جهاز وطني إلى جهاز يمقته المواطنون ويعتبرونه عدوًّا بغيضًا، وتجلى ذلك أثناء ثورة 25 يناير 2011، والآن يتكرر عدوانه على الشعب بطريقة أكثر وحشية، فالقتلى والمصابون والمعتقلون والمعذبون بلغوا عشرات الآلاف.

ورغم ذلك فنحن نوقن بأن جهاز الشرطة يضم رجالًا شرفاءَ يتألمون لما يصيب شعبهم على يد المفسدين، وهم الذين نخاطب اليوم ضمائرهم؛ لينحازوا إلى الحق والعدل ومصلحة الشعب والوطن، ويعودوا إلى دورهم الحقيقي في الحفاظ على أمن الشعب وسلامته.

لقد ورَّطكم الانقلابيون في سفكِ الدم الحرام وإزهاق الأرواح البريئة، فلمصلحة من يدفعونكم لارتكاب هذه الجرائم؟ بالتأكيد ليس لمصلحتكم الشخصية ولا لمصلحة الوطن، وإنما لمصلحة حفنة من قادة الانقلاب، لتحقيق أحلامهم في الاستيلاء على السلطة، فلماذا تطيعونهم في هذا المنكر الأكبر بقتل إخوانكم المواطنين، وقد كتب الله ﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾.

يقول البعض إنه (أكل عيش)، فهل ترضون أن تأكلوا وتطعموا أولادكم خبزا مغموسا بدماء إخوانكم وأخواتكم؟ وحينما تنظر أيها الضابط أو الأمين أو الجندي في عيني ابنك أو ابنتك، ألا تتذكر الشاب أو الفتاة الذي قتلته أو التي قتلتها بسلاحك؟ ألا تخشى أن ينتقم الله منك في أولادك أو أعزائك أو في صحتك وحياتك؟ ألا تعلم أن الله قد أقسم أن ينصر دعوة المظلوم ولو بعد حين؟ لمصلحة من تحرم أهل الشهداء منهم، وتحرم الوطن من أبنائه وزهراته؟.

لقد رأيتم وزيركم الأسبق وقادتكم وهم يحاكمون لجرائمهم في ثورة 25 يناير 2011، وإذا كان هناك من تآمر لإنقاذهم، فقد وعى الشعب الدرس، وقرر أن يستمر في الثورة لنهايتها ولتطهير البلاد، وقريبا جدا سوف ينكسر الانقلاب بإذن الله، وسوف يهرب قادته المجرمون بملياراتهم إلى قصورهم في الخارج ويضحون بكم، بل قد بدأ بعضهم بالفعل في الهرب وتهريب أسرهم، فلا تكونوا أكبر الخاسرين الذين يخسرون أنفسهم وشعبهم وسمعتهم، ويسجلهم التاريخ في صفحات جنود فرعون الذين خانوا أوطانهم وأمانتهم وأهلهم.

فأدركوا أنفسكم، وأثبِتوا وطنيتكم قبل فوات الأوان، ففي صفوف الوطن والثورة متَّسَعٌ لكل الشرفاء، وحضن الوطن ينتظر كل الشرفاء من رجال الشرطة، لينضموا إلى صفوف ثورته، فانتهزوا هذه الفرصة التاريخية لتكونوا يدا واحدة مع شعبكم ومواطنيكم.

والله أكبر، وعاشت مصر حرة آمنة مستقرة.